علاقات السفارات اليمنية برعاياها في مواطن الاغتراب تثير تساؤلات جادة حول طبيعة الوظائف التي تناط بالبعثات الدبلوماسية اليمنية. مرتبات عالية، مخصصات، بدلات، مكافآت وأموال تحت مسميات شتى.. وفوق هذا وذاك فإن أوليات صرف العهد المالية تبقى لدى السفير الذي لا تطاله ملاحظات الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. أحد المختصين في الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة –نحتفظ باسمه- أشار إلى ذلك وقال: من الفساد، بل هو الفساد بعينه ان السفير اليمني يتصرف بالعهد المالية وهو غير ملزم بتصفية ما عليه من عهد، حيث تبقى جميع الأوليات لديه، وكل ما لدى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ووزارة الخارجية من أوليات هي للعهد الاضافية، وقال: هذه العهد ليست سوى فتات إذا ما قارناها بالعهد التي لا تطالها سلطة جهاز الرقابة. مرايا سوداء كل دولة في العالم تحترم رعاياها في الخارج وتحسن رعايتهم.. ومتابعة أحوالهم وحل مشاكلهم، وهذا هو واجب السفير وملحقياته ومن صميم أعماله.. فإلى جانب تمثيل الوطن ورعاية مصالحه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والى جانب الوظيفة الاعلامية فان على السفير وفي بادئ الامر رعاية مصالح الجاليات في تلك الدول.. إلا ان بعض سفاراتنا تشذ عن القاعدة.. يقول محسن علوان (38 عاماً) أحد طلاب الدراسات العليا والعائد للتو من إحدى دول أوربا: انشغال السفير واعضاء السفارة بمتابعة الاعمال التجارية الخاصة بهم جعل من السفارة بمختلف ملحقياتها نوافذ سيئة ومرايا يجب اعادة النظر فيها من قبل جهات الاختصاص في الداخل. محسن علوان وهو يتحدث عن الدبلوماسية اليمنية بحرقة ونبرة صوته تكسوها المرارة يقول: ان ما تقدمه سفارة أية دولة لرعاياها هو نافذة يطل منها المغترب على ما يجري في وطنه، وهي المرآة للوطن ونظام حكمه في الخارج سلبا أو ايجاباً.. وللاسف الشديد ان نقول "والكلام للاخ محسن" ان سفاراتنا في معظمها نوافذ سيئة ومرايا سوداء. مصدر للارتزاق المغتربان فايز حسن وماجد علي حدثونا وهم في عجالة من أمرهم عن علاقة المغترب اليمني بالسفارة اليمنية في السعودية قالوا: "بدلا من ان تكون ابواب السفارة والقنصلية ملجأ للمغترب اليمني ولكل مشاكله يتخذ طاقم السفارة من المغترب مصدرا للارتزاق، مثلا القيمة المحددة للجواز من قبل وزارة الخارجية 300 ريال سعودي، في حين تبلغ قيمته في السفارة اليمنية في السعودية 450 ريال سعودي. ماجد علي الذي يبلغ من العمر 41 عاماً وهو مغترب منذ منتصف الثمانينات قال في نهاية حديثه: "يا أخي نسلم من طاقم السفارة حقنا ونروح ملح". مآسي قصص ومآسي يعيشها الكثير من أبناء الجاليات اليمنية والمغتربين والطلاب الدارسين في الخارج مع السفارات والقنصليات اليمنية في عدد من الدول.. من يتذكر قصة طالب الطب اليمني أيمن احمد سعيد نعمان الذي اختفى في ظروف غامضة بجمهورية مصر العربية قبل نحو عام لم تحرك سفارتنا هناك ساكنا والى الآن ما زال الشاب مفقوداً.. مغترب آخر في المملكة العربية السعودية، وهو توفيق العزكي، أمضى قرابة العامين في أحد سجون المملكة في قضية مع مواطن سعودي حكمت المحكمة ببراءة العزكي ورغم ذلك ظل لمدة عامين مرمياً في السجن ولم توله السفارة أي اهتمام مع علمها بحكايته، لكثرة الرسائل والشكاوى التي بعث بها اليها.. وكانت الاجابة التي نالها العزكي من المسئولين اليمنيين هناك "انتم تشوهون سمعة اليمن وتستحقون الذي يجرى لكم"!! ورجل آخر أسعف ابنته إلى دولة عربية لعلاجها من مرض ما وهناك تعرض للاعتداء والسرقة من قبل عصابة وزادوا على ذلك بانتهاك عرض ابنته، وعندما تقدم بشكوى لسفارة اليمن هناك.. قامت بترحيله وابنته واعادتهم إلى ارض الوطن، دون عمل أي شيء لقضيتهم! تساؤلات الكاتبة اليمنية وسيدة الاعمال المقيمة في بريطانيا، فايزة البريكي تساءلت مثلها مثل سائر اليمنيين في المهجر وقالت في معرض تناولاتها عن الدبلوماسية اليمنية: ما جدوى الملايين من الدولارات التي تخصصها وزارة الخارجية لهذا الجيش من الموظفين الذين لا يكلفون خاطرهم عناء الاختلاط بالجاليات اليمنية، وتفقد أوضاعها وتفعيل أدوارها.. وأضافت "البريكي": اليمني في أي بلد يعيش في عالم بعيد كل البعد عن عالم سفارة بلاده المفعم بالحفلات والرحلات والمآدب والبذخ. وقالت: الدبلوماسيون اليمنيون يعتبرون الاختلاط بالجاليات امراً يقلل من مستواهم ولا يليق بهم.. وهو اشبه بالاختلاط بالمتسولين. تأمين المستقبل دبلوماسي سابق زرناه في منزله بصنعاء رفض الاسهاب في الحديث متعللا انه لا فائدة من الكلام، وقال باختصار شديد: السفير اليمني في بعض الدول كل همه ان يجمع اكبر قدر من الدولارات وكل همه ان يعود إلى وطنه وقد أمن مستقبله ومستقبل عائلته، وتوسيع اكبر قدر من العلاقات تنفعه ساعة العسرة!!. ملحقيات فاسدة بعض الملحقيات الثقافية حكايتها في الفساد حكاية.. وإذ يتساءل المغتربون الناشطون في لندن عن ماهية وظائف الملحقيات الثقافية والإعلامية في الخارج؟ هل هم لإقامة معرض كل سنتين أو ثلاث أم هم لاستكمال الديكور الدبلوماسي لدى الدولة؟ يقول حزام – طالب دراسات عليا- العائد من اليابان: بدل ان تكون الملحقيات الثقافية عونا للدارسين اليمنيين في الخارج جعلت الدارسين "الطلاب" يعانون ضغوطاً نفسية بسبب وقف وخصم مستحقاتهم المالية من وقت لآخر.. حتى ان كثيراً من الطلاب اليمنيين متعثرين في دراستهم بسبب الحالة المادية، والمشكلة –كما يقول حزام- ان هناك آخرين يتقاضون مخصصاتهم وهم داخل الوطن. مشاكل الطلاب مع الملحقيات الثقافية كثيرة.. في ماليزيا لم تتوقف شكاوى الطلاب يوما واحدا منذ سنوات، وكذلك في ايران وروسيا ومؤخرا خرج الطلاب اليمنيون في المانيا في اعتصام امام السفارة ولكن لا حياة لمن تنادي. كلمة أخيرة قالتها طالبة يمنية طلبت عدم الكشف عن اسمها: السفارات في الخارج وسفراؤنا والهرم الوظيفي وقوانين الطلاب والمستحقات والمنح الدراسية يجب ان يعاد تشكيلها وترميم ما يمكن ترميمه. سلبيات ما لم تفق بعض سفاراتنا في الخارج من غفوتها وتمارس ادوارها الوطنية فان من الاولى شطبها.. ومن الاولى شطب سفارات لا حاجة لنا أو لا علاقة بيننا وتلك الدول.. هذه الجملة تختزل في طياتها قصصاً ملموسة تحكي سلبية الكثير من سفراء بلادنا والملحقيات الثقافية.. وهي سلبيات تستوجب في معظمها المساءلة وان يعاد النظر في السياسات المتبعة في اختيار من يمثل اليمن في هذه الدولة أو تلك. مئات الشكاوى وعدد اكبر من الكتابات تناولت انحراف مسار الدبلوماسية اليمنية، سفراء وملحقيات ومع كل هذا لم يتحرك ساكن لوضع حد لهذه المشكلة التي عنوانها وتفاصيلها غياب السفير المناسب في المكان المناسب. يقول استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء الدكتور عبدالله الفقيه: الخلل يبدأ من داخل البلد.. المشاكل التي نسمعها عن السفراء مشاكل الخارجية بشكل عام هي مشاكل مبعثها من الداخل.. واشار الفقيه إلى الطريقة الخاطئة في اختيار السفير "يتم تعيين السفير للارضاء ومن اجل حسابات".. وشاطره الرأي البيروفيسور حكيم السماوي استاذ العلاقات الدولية في جامعة صنعاء متسائلاً: لماذا لا نضع السفير المناسب في المكان المناسب؟.. ابناؤنا خريجو العلوم السياسية بدون وظائف.. رأيت بعضهم "الكلام للدكتور حكيم" ومن المتفوقين يبيعون فوق العربات حبوباً ومكسرات وما إلى ذلك، لماذا لا تستوعبهم وزارة الخارجية؟!.. قال احدهم يا دكتور لا يقبلون منا بكالوريوس ولا ماجستير علوم سياسية وانما بكالوريوس وساطة. وتساءل البروفيسور حكيم السماوي وهو يتحدث ل "الجمهور" قائلاً: لماذا لا يتم تعيين الدكتور جلال ابراهيم فقيرة سفيرا لليمن في امريكا ولدى الاممالمتحدة أو في المانيا، علما ان الدكتور فقيرة يعد من اشهر اساتذة العلاقات الدولية في بلادنا؟!.. مضيفا لقد تم تعيينه وزيرا للخارجية لمدة كم شهر والسلام. السماوي استرسل كثيرا في حديثه عن فساد بعض السفراء وكيف ان السفير اليمني يكاد يكتفي من وظيفته الدبلوماسية بحضور حفلات الاستقبال والودائع والاعياد لأعضاء السلك الدبلوماسي وكيف ان السفير أو الملحق أو المستشار يكتفي من وظيفته الدبلوماسية بالتسهيل لمن لا يحتاج للتسهيل بينما يغلق هاتفه امام مغترب تعرض للانتهاك أو الظلم. وإذ يبدي امتعاضه الشديد من المحسوبية والوساطات في التعيين غير المدروس اشار البروفيسور حكيم السماوي إلى ازمة نشبت بين اليمن وإحدى الدول المهمة عقب تعيين سفير لليمن وهو رجل صغير في السن وتنقصه الخبرة. مهام السفير ويضيف استاذ العلاقات الدولية السماوي: صانع السياسة الخارجية اليمنية في المقام الاول هو رئيس الجمهورية والثاني هو رئيس الوزراء والثالث والمباشر هو وزير الخارجية ثم السفراء في العمل الميداني في الدول الموفدين اليها، لكن القربي لانه طيب ماذا عمل؟ بعث سفيرنا إلى ماليزيا طبيب والى كندا طبيب وسمعت ان هناك ستة أو سبعة اطباء تم تعيينهم سفراء.. فكيف نتوقع ان هذا السفير الغير مؤهل سينفذ الوظيفة الدبلوماسية لبلده بانواعها الاربعة المختلفة، تمثيل بلده، التفاوض باسم بلده، رعاية مصالح بلده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما فيها رعاية مصالح الجاليات في تلك الدول، وأخيرا الوظيفة الاعلامية والمتمثلة في تزويد بلده بآخر اخبار البلد الموفد اليها وآخر التطورات وما إلى ذلك. أحد الدبلوماسيين عمل في 4 سفارات قال: إن أردتم فتح ملف فساد الدبلوماسية اليمنية والمتمثلة بالسفراء والسفارات فلن تكفي صفحة أو صفحتين أو عشر حلقات لمناقشتها. وأضاف لقد عملت في اربع سفارات بدول مختلفة وشاهدت العجائب من تصرفات بعض السفراء والملحقيات.. وبكل صراحة ماذا تنتظرون من سفير كان وزيرا فاشلا أو فاسدا.. كيف سيكون أداؤه بالسفارة.. الدبلوماسي هذا رفض ان يصرح عن اسمه لحساسية موقفه.. واشار إلى ان هناك من السفراء والملحقيات من يستغلون عملهم الدبلوماسي في دولة ما لصالح اعمالهم التجارية الخاصة فتجده يحول مقر السفارة إلى بورصة تجارية ونافذة مفتوحة لعقد الصفقات التجارية مع رجال الاعمال سواء من اليمنيين المغتربين أو من ابناء تلك الدول.. ولهذا الغرض أيضا تجده في ترحال واصل كل يوم في دولة وطبعا على حساب السفارة. فضيحة ومن الحكايات التي رواها هذا الدبلوماسي عن الفساد الحاصل في بعض السفارات ان بعض السفراء وبمجرد ان يصل إلى الدولة التي يتم تعيينه فيها يقوم بفصل بعض العاملين في السفارة من اليمنيين ليعين بدلا منهم من اقرباءه واصدقاءه من ابناء المسئولين.. ومنها ان احد ابناء اعضاء البرلمان تم تعيينه في إحدى سفاراتنا في الخارج.. وفعلا سافر إلى تلك الدولة ولكنه لم يُعتَّب باب السفارة فيما كانت رواتبه ومخصصاته المالية الباهظة تصله إلى منزله.. وفي نهاية المطاف القت اجهزة الأمن في تلك الدولة القبض عليه بعد ان ارتكب حادثا بسيارته وهو في حالة غير طبيعية لتصدر الصحف في اليوم التالي هناك ناشرة خبره في الصفحة الاولى. ايجارات في تاريخ العلاقات الدبلوماسية الدولية والسياسية الخارجية وبمفهوم بسيط ان السفارة لا تستطيع ان تأتي بمردود موظفيها على الاقل عليها أن تغلق ابوابها وترحل من حيث أتت ويعتمد هذا على العلاقات السياسية والاقتصادية من حيث استثمارها لصالح الوطن. وفي بعض سفاراتنا وبحسب ما أكده عدد ممن التقينا بهم من الدبلوماسيين فان الرواتب الشهرية للعاملين فيها تصل إلى ما يعادل 30 مليون ريال يمني!! اضافة إلى ان معظم هذه السفارات لا تملك مبان خاصة مملوكة لليمن كما في سفارات كثير من الدول الاخرى لذلك تضطر لدفع ايجارات شهرية بآلاف الدولارات. استغلال في إطار بحثنا عن الحقيقة التقينا بأحد الدبوماسيين عمل في سفارتين احداهما بدولة عربية والاخرى في دولة اوربية قال: ان بعض السفراء يقوم بتأجير الادوار السفلى من مبنى السفارة ويستفيد من ايراداتها لصالحه الخاص.. كما انه يخصص السيارات الفاخرة له ولأولاده وكل من يأتي لزيارته من اصدقائه أو اقاربه يجعل سيارات السفارة تحت خدمتهم وتصرف الدولة مبالغ طائلة ومخيفة للسفريات من اقامة وسكن عند تنقل الدبلوماسي أو اقرباءه بين المدن في رحلات لا تخدم مصلحة الدولة أو السفارة بشيء! شجار ومن التصرفات المؤسفة من قبل بعض من يمثلون الوطن في الخارج ان أحد السفراء اشتبك مع دبلوماسي آخر في نفس السفارة، وتبادل الاثنان السب والشتم بالفاظ يستحي الانسان العادي ذكرها فكيف بدبلوماسي يعكس وجه وصورة بلاده.. هذه الواقعة تم تكليف لجنة للتحقيق فيها والمطلع على تقرير اللجنة لا يصدق ان ما احتواه التقرير من كلمات والفاظ نتجت من دبلوماسي بحجم المسئولية.