اتفاق "يوليو" الأخير بين المؤتمر وحلفائه والمشترك وشركائه، أعاد الحديث مجدداً عن الحوار إلى الواجهة. وكان هذا الاتفاق الذي رعاه رئيس الجمهورية باعتباره الراعي الأول للديمقراطية في البلاد، قد تم الإعلان فيه عن تشكيل حكومة ائتلاف وطنية من مختلف ألوان الطيف السياسي، والشروع بتنفيذ بنود اتفاق "فبراير" العام الماضي. وهو الاتفاق الذي لم يظهر منه حتى اليوم سوى توافق الأحزاب فقط على تأجيل الانتخابات البرلمانية لمدة عامين، وتحديداً إلى ابريل 2011م المقبل. ولعل فترة العامين كانت كافية بكل المقاييس لإجراء حوار وطني شامل يضم كافة القوى والأحزاب السياسية وحتى التنظيمات الجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني، لولا المكايدات الحزبية والمناورات السياسية والنوايا المبيتة لدى بعض القيادات الحزبية، التي سوقت اشتراطات تعجيزية وعمدت إلى اظهار صور عديدة ورغبات متعددة، أدت في مجملها إلى إفشال الحوار وإفراغه من مضامينه ومعانيه وأهدافه الحقيقية، والذي كان من أولياته تدارس ومناقشة مجمل المشاكل والقضايا المصيرية العالقة، ومعالجة التأزيم الحاصل في المشهد السياسي بشكل خاص، ومجابهة كافة التحديات الراهنة ووضع حد للأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية المتلاحقة على الساحة الوطنية ككل. أقول ان فترة العامين كانت كافية، وان إجراء الحوار كان ممكناً، وكان من الممكن انجاحه والخروج بنتائج طيبة، فقط لو صدقت النوايا وتوافرت الجدية من قبل الأحزاب وقياداتها التي كان يفترض عليها استهلال حواراتها السابقة واللاحقة بوضع ما اتفقت عليه موضع التطبيق، دون الحاجة إلى التطويل والتسويف والمراوغة التي – ربما – تسعى من ورائها إلى الحيلولة دون إجراء العملية الانتخابية في موعدها القانوني، وبالتالي إلى حرمان المواطنين من ممارسة استحقاقاتهم الدستورية المتمثلة باختيار من يمثلهم تحت قبة البرلمان. وهذا هو ما ظهر جليا في مسألة "الحوار" الذي كثيراً ما دعا إليه الحاكم أحزاب المعارضة ممثلة بأحزاب ما يسمى ب "اللقاء المشترك" التي بدورها رفضته كما رفضت جميع الدعوات المزمنة والمتكررة أيضاً لإجراء هذا الحوار، تارة بذريعة أنه "حوار من طرف واحد" وأخرى كما قيل بأنه حوار وفق سيناريو معد سلفاً أو محددة اشتراطاته مسبقاً من الحاكم، وثالثة تشي بأن وسائل الترضية والتنازلات المقدمة فيه لم تتوافق جملة وتفصيلاً مع الرغبات المتعددة والنوايا المبيتة للطرف الآخر "أحزاب المشترك".. وعلى ذلك ظهر الحوار حوارين.. حوار وطني شامل كان من المزمع المضي فيه تحت قبة مجلس الشورى وبمشاركة حوالي ثلاثة آلاف وبضع مئات، يمثلون مختلف ألوان الطيف السياسي، وحوار سموه ب "حوار التشاور الوطني" الذي ربما لم تقتنع بعد أحزاب المعارضة - التي مضت فيه منفردة – بفشله!!. لكن وبغض النظر عن كل ذلك.. فان الاتفاق الأخير "اتفاق يوليو" يعد انجازاً بحد ذاته.. ومؤشراً أيضاً على انفراج الأزمة السياسية التي كانت متفاقمة بين الأحزاب، والتي كانت قد وصلت إلى طريق مسدود، خصوصاً بعد ان كثرت الاتهامات وساد الجدل طيلة الفترة التي أعقبت اتفاق "فبراير"، حيث انشغلت الأحزاب بالمكايدات والمناورات السياسية وسعى كل طرف منها إلى تحميل الطرف الآخر مسؤولية تأزيم المشهد السياسي والتراجع والنكوص والتنصل أيضاً عن تنفيذ بنود هذا الاتفاق، والى ذلك مجمل ما ترتب على ذلك من أزمات مفتعلة على الساحة المحلية، فكان الاتفاق الأخير في "يوليو" الماضي، بحق هو بادرة الأمل للإصلاح السياسي المنشود من قبل الأحزاب أولاً.. ولإجراء التعديلات في قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات حسب رغبتها ثانياً، وثالثاً يمثل استجابة للمطالب الجماهيرية المعبر عنها في رغبتها بإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في موعدها المحدد، وبالتالي اخراج البلاد من أزمة الفراغ الدستوري التي بدأت تلوح في الأفق فيما لو أصرت مختلف الأحزاب على مواقفها المتعنتة تجاه الحوار واستمرت مساعيها الصلفة لافشاله، ورابعاً أنه تم المضي فعلاً في إجراء هذا الحوار، حيث شرعت لجنة الحوار الممثلة بقائمتي ال (200) من الطرفين (حاكم ومعارضة)، في أولى الخطوات وهي الخطوة التي تم فيها اختيار (15) شخصاً من كل قائمة للتحضير للحوار. ليبقى الحوار هو مطلب جماهيري وضرورة وطنية ملحة، ينبغي على مختلف الأحزاب ان تعي دورها الوطني والمسؤولية الملقاة على عاتقها في سبيل التسريع في العمل على إنجاحه.