كون الكمال هو لخالق الخلق رب الكون والعصمة للأنبياء- وليست عصمة كاملة بمستوى الملائكة- فالأفضلية والمفاضلة بين البشر هي بالنسبة والنسبية وليس بالمطلق. من الطبيعي أن يأتي تقدير الأفضلية إما من قياسات أي واقع بواقعيته ووقائعه، أو بالقياس المقارن بين متتالٍ أو توالٍ أو بين متوازيات وتوازي. فالنظام الإمامي إما أن يقاس بما أنجزه في الواقع منذ رحيل الأتراك أو يقاس بالأنظمة القائمة الموازية في عصره في بلدان المنطقة أو قياس التوالي في إطار ومعطى النظام الإمامي كأمر واقع، كأن يقال بان الإمام يحيى حميد الدين كان أفضل من تاليه ونجله الإمام احمد. إذا خيار الشيوعية بات أمراً واقعاً كنظام في عدن فالمقارنة مع أنظمة شيوعية ليست فقط خيانة وعمالة كمحذور ومحظور و "خليك في أكل عيشك"، ولكنها غير مجدية حتى انهيار ثقل الشيوعية وزوال هذا الأمر الواقع، وبالتالي فالذين عاشوا عقود النظام الشيوعية بات الأكثر واقعية لحياتهم وفي حياتهم أن يقارنوا بين حاكم وآخر، كأن يقولوا أو يقدروا بأن "سالمين" أو علي ناصر أو البيض هو أفضل الحكام في عقود الشيوعية. حرب 1934م أهم ما أكدته استباق النظام في السعودية للنظام الإمامي في اليمن في الوعي والإدارة والانفتاح والتطور، وبالتالي فالسعودية بعد قيام ثورة سبتمبر 1962م باتت قوة تواجه المد القومي في اليمن وثقلاً أقليمياً أو بين أهم أثقال التأثير أقليمياً، بل وله قدرة تأثير في مراحل ومحاور للسياسة الدولية، وهو بالتالي بات المحتوي والحاوي للنظام الجمهوري بعد انسحاب القوات المصرية والصلح مع الملكيين، أو في قران تبعية تجاوز المقارنة وعياً وواقعياً لم يعد من واقعية مقارنة إلا بواقع ونظام ما بعد الثورة مع واقع ونظام ما قبلها، ومقارنة واقع ونظام ما بعد ثورة أكتوبر بواقع ونظام ما قبلها أو مقارنة نظام ونظام أو حاكم وحاكم بعد الثورة كمقارنة بين نظامين في صنعاءوعدن أو بين حكام توالوا على النظامين بعد الثورة. إنني مثلا لا أعرف كل آراء الناس عن شخصي في غيابي ولكنني لأكثر من عقد كأنما هي باتت قضية الناس الذين أعرفهم وألتقيهم ليحدثوني أو يتحدثوني عن وضع ظلم وعدم إنصاف لشخصي ولست من يثيره بأي شكل، بل أحس بملل أو ضجر في أي حالة من طرحه. كثيرون يتعاطون الأمور والقضايا الكبيرة من قضاياهم الشخصية الصغيرة ومن الذاتية الضيقة أو النرجسية، لتصبح الذاتية الأضيق هي معيارية فوق الوعي والواقع وفوق استحقاقات وطن ومجتمع، وما يؤثر فيه أو عليه داخلياً وخارجيا. نستطيع أن نستوعب أن تحقق الوحدة كان بين أهم عوامله متغيرات عالمية، وأن هذه المتغيرات فرضت على أطراف داخلية إنهاء العداء مع الرجعية والامبريالية بما في ذلك الأصولية التي حشرت أو انحشرت في إطار وتأخير الإرهاب أو في زواياه وأكهفه، وإن ظلت بين "زقرعة" ومناوشة حتى أحداث سبتمبر 2001م. نستطيع كذلك استيعاب أن الأوضاع والصراعات الداخلية ومستوى من رغبة أو اندفاع التوافق مع الخارجين، نقلنا من خيارات وخيالات القومية والرجعية والأممية إلى خيار وخيال الديمقراطية. إذا النظام يرى الديمقراطية انتخابات نزيهة فحسب فالنظام يلزم نفسه أو يلتزم بتوفير انتخابات نزيهة، وإذا المعارضة ترى الديمقراطية هي فقط إقصاء الحكم أو الوصول إلى النظام فهي تلزم نفسها أو بذلك تلتزم، فلاحق النظام في البقاء في السلطة ديمقراطيا بقدراته وأدواته بسقف والتزام نزاهة الانتخابات، يلغي حق المعارضة في طموح الوصول للحكم، ولا حق المعارضة في هذا الطموح يلغي حق الحكم في البقاء ديمقراطيا. الذي لا يفترض من الحكم أو المعارضة هو ألا يجعلا من الرأي والرأي الآخر صراع طرف ضد آخر يحاصر الديمقراطية وتنحصر فيه، فهدير التطبيل يأتي من طبول، وهدير التضليل يأتي من التفعيل الطبولي والبطولي لمستوى من الضلالة. فهل الديمقراطية هي طبول تطبيل وطبول تضليل فحسب؟!.. إن بقاء أو رحيل حاكم في اليمن ما زالت مسألة قضاء وقدر أكثر منها ربطا بالأخذ بالأسباب أو بالتسبيب ديمقراطيا أو بالسب ديمقراطيا. لو أصغر مديرية أو حتى قرية في اليمن باتت دولة مستقلة ومعترف بها دوليا فلا بد أن ينشأ صراع على الحكم في هذه المديرية أو القرية، وبالتالي فالصراع على الحكم هو في مستوى وسقف تخلف سنة حياة أو من القضاء والقدر، لا علاقة له لا بالتشطير ولا بالوحدة كما أثبت التشطير وأثبتت الوحدة، وبالتالي فالصراع على الحكم اختار الأرضية الجديدة لهذا الصراع "الديمقراطية" كما أرضية القومية أو الأممية أو الأسلمة.. الخ. المرء يحس منذ تحقق الوحدة اتخاذ النظام بديلاً للأعداء أو للعداء ضد الرجعية والامبريالية والإلحاد والعلمنة أكثر مما يمارس من عداء ضد أخطاء النظام في الكشف والتعرية والتحقيق والحقائق والثبوتيات والوقائع، وبالتالي فالمعارضة لم تكشف كل أخطاء النظام أو ربما نصفها حتى الآن للوعي العام والرأي العام بقدر ما تصب شحنات وبراكين العداء وتحاول تعبئة الشارع بذلك، ومع ذلك ستظل فاقدة التأثير أو لا تستطيع التأثير بمستوى ما تستطيعه لو ركزت واكتفت بحقائق أخطاء النظام والأخطاء الحقيقية. هذا الارتكاز والتركيز العدائي للمعارضة تجاه النظام بما فيه من تجاوزات للواقعين، أو مس بأهم قضايا الواقع كالوحدة، من الطبيعي أن يلفت الوعي إلى تساؤلات تتجاوز افق الصراعات وضيقها للواعين والمحايدين. فليست مشكلة ولا أولوية لي لحصر أو إثبات الأخطاء الحقيقية للنظام، كون مجمل ما يطرح بات يطرح القضية بالإجمال الأوضح قياسه أو الممكن تقديره، فكون النظام الحالي هو أسوأ الأنظمة أو أفضلها أو الأفدح خطايا أو الأقل في الأخطاء لم تعد قضية للإقناع بالتلقي أو بالتلقين، كما لم تعد قضية لإثارة جدل ونقاش، كونه يسهل القياس التقريري والتقديري، بقياس المقارنة للأنظمة أو لواقع أنظمة. البديهية هي أن أي نظام يمارس العمل ويتحمل المسؤولية فإنه لا بد أن يخطئ، والأرجح أن تكون الأخطاء أكثر في مثل واقع اليمن، ولذلك فأية معارضة لا تحتاج إلى حقيقة وحقائق الأخطاء الفعلية، والقفز إلى أكثر من ذلك أو أبعد لا يبرر ولا يتفهم كتضليل حتى بمستوى ما قد يبرر أو يتفهم التطبيل من طرف النظام أو طبوله. لا توجد معارضة في ظل أوضاع وظروف اليمن تتيح للحاكم أن ينسفها إلا بقدر ما هي معارضة فاقدة الوعي لا تملك واقعية في وعيها ولا تمارس الواقعية في علاقتها بالواقع. ليس المهم أن يكون علي عبدالله صالح هو الرئيس أو رأس السلطة أو الحاكم أو الديكتاتور أو الديمقراطي أو الشمولي، فكلها إما أوصاف من الواقع أو توصيفات وتوظيفات مما يعتمل في الواقع، ولكن المهم هو أن الحاكم علي عبدالله صالح نسف المعارضة من حضرموت نسفاً واقعياً وبالوقائع من حضرموت وبشكل مخجل لأية معارضة، وهي التي أتاحت له ذلك بأكثر مما كان يستطيعه أو يقدر عليه لو لم تمارس المعارضة أخطاء وخطايا في حق نفسها وذاتها وليس الآخر النظام أو القضايا كالوحدة. رأس النظام حتى وهو يتحدث عن حقائق كالتأمين وإنصاف إعادة المساكن والمزارع المؤممة، بات يحرص على إنصاف نظام شيوعي سابق وحزب معارض بإقران ما له من إيجابيات كتوحيد السلطنات. لم يحاكم نظام واقعاً وواقعياً وهو يحكم وفي الحكم في تاريخ اليمن القديم والحديث كما نظام الوحدة، وفي ظل الحاكم علي عبدالله صالح، ومع ذلك فهذه المحاكم لا تكتفي بحقائق الأخطاء أو الأخطاء الحقيقية لمحاكمة النظام، الذي لا زال يحكم. إذا الانقلابات ظلت تحاكم الأنظمة والحكام بعد الرحيل وقبلها لا تستطيع مجرد وشوشة وحديث هامس، فالمعارضات هي تطور من محاكم التفتيش إلى محاكم "التطفيش". التطور هو انتقال من حاجية المحاكمة بعد الرحيل للانقلابات إلى حاجيتها من أجل الرحيل في ظل المعارضات، والقضية هي القضية "الخطبة الخطبة والجمعة الجمعة". النضال الديمقراطي للمعارضات في بلدان التخلف هو بالتنوير وليس بالتثوير ومقياس ديمقراطية أية معارضة ونضالها الديمقراطي ان توصل الواقع إلى التغيير، لا أن تستخدم الواقع وصولياً كتغيير والعجز في التغيير هو عجز في مكون المعارضة أو ثقافتها وفكرها، وليس عجزاً أو تعجيزاً في الواقع مهما كان هذا الواقع.