يظل شهر رمضان الكريم ابرز الشهور الذي يقدم الصورة الحقيقية لأي مجتمع من خلال ما تشهده أيامه وأمسياته من عادات وتقاليد اختفت طوال العام لتعاود الظهور مرة أخرى خلال هذا الشهر ، فكل محافظة يمنية تنفرد بمميزات خاصة ، البعض حكر عليها والبعض الآخر ما هو مشابه في محافظات اخرى ، وفي تعز تبرز العديد من الظواهر التي تدخل بعضها في إطار الموروث الاجتماعي والعادات والتقاليد، ومنها ما يعد سلبياً أو دخيلاً على أخلاقيات المحافظة، وسنحاول من خلال هذه الإطلالة أن نستعرض بعضا من تلك الظواهر التي تبرز كثيراً في تعز. تعز - أحمد النويهي: تشهد شوارع المدينة منذ الظهيرة وما تلاها وخاصة في الفترة المسائية تناثراً كبيراً للباعة المتجولين والمفرشين، رغم الإجراءات التي اتخذتها مسبقا المحافظة على نقلهم الى أسواق خاصة، لكن الباعة الذين يعرضون الأشجار الطبيعية والتي بمقدورهم حملها على الأكتاف او عرضها من خلال القرفصاء جوار المحلات التجارية ينتشرون في كل الأزقة وحتى وسط الحارات كون ما يحملونه هاماً وضرورياً ويلبي احتياجات مائدة الإفطار التعزية ، فهناك من يبيع أشجار (الخوعة) التي تعطي الشفوت الرمضاني مذاقاً خاصاً، حيث يجلبونها كما يقول أحد الباعة من سفوح وادي الضباب وكذلك ضواحي تعز، وأنها تجد رواجاً لدى المشترين، وعادة ما يتجاور مع هؤلاء الباعة آخرون يبيعون الليم والحقين البلدي وكذلك الكراث والبصل الذي لا غنى عنه في صناعة السنبوسة، التي يتزاحم كثير من الأطفال لعرضها في صحون أكبر من حجمهم بغية الحصول على ما تيسر من نقود تعمل على سد احتياجاتهم، وهو ما يجعل السنبوسة بضاعة رائجة لمعدومي الدخل تعمل على مساعدتهم في جلب الرزق والعيش دونما امتهان، وخصوصا لدى الاطفال الذين ساعدهم هذا العام قرار تأخير العام الدراسي الجديد الى شوال القادم ، فتجدهم يشكلون النسبة الأكبر من الباعة في العديد من شوارع تعز وللحوح موسمه وعشاقه ولأن الشفوت يعد أهم عناصر مائدة الإفطار في تعز والذي عادة يحضر من شرائح اللحوح الذي يعد أهم مكونات الشفوت ولا يحل في غيابه سوى الخبز الشامي ، لذلك لا غرابة أن يلاحظ المرء في العديد من شوارع تعز كثيراً من الفتيات أو العجائز وهن يعرضن ما لديهن من لحوح مصنوع، إما من الذرة الشامية أو الدخن وارتفع السعر هذا العام بين ال 40-50 ريالاً للحبة الواحدة كل بحسب النكهة والمذاق. الأرصفة في تعز اختلف حال الشوارع في تعز عن الأعوام السابقة التي كانت تشهد اكتظاظاً بهؤلاء الباعة والمفرشين حيث كانت الأرصفة تعد أسواقاً مفتوحة، الأمر الذي ينتج عنه الازدحام والكثير من الاختناقات المرورية، ولكن رغم ذلك يلاحظ القليل منهم موجودين على أرصفة الشوارع وخاصة بائعي الحبحب والشمام والطماطم. لكن الحال يتغير في الشوارع الفرعية التي تحولت إلى مقايل يعمد للجلوس فيها الكثير من الناس في شكل تجمعات ليلية، فيتسامرون معا وذلك مرده إلى الانقطاع المتواصل للكهرباء وكذلك ارتفاع الحرارة في أحايين كثيرة من ليالي رمضان، أو لأن الأرصفة غير صالحة للمقيل في النهار في أيام الفطر مما يجعل ليل رمضان فرصة للتكيف والسمر على تلك الأرصفة . اتاريك ومولدات هذا العام أضحت ظاهرة انتشار المولدات الكهربائية الصغيرة و اتاريك الغاز هي السائدة في تعز كون انقطاع الكهرباء المتكرر أمراً لا فكاك منه لذا يلاحظ تناثر المولدات أمام المحلات التجارية استعداداً لأي عملية اطفاء بل هناك من يعتبره صديقاً حميماً رغم الإزعاج الذي ينتج عن هذه المولدات إلا انه يشاهد في تعز تواجد المولدات في البلكونات وعلى أسطح السقوف، لا تزاحمها في ذلك الا اتاريك الغاز الذي يتم تأجيرها بسعر 200 ريال للاتريك الواحد، حينما يندر الغاز ويقل المعروض وهو بحد ذاته حكاية، فالفائز هذه الأيام باسطوانة غاز كأنه حصل على جائزة يانصيب ويعد اختفاؤه ابرز عوامل القلق لدى ساكني تعز. موائد الافطار الجماعية هناك في تعز من يتندر بالقول إن الغافلين عن الله يفيقون في رمضان ويكثرون من عمل الموائد الجماعية بغية المغفرة ويعود بعضهم للفساد في الأشهر الأخرى، فقد تنامت في العديد من حارات المدينة هذه الظاهرة المتمثلة بإقامة الموائد الجماعية والمفتوحة في أغلبها للمقربين ومن سواهم، ولأن رمضان شهر رحمة ويسعى المسلمون فيه لاقتفاء الأجر خلال أيامه، لذلك فإن انتشار هذه الموائد مرده البحث عن الأجر كما يتبين من ظاهر الفعل.. وهذه ظاهرة طيبة تؤكد أن التضامن الاجتماعي والتراحم لايزال موجوداً في قلوب الناس حتى وإن بدا فقط في رمضان . ماراثون المتسولين من المواقف الطريفة التي نراها في تعز هي ملاحقة المتسولين والمتسولات لأي صاحب سيارة فخمة، كون شهر رمضان فرصة للمتسولين والمتسولات الذين تكثر أعدادهم بصورة مهولة في تعز، الأمر الذي أصبح مفزعا حتى أصحاب المحلات التجارية بدلاً من البحث عن الزبائن يقضون أوقاتهم في دحر المتسولين الذين يشكلون عائقاً أمامهم، كما يدعي أصحاب المحلات، وتتنوع أساليب الشحاذة في رمضان وأكثرها تبدو مبتدعة مما يجعل المرء في حيرة من أمره كي يفرق بين من يستحق ومن لا يستحق، بل إن هناك من يقوم بالسب والشتم واللعن إذا رفض أحد إعطاءه عشرة ريالات، وكأن الأمر أصبح إجبارياً وهنا يتوجب على محلي تعز رصد تلك الأفواج من المتسولين ودراسة حالاتهم وإدراج من يستحق ضمن حالات الضمان الاجتماعي . في الأخير رغم ما سلف ذكره فان انطفاء الكهرباء بشكل مزعج ، واختفاء مادة الغاز المنزلي هما ابرز الهموم التي يعانيها المواطن في تعز والذي لم يعد يهمه ارتفاع الأسعار والغلاء لكثير من المواد الضرورية، فتلك أوجد لها حلا عبر التقشف والاكتفاء بما في المقدور إيجاده ولاعجب ان ساد الضمور الكثير من الموائد . إذاً ذلك هو حال تعز وساكنيها في رمضان، لكن رغم ذلك لاتزال الابتسامة محتفظة بمكانها في محياهم.. وصوماً مقبولاً.