لا يتوقع في ظل الحرب الباردة أو بعدها حتى الآن اتصالاً بالمستقبل أن يخلو العالم من الصراعات، ولا أن تكون صراعات العالم واضحة المصالح والسياسات والأهداف. وثوراتنا ارتبطت بصراعات هذا العالم ومصالح وسياسات وأهداف أثقاله أكانت سبتمبر واكتوبر أو ثورات الفوضى الخلاقة التي تسمى ثورات الشباب.. لم يحدث في تونس إقصاء الآخر كديمقراطية وشعب أو شعبية ولا إقصاء الآخر كنظام وإحلال طرف أو أطراف سياسية أخرى. ومع ذلك فتنصيص "ثورة" على الاعتصامات والاحتجاجات أو على الفوضى الخلاقة هو عمل سياسي لاستهداف وإقصاء الآخر، وواقع تونس هو الذي فرض واقعية العقلانية والعقلنة في البدائل كما كل واقع بمستوى وعيه العام أو الاستثنائي أو النوعي يستطيع فرض الواقعية كعقلنة فوق إيحاءات التثوير ورص الثورات ذات الجوهر والمضمون الشمولي مهما أعطت للظاهر أو تعاملت مع الظاهر بغير ذلك. لم تكن جبهة التحرير هي النظام أو الطرف الحاكم في عدن حتى تقصيها الجبهة القومية، ولكن الجبهة القومية كأنما امتلكت استحقاق إقصاء أي آخر منافس من استحقاق حيازة الثورية الأممية وليس الثورية القومية، وبالتالي فالشرق أمس أو الغرب اليوم حين يمنح طرف لقب الثورة أو وسام الثورية فهذا الطرف يمارس بهذا الاستحقاق إقصاء الآخر بأعلى قدرة وأقصى مستطاع من القوة. متغير الثورات متغير عام عالمي ولكنه متغير من عولمة لم تعلم، فمن انتصار أميركا والغرب انبثقت منه شعارات الديمقراطية في المنطقة وتفعيل الحرب ضد الإرهاب وهما متوازيا الحب والحرب اللذان لا يلتقيان، فالحرب ضد الإرهاب أقصت النظام الأفغاني فيما مواجهة الديكتاتوريات أقصى النظام العراقي، وبالتالي فكأنما المشكلة التي ظلت هي استحالة التقاء أو تقاطع متوازيي الحب والحرب والديمقراطية والإرهاب، والفوضى الخلاقة هي التي تحقق هذا المستحيل. مشكلة أنظمة المنطقة وكل الأطراف السياسية في واقع بلد كاليمن أنها تمارس الثقافة الموازية السطحية الاستجدائية للمتغير وإحداث التغيير أو لإقصاء الغير في إطار الصراعات الخارجية أو الداخلية. فالمشترك كمعارضة بات طرحه الآن أن النظام يهول مسألة "القاعدة" فيما حقائق الواقع والتطورات تؤكد أن الاشتراكي وأطراف أخرى هي من ظلت تهول القاعدة في اليمن لأكثر من عقد ومنذ 1990م. وفي الواقع فلا النظام ولا المعارضة يستطيع تهوين أو تهويل القاعدة وأميركا هي التي تهول القاعدة كما تهول الثورات كما هي الشريك الأكبر في الحالتين، وهذا الانتقال لطرف كما المشترك من تبنيه التهويل للقاعدة إلى اتهام النظام بالتهويل هي من الثقافة السطحية التي تستجدي المتغير لصالحها ومصالحها. أكثر من خمسين قتيل سقط في الجوف خلال يوم واحد في قتال بين الحوثيين والإصلاح فكيف يستقيم هذا مع تكرار تأكيدهم خلال الشهور الماضية بأن كل الأطراف في ساحة التغيير في توافق إلى مستوى الالتحام، لا ينقصه غير رحيل الرئيس صالح. لا أحمل ثقافة كراهية لا تجاه أميركا ولا طرف آخر، ولكني متمسك بثقافة انتماء وطني لا تتقاطع مع مصالح أميركا أو غيرها ولكنها ترفض ولا تقبل أن يكون الوطن اليمن ضحية لأي مصالح أو حسابات أخرى أو آخرين، فكيف توفق أميركا والاتحاد الأوروبي بين الحرب ضد الإرهاب ودعم الإخوان في اليمن وما مدلول وأبعاد ذلك؟ بدون حضور أميركا لم تكن لتحدث ثورة جهاد في أفغانستان وبدون حضورها لم تكن ما تسمى ثورات الشباب لتحدث بغض النظر عن المسببات في أوضاع أو إرادة داخلية. بافتراض حسن النية وهو أن أميركا تريد ديمقراطية وحريات، أو استقرارا أو رفاهية أعلى لهذه الشعوب، فالمفترض أن تشجع أي أنظمة أو نظام يستجيب لمثل هذه المطالب فيما يجب على أميركا أن تدعم وترعى تسليم واستلام سلمي للسلطة وفق أي نظام في إطار السلمية الديمقراطية والدستورية في آن، فيما الخروج أو السير من مثل هذا الوضع والطرح والخيارات إلى عنف اجتماعي مجتمعي وقتال أهلي هو جريمة في حق الأوطان وحق الإنسانية شراكة أميركا ومن ثم الاتحاد الأوروبي بقدر الحضور والشراكة في الثورة، وماذا يفرق أن تقود أميركا شباب من اليمن للقتال والموت في أفغانستان أو تقود شباب وفرقاء صراع سياسي في بلد للتناحر فيما بينهم!. الحال في اندونيسيا مع اقتراب عقد على الثورة تغير إلى الأسوأ كواقع وإنتاج واقتصاد بلد وكرفاهية ومستوى دخل.. ألم يكن الأفضل أي تغيير لا يغير حال بلد ومجتمع إلى الأسوأ؟!!.