* على مسمع ومرأى من العالم ظهر الدكتور محمد عبدالملك المتوكل على سجيته.. مراوغاً يجيد خلط الأوراق وتحوير القضايا وتحريف الكلام وتزييف الحقائق وادعاء التفرد بالصواب والصوابية دون خلق الله.. وزاد هذه المرة أن جعل من نوازعه السوداء تصورات ملغومة يسوقها على ظهر المشترك. * وليس جديداً على من يعرف الدكتور المتوكل أن يضبطه مثيراً للضجيج دونما سبب أو قضية.. فهو الرقم الذي لا يجارى والفانتازيا التي لا تُبارى والبهلوان الذي لا يشق له غبار في مضمار إثارة "الجلبة" بمجرد أن يجد منبراً صادقاً ويرتدي معطفاً سياسياً يثير نشوة مطامحه الجديدة وأشجان نوازعه القديمة. * لكن ضبط المتوكل كذاباً بشهادة دولية أمرٌ حل بفجيعة على كثيرين من الذين لا يعرفون حقيقة المتوكل أو المخدوعين بوداعته، التي يكون عليها في أحواله الاعتيادية وتعاملاته الاجتماعية البعيدة عن السياسة وشؤونها وشجونها ومتطلباتها. * ولمثل هؤلاء المفجوعين بفضيحة المتوكل عذرهم إن هم تعاطفوا معه أو حتى دافعوا عنه وشككوا بصدقية السفير الألماني أو السكرتارية السياسية لسفير بريطانيا، وهما يفنَّدان مزاعم الدكتور المتوكل ويعلنان للملأ وعبر وسائل الإعلام أن المتوكل افترى وكذب وحوَّر، وقال على لسان السفيرين "البريطاني والألماني" ما لم يقولاه.. * وحتى بعض المشتغلين في السياسة، ممن يعرفون حقيقة المتوكل قد يبررون ما فعله، لأنهم يعلمون ان المتوكل قال ما قاله كذباً على ألسنة دبلوماسيين وسفراء لدول ذات حضور سياسي مؤثر من موقع السياسي المعارض الذي يتأبط لخصومه التضاد المطلق والاستعداد الدائم للزيف والكيد والمناكفة وانتهاج ثقافة الإقصاء، وغيرها من الأساليب والمفاهيم والطرائق التي تشربها أستاذ العلوم السياسية من تجارب ونظريات قديمة وحديثة. * بل إن كثيرين من هؤلاء المشتغلين بالسياسة والمهتمين بشؤونها قد يعتبرون الدكتور المتوكل ناجحاً في تجسيد مدرسة سياسية محددة، تعتمد توجهاً معترفاً به يقوم على نظريات تعتبر السياسة والعمل السياسي "فن الكذب.. فن الخداع.. فن الممكن بدون قيد أو شرط".. وهي نظريات يدركها ويعلم تفاصيلها ويتأثر بها المتوكل أكثر من غيره، إذا ما أخذنا باعتبارات التخصص والثقافة والممارسة، فالدكتور المتوكل درس ويدرِّس هذه النظريات لسنوات طويلة، ويجسد كثيراً من مفرداتها في شغله السياسي منذ وزارة إعلام الإمام البدر وحتى رئاسة اللقاء المشترك، وبين المحطتين محطات لا مجال لحصرها ودوافع ومؤشرات ليس هنا موضع شرحها.. * ونعم إن كثيرين من المهتمين بالشأن السياسي من عامة الناس الذين لا تربطهم بالمتوكل أو باللقاء المشترك أو حتى بالحزب الحاكم أية قواسم أو روابط لم يهتموا بانكشاف أكاذيب المتوكل سريعاً، ولم يعتبروا مثل هذه الحالة سابقة أو فضيحة فهؤلاء يدركون ان ما حدث إضافة بسيطة لسجل زاخر بالأكاذيب والادعاءات والتحريفات لرجل مهووس بالكذب السياسي بكل أشكاله ومستوياته، ولديه خبرة وسوابق لا تبدأ عند إدعاء تمثيل البسطاء من الناس ولا تنتهي عند أكاذيب حق الوصاية والحق الإلهي. * على أن من يدركون شيئاًَ من هذه السيرة للمتوكل لم تفجعهم فضيحته ولم يثرهم افتضاحه بقدر ما فجعهم وأثارهم المتوكل، بما طرح من تصورات خطيرة تمس قضايا جوهرية كان الأحرى بالمتوكل أن يدافع عنها ويعبر عن رفضه لها حتى وإن طرحها غيره، وحتى لو لم تكن تهمه شخصياً فسيحمد له الناس مجرد الادعاء بأنه حريص عليها ويدافع عنها.. خاصة وهو يتحدث بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للقاء المشترك أكبر تكتل سياسي معارض في البلد، ما انفك قادته ورموزه يدعون نضالاً في سبيل القضايا الوطنية النبيلة وفي مقدمتها الوحدة والسيادة والاستقرار والديمقراطية، ليأتي المتوكل ويفصح من أعلى هرم قيادة هذا التكتل عن مشاريع تدويل وتقسيم وتبعية وتدخل أجنبي ودفاع مستميت عن الإرهاب والتخريب والتمرد والفوضى. * على أية حال لسنا هنا بصدد تأكيد المؤكد من سيرة ومسيرة المتوكل السياسية، ولا بصدد تفنيد المفند من أراجيفه وأكاذيبه التي لا يعجز المرء أمامها إلا عن الوقوف أمام حقيقة خالصة.. كما ولسنا بصدد مواساة المفجوعين من المخدوعين بالجهبذ الأكاديمي والقامة السياسية والموقع الحزبي محمد المتوكل، بل نحن هنا لنحزن مع العقلاء والشرفاء والوطنيين من قيادات وقواعد وأنصار أحزاب اللقاء المشترك، الذين نشاطرهم الخجل والأسى والحسرة والأسف لما وصل إليه حال هذا التكتل الذي كثر مروره على جيف الكلاب كثرة ما تصدَّر الغربان مهام أدلته.