" ماذا عملت التربية والتعليم، والأوقاف، والعلماء في تربية الجيل الجديد الذي ينزلق بعض شبابه نحو العنف؟".. هكذا تساءل فخامة الرئيس علي عبدالله صالح في كلمته أمام أصحاب الفضيلة العلماء والوعاظ والمرشدين وخطباء وأئمة المساجد بحضرموت حال اجتماعه بهم منذ أيام في سيئون، وهذا التساؤل الجوهري الذي يضع النقاط على الحروف في سبيل تحمل الجهات المعنية لمسؤولياتها تجاه معضلة الإرهاب والغلو والتطرف هو في الوقت نفسه توجيه صريح بأن هذه الجهات معنية اليوم أكثر من أي وقت مضى بمراجعة سياساتها النظرية والعملية، بغية إيجاد معطيات حقيقية تلامس مشكلة الثقافة المنحرفة، التي يذهب ضحيتها العديد من المغرر بهم من صفوف الشباب والطلاب، ليس في حضرموت فحسب، وإنما في اليمن عموماًَ. وبخصوص الجوانب الوعظية والإرشادية فإن تذكير فخامة الأخ الرئيس بالأثر الذي ينص على أن صلاح الأمة مقرون بصلاح الأمراء والعلماء جاء ليؤكد الدور المنوط بعلماء الشريعة من خلال ما تمثله هذه الشريحة من أهمية في السلم الاجتماعي.. وبعيداً عما إذا كانت بمثابة محددات أم لا فإن حديثه يمثل أعلى سلم الأولويات التي ينبغي أن يجد العلماء فيها دورهم الوطني، ومن ذلك قوله لهم " مثلما نستمع منكم النصيحة فإن على عاتقكم تقع مسؤولية كبيرة لتتحدثوا بجانب الوعظ الديني والإرشادي عن المسؤوليات الوطنية والانسانية المناطة بكل فرد، وأن توعوا المجتمع وتحصنوه ضد الممارسات الخاطئة والنعرات المقيتة والدعوات الباطلة والمغرضة". وحتى لا أعيد سرد حديث فخامة رئيس الجمهورية القيم أمام كوكبة من العلماء وخطباء المساجد، فإن المراد من التذكير به ليس سوى تكريس حقيقة مهمة، وهي أن الشعور الواسع بضرورة أن تضطلع هذه الشريحة بدورها وتؤدي مسؤوليتها سوف ينعكس عليها ايجاباً خصوصاً إذا كان أفرادها – بلا استثناء- عند مستوى المسؤولية الملقاة عليهم، واثباتهم عند مستوى ما هو واجب عليهم من تبصير المجتمع بالدين الصحيح وانتهاج الوسطية والاعتدال في ابتعادهم عن الهامشيات وسفاسف الأمور من القضايا الجدلية والخلافية، والتركيز على جوامع الكلم وكلما من شأنه تأكيد التوحد والاعتصام بحبل الله المتين، ونبذ الفرقة والطائفية والعنصرية والدعوات التخريبية والنعرات المذهبية والمناطقية. بقي أن نشير إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي أن سعي العلماء والمرشدين في سبيل الإصلاح ونشر قيم الخير والفضيلة والوحدة ليس لإملاءات من أية جهة كانت بقدر ما يفرضه عليهم الواجب الديني والوطني، ومن ثم فإنهم أحرار فيما يأتون من شؤون الوعظ والإرشاد، وإن كانت الضرورة تقضي بإرشادات ينبغي أن تضطلع برسمها وزارة الأوقاف والإرشاد، وذلك لضمان أن تصب كل الجهود فيما يخدم الصالح العام ويكرس الوحدة الوطنية والقيم المعتدلة، وحتى لا تصبح بعض الأصوات كمن يغرد خارج السرب، أو يشذ عن الإجماع. وفي هذا السياق يجدر بنا أن نذكر بجزء من حديث فخامة الأخ الرئيس الذي يقول فيه:" الخطيب عندما يعتلي المنبر يكون حراً ولا أحد يسأله، وصحيح أن بعض الإخوان يتساءل: أين وزارة الأوقاف؟!.. لا بد من موجهات من الوزارة، ومن مكاتبها للعلماء والخطباء.. ولا نقول كما بعض الأنظمة نرسل لهم خطبة، لأن هذا يتنافى مع حرية التعبير، مع مكانة هذا الخطيب، لأن الله سبحانه وتعالى خلقه حراً، ولكن نرسل له موجهات لخطبة الجمعة يستفيد منها في أداء رسالته الإرشادية والتنويرية للمجتمع". بهذه الموجهات تكون الرسالة أسلم بلا شك.. وهنا فإن وزارة الأوقاف والإرشاد - على أمل أن تكون قد تمكنت من فهم مرامي توجيهات الأخ الرئيس - معنية بوضع موجهات عامة تسهم في ترشيد الخطاب الديني، الأمر الذي يترتب عليه اتساق المضامين الخطابية والوعظية والدعوية والإرشادية ومتطلبات النهوض بالمجتمع والحفاظ على نسيجه الوحدوي وقيمه الأصيلة، والمساهمة في خلق جيل على صلة حقيقية بمضامين الإسلام الصحيح وثوابته ومبادئه المعتدلة وقيمه المتسامحة. وبهذا يكون العلماء والدعاة والمرشدون قد اتخذوا طريق محاربة الغلو والتطرف والإرهاب كما ينبغي عليهم ويؤمل منهم وليس العكس.