النظام قدم مبادرة استجابت لسقف مطالب "المشترك" كمعارض ورفضت، وقدم مبادرة استجابت لسقف مطالب المتغير "نظام برلماني وانتخابات مبكرة فرفضت، ثم يسير في تقديم مبادرة رحيل فترفض، فماذا يقدم بعد كل هذا ومن يتحمل بعد كل هذه المسؤولية تجاه دفع الأوضاع إلى اقتتال؟!!!. في ظل التطورات المتسارعة في اليمن فإنني لا أدري إن كنت سأكمل هذه السطور ولا زال علي عبدالله صالح رئيساً أم يكون قد رحل!!.. ومع ذلك فموقفي السابق والمحتوم هو أن علي عبدالله صالح مهما كان له من سلبيات أو أخطاء، فبمعيار واقع عشته وتعايشت معه – كشاهد على مرحلة- فإن ايجابياته أكثر من سلبياته بشكل واضح وجلي. في ظل المبادرات التي قدمها الرئيس صالح منذ بداية الأزمة كان البعض يتندر على طريقة "أنه حتى لو قدم الرئيس مبادرة أن يرحل" فالمشترك سيرفض، وكأنه يقول "لا.. لا.. ترحل". لم تشهد اليمن طوال تاريخها جمعاً وتجمعاً ملايينياً بذلك الحجم في "جمعة التسامح"، يمثل تأييداً للرئيس صالح، وأي حاكم في ذلك الوضع هو قوي جداً وسيتصرف مع الأطراف الأخرى بتشدد. الرئيس صالح عاكس هذه البداهة ليس بعد ذلك الجمع، ولكن في كلمته لتلك الجموع فخطابه ذلك قدم مبادرة الرحيل وتوافق مع تلك الجموع على رحيل لصالح الاستقرار ولصالح الأفضلية. ما كان يتندر به بعض الناس كمستبعد أو مستحيل حدوثه وبما حدث بالفعل وبات الحديث، فالمظاهرات والاحتجاجات المناوئة كان سقف مطالبها رحيل الرئيس صالح، وإن طرح مبادرة الرحيل يرفض وترفع سقف المطالب إلى تعجيز هو "الفتنة والاقتتال". إذاً وإذا دفعت الأوضاع إلى فتنة واقتتال، فإن من السهل على الطرف المناوئ القول بأن الرئيس صالح هو السبب ويتحمل المسؤولية. النظام قدم مبادرة استجابت لسقف مطالب "المشترك" كمعارض ورفضت، وقدم مبادرة استجابت لسقف مطالب المتغير "نظام برلماني وانتخابات مبكرة فرفضت، ثم يسير في تقديم مبادرة رحيل فترفض، فماذا يقدم بعد كل هذا ومن يتحمل بعد كل هذه المسؤولية تجاه دفع الأوضاع إلى اقتتال؟!!!. المعارضة في اليمن "المشترك" تواجه النظام بتطرف كما ثقافة مواجهة الرجعية والامبريالية أو مواجهة الالحاد، ولذلك فهي ترفض ما أسماه المتغير الانتقال السلمي والسلس للسلطة. أصبح مثل هذا التطرف يستفز غالبية الشعب في قيمه وانتمائه وفي كرامته وإرادته، وقد تندفع جموعه فوق توقع أطراف تغيير - كما تزعم - وتوقع المتغير، والحديث الصريح أو التلميح عن الشعب المأجور يستفز أكثر وأوسع، وهو إنما يقدم غلواً ونظر معارضة "المشترك" بجموح لا يحرص على احترام أغلبية واسعة من الشعب. لقد ظل النظام يوصم بالعمالة للرجعية حتى تحقق الوحدة 1990م، وإذا هذا النظام هو المستهدف من الرجعية والذين وصموا النظام بإدانات الرجعية هم شركاؤها في استهداف النظام. بعد الوحدة تعاملوا مع النظام بإدانات التبعية للنظام العراقي وللإرهاب، ولكن منذ توقيع الشراكة في الحرب ضد الإرهاب باتت الإدانة الأكثر استعمالاً التبعية أو العمالة لأميركا، وها هو ثقل المتغير كثورة تغيير يستهدف النظام هي أميركا. فإذا الشعب القلق من الفوضى والاقتتال والدماء والدمار خرج إلى الشارع ليقول لا للفتن ولا للفوضى والتشظي ونعم لكل الحلول السلمية والتوافقية، يوصمه "المشترك" ويدينه بالشعب المأجور، فماذا تقدمه هذه الإدانات من شمولية؟!! وماذا أبقت أو تبقى من الديمقراطية؟!!. يقاس أي متغير ديمقراطي بقدر ما يملك من فلسفة واقعية تتوافق مع أي واقع، أما حين يكون له فلسفة مثالية أو حالمة فالغلبة في المتغير يصبح لشمولية هذه الفلسفة غير الواقعية، أكانت النظرية الماركسية أو مدينة افلاطون الفاضلة؟!. فالعدالة والمساواة في النظرية الماركسية لا تتقاطع مع الديمقراطية كغائية أو أمنيات وأحلام، ولكن حين إسقاط مثاليتها على واقع لا تتحقق فيه إلى درجة الاستحالة كتطبيق، وتصبح في التفعيل شمولية خانقة فيكون معطاها تدميرياً للحياة الآدمية والكرامة الإنسانية. إذا دفعت الأمور إلى وضع من هذا فمشرك الولاياتالمتحدة والمشترك هي الفوضى الخلاقة في اليمن، وإذا ذلك بات حتمية فالأفضل الدفاع عن الاستقرار ورفض هذه الفوضى، فالنظام لم يعد لديه ما يقدم إلا تسليم النظام للمشترك لإحداث وحدوث الفوضى الخلاقة. إننا مع التغيير ومع الأفضلية والأفضل للحياة ومع حكم وحياة مدنية، ولكن دون أن تكون مجرد أوهام كما الماركسية أو أحلام افلاطونية، يبدأ التعاطي بها ومعها بشمولية أقسى وأقصى. التغيير السلمي لا يأتي إلا من أعلى سقف ضمان أو اطمئنان للسلم والاستقرار، والنزول عن هذا السقف هو طيش وتطرف اقترن بما تعرف بالأحزاب المغامرة. لم يعد رأي يطرح أو اجتهاد متواضع مثل هذا يؤثر على أو مع طرف في الصراعات، فذلك تجاوزه واقع تدفعه المشكلة إلى الذروة الأزماتية كفتنة واقتتال أو فوضى خلاقة، تبنتها أميركا وكأنما هي أرضية المتغير وبالتالي هي أولويته إن لم تكن هدفه. الفوضى الخلاقة باتت هدف "المشترك" كما الخيار الشيوعي للاشتراكي وكما الجهاد ضد الإلحاد للإلحاد، بل ربما الحالة القائمة أكثر جلاءً ووضوحاً!. لدينا مثقفون يمارسون التزمير لمثاليات أي متغير قومي أو أممي أو امبريالي، وهم كثر وعادة ما يوفرون الغطاء التزميري بنجاح عالٍ، وهم إنما يفتحون كل الأبواب للفوضى الخلاقة التي لم يعد أمام الشعب اليمني غير انتظارها ليعرف ماهيتها!.