لوحظ أنه في أثناء مفاوضات جنيف انبرت إذاعة المكلا المحلية بحضرموت منذ 26 نوفمبر 1967م بالتبشير بجمهورية مستقلة في الجنوب لقطع الطريق على أية تكهنات بإمكانية بدء حوار بين الشمال والجنوب لتحقيق الوحدة اليمنية. وفي يوم 29 نوفمبر 1967م ذكرت وكالات الأنباء في عدن ولندن أن القوات البريطانية يتم انسحابها اليوم من الجنوب عند غروب الشمس، ويصبح الجنوب مستقلا في منتصف 30 نوفمبر 1967م. وفي صباح الخميس المواقف 30 نوفمبر 1967م اعلن ميلاد الدولة الجديدة التي أطلق عليها جمهورية اليمنالجنوبية الشعبية من دون الاحتفال بمراسيم رفع العلم. وعقب الدكتور محمد علي الشهاري على هذا الحدث بقوله: "رغم النصوص القطعية للجبهة القومية، ورغم وجود (الميثاق الوطني) الذي وقف ضد فكرة إيجاد دولة انفصالية أو منفصلة عن الوطن الأم، امكن أن تقوم في جنوباليمن، وتحت قيادة الجبهة القومية ذاتها، واضعة وصاحبة هذه النصوص وهذا الميثاق، (دولة) خاصة، ولكنها دولة منفصلة عن الوطن الأم، وبالتالي فإن وجودها المستقل لا يتفق مع ما كانت تدعو له أدبيات الجبهة القومية قبل الاستقلال، وقبل أن تصل السلطة". بقيام جمهورية اليمنالجنوبية الشعبية فرض على اليمن أن يظل مجزأً سياسياً واقتصادياً في ظل نظامين جمهوريين كل منهما له نهجه وعلاقاته والتزاماته داخلياً وعربياً ودولياً، وأصبحت اليمن بذلك التقسيم تمثل مرحلة جديدة حملت في أعماقها تجزئه جديدة أيضا. وعندما جرى سؤال عبدالفتاح إسماعيل -احد أقطاب الجبهة القومية- عما حدث في تلك الفترة أجاب: "إلى ما قبل أحداث الشهور الستة الأخيرة كان تنظيمنا محكما إلى حد بعيد، كان حجم عضويته معقولا بالنسبة لعدد السكان وبالنسبة للاختيار الدقيق لنوعيات الأعضاء.. وحسب مطالب الشهور الستة الأخيرة مع بداية الانهيار الشامل للوضع الاستعماري والرجعي اتسع نطاق العضوية اتساعا كثيرا". عموما تحقق الاستقلال وقامت دولة انفصالية على يد تريفيليان الذي قال: "لقد لعب الأولاد- يقصد العملاء، الذين دسهم في صفوف الثوار والمناضلين والذين حرفوا الجبهة القومية عن مسارها وشوهوا مواقفها- أدوارهم بمهارة، ووصلوا إلى السلطة دون شبهة الدعم من المصريين أو الانجليز، وقامت جمهورية اليمنالجنوبية الشعبية بلا أصدقاء، وبمجرد وعد منا بالدعم وبموارد لا تغطي ثلث مصروفاتها، ونجحت اللعبة تماما". إن أولاد تريفيليان في الجبهة القومية لم ينجحوا فقط في التسلل إلى مواقع القرار في الدولة الفتية والتأثير عليها، بل نجحوا أيضا في إقصاء وتحجيم أصحاب المواقف الوطنية والقومية والدينية كما برهنت الأحداث والتطورات اللاحقة، بدءاً بقحطان وفيصل الشعبي وعادل خليفة وعلي عبدالعليم ورفاقهم الآخرين، وانتهاءً بالدبلوماسيين في حادث الطائرة الشهير في 30 ابريل 1973م، بالإضافة إلى المئات من الكوادر والمناضلين، بينما رجحت مصادر أخرى أن من بين أسباب تسليم السلطة للجبهة القومية صفقة تم إبرامها بين بريطانيا وحركة القوميين العرب التي تفرعت الجبهة القومية منها.