الإصلاح شريك الحكم من الأسلمة إلى السلمية ولم يخرج إلا ليدخل صراعات اليمن بعد الثورة ظلت على البديل كمشكلة استثنائية إذا عدنا إلى ما عرف بالزحف الشيوعي لتوحيد اليمن بالقوة فبين ما أتذكره في أوضاع ذلك الصراع هو انهزام الجيش الشعبي وجيش النظام في صنعاء.. بل وأتذكر في إحدى هذه الحروب وكنت في إحدى مناطق العاصمة صنعاء مجيء عسكر النظام وإجبار أكثر من "قلاب" بالتسمية المشهورة في اليمن على التوجه إلى الجبهة وإن بالاستيلاء عليه وذلك ما يقدم مؤشراً للوضع بالنسبة لطرف النظام في صنعاء وفي ذلك الوقت أو الآن. فمن جانب ومن خلال مثل هذه الوقائع لنا افتراض نجاح زحف التوحيد شيوعياً بالقوة فإنه لا فرد أو حتى منطقة تستطيع المنع أو الممانعة، والمشكلة ستصبح مدى قدرة النظام الشيوعي على النجاح في ظل ما كان يعانيه من مشاكل ومتاعب كبيرة وكثيرة في المناطق التي كان يحكمها.. كان يغطيها بالصراعات الشطرية وتتعرى بالصراعات داخل النظام وعلى النظام. هذه الوقائع من جانب آخر تؤكد مدى حاجية النظام في صنعاء لمواجهة زحف التوحيد شيوعياً بسبل وقدرات فاعلة وعالية وإذا عدنا إلى حروب الملكيين والجمهوريين قبل ذلك فإننا سنجد أن الفكر القومي لم ينفع أو ينجح بين الوسائل الفاعلة في الواقع من طرف الثورة كما أن الشقيقة السعودية لم تركز على استخدام الفكر الإسلامي أو حالة من المد المذهبي كما بعد ذلك. إذاً فمسألة خيار مواجهة زحف التوحيد شيوعياً في المناطق الوسطى بفكر إسلامي أو أسلمة هي جديدة في اليمن على اليمن وعلى السعودية خاصة وهي مثلت خليطاً من فكر وعناصر الإخوان ثم ما عرف بالقاعدة وطالبان بعد ذلك فهل لطرف مثل أميركا مثلاً علاقة باختيار هذه الوسيلة ربطاً بالتطورات اللاحقة حتى حروب الجهاد في أفغانستان؟ الذي يعنينا هو أن النظام الشيوعي كثقل لزحف التوحيد شيوعياً كان يحاور لإنهاء الأزمات والتأزمات في الواقع في ظل التشطير وحين الوصول للاقتناع بعدم القدرة على نجاح التوحيد بالزحف والقوة مارس موقف هذه القناعة سلمياً وديمقراطياً. لنتتبع بعد الوحدة مثلاً طرح النظام في فترات الأزمات بأن الاشتراكي دخل الوحدة بالهروب للأمام وهذا يجيء من وضوح وضع ومشكلة الاشتراكي بعد اندثار ثقل الشيوعية "الاتحاد السوفيتي"، ولكنه إذا تتبعنا موقف الإخوان "الإصلاح" الرافض للوحدة بالتصويت ضد دستور دولة الوحدة فالنظام في صنعاء كان في دخوله هروباً للأمام من مشكلة ظلت متروكة ومتراكمة حتى مجيء ما تسمى الثورات السلمية. الإخوان كطرف انبثق من حروب المناطق الوسطى ظل المتربص للاستيلاء على الحكم كما أكد الشيخ الزنداني، ولكن الرئيس صالح ظل يتجنب ذلك بالمزيد من الأثمان والتنازلات، ولذلك فإنه في النصف الثاني لعقد ما قبل الوحدة تعامل مع كثير من قضايا الواقع كنظام خارج أجهزة ومؤسسات وصعد هذه الممارسات بعد معطيات صراع 1986م بما وصل إلى أعلى قمع للإعلام والصحافة كمؤسسات ومنابر وككتاب ومفكرين بما في ذلك التكفير وفتاوى التصفية والنفي وغيرها. لولا استعمال الناصريين والبعث والاشتراكيين للتوازن تحت مظلة المؤتمر قبل الوحدة، والأهم أنه لولا تحقق الوحدة بما أحدثته من تغيير كبير في معادلة الصراع السياسية والواقعية ما كان لنظام صالح أن يصمد في العقد الأول للوحدة وكان الإخوان أو الإصلاح نجح في إقصائه والاستيلاء على النظام بسهولة، وتؤكد هذا الاستقراء حقائق مثل ضغط الإخوان للدخول المباشر في صراع عدن 1986م أو الضغط في العقد الأول للوحدة على الرئيس صالح للاعتراف بطالبان. فالصراع مع الاشتراكي بعد سنتين من الوحدة وظفه النظام لإشغال الإخوان "الإصلاح" وبأثمان عالية وأكثر ضرراً حتى الوصول لمحطة سبتمبر 2001م، وبالتالي فالنظام بالوحدة وجديد الصراعات هرب من حتمية إقصاء النظام والانقضاض عليه في أوج عقودهم وقوتهم وحتى وصوله للاتفاق الحدودي مع السعودية 2000م ثم أحداث سبتمبر 2001م. ذلك يؤكد أن النظام في صنعاء هرب إلى الوحدة من أوضاعه وتموضع لمشكلاته كما النظام في عدن. النظام في اليمن كما بقية الأنظمة العربية ربما سار في قناعة أن أطراف الأسلمة انتهت أو انتهى خطرها على الأقل بعد أحداث سبتمبر 2001م وفي ظل تفعيل الحرب ضد الإرهاب. وحقيقة فإنه حتى بالنسبة لمتابع مثلي فإنه حين فتوى الترابي في السودان بجواز الزواج للكتابي وأن تأم امرأة الصلاة أو فتوى زنداني اليمن بجواز "زواج فرند" في "الجزيرة" فإني كنت كمن يسخر من مردود هذا العمل فيما هدف إليه كإرضاء للغرب وترتيب علاقات. فمثل هذا كان أقرب للمستحيل حتى مجيء الثورات السلمية وتصريح واضح وغامض للرئيس الأمريكي أوباما "الإسلاميون صمام أمان الشرق الأوسط". لقد ظل الرئيس المصري الأسبق مبارك وحتى القذافي في ليبيا التركيز على دور الإخوان أو الأطراف المتطرفة كأسلمة في تفعيل الثورة في واقع البلدين، ولكن تفعيل الإخوان والقاعدة وهما واحد والفاصل وهمي سياسي لا واقعية له لم يحدث كاتساع وانتشار وإيقاع ووقائع كما في اليمن ومن طرف ما تسمى الثورة السلمية. إذاً المفاجأة غير المتوقعة للأنظمة العربية هي ما تسمى الثورات السلمية، فالمفاجأة في اليمن ولليمن مركبة من الثورة السلمية وبقدرات الإخوان والقاعدة والأفعال والتفعيل في الواقع كأنما تجاهد في المناطق الوسطى أو تزحف كما طالبان والأهم أن سقف استفزاز ذلك للغرب كإرهاب بات سقفاً الرعاية للثورات السلمية إلى حد الخلط بين إرهاب في الواقع وسلمية رعاية تشرع لإرهاب الرعاع. لنا تصور أن الأخوان أو الإصلاح مارس ما يمارسه في أرحب من إرهاب في عهد الرئيس "بوش" ورد الفعل الأميركي والغربي إزاءه مقارنة بالحالة والموقف الآن والمسألة ليست نهاية أو انتهاء الحرب ضد الإرهاب، ولكنها نقلة تتداخل مع الثورات السلمية أو تشترك في محطتها مع الصراعات العالمية الأخرى. من حروب المناطق الوسطى انبثق الإخوان كطرف سياسي واقعي فرض الشراكة في الحكم بشروطه أو الزحف عليه ونظام الرئيس هرب من تهديد الانقلاب إلى مظلة المؤتمر ثم هرب تحت ضغطه إلى الوحدة، ولكن الرئيس لم يستطع الهروب من صاروخ "الفوجاز" الذي وصل إلى أصغر مربع في الجامع يصلي فيه الرئيس لولا تدخل إرادة وقدرات الخالق في نجاته. لم يكن خروج الإصلاح من الشراكة في الحكم 1997م هو أقل قدراً من خروج الاشتراكي بعد حرب 1994م بل ظل الشريك الفاعل وكعبه عال وتأثيره أكثر من المؤتمر وبالتالي فهو لم يخرج إلا حين مجيء ثورة سلمية وليس من أجل الخروج ولكن من أجل الدخول والانقضاض الكامل على الحكم. كنت متابعاً قريباً وأستطيع الجزم والتأكيد بأن الوضع والصراع والاصطفاف الأقليمي هو الذي جعل الاشتراكي يصعد من طرفه إلى حرب 1994م، ولكن النظام بحجم التنازلات والأثمان التي ظل يعطيها بسخاء للإصلاح غير أثمان أكثر تقطعها وتقتطعها مراكز قوى هذا الطرف متوغلة إلى العمق ومتغلغلة في كل مفصل فإنه – النظام – كان يستطيع السير في علاقة جديدة وشراكة جدية مع الاشتراكي وكان في ذلك أفضلية للنظام وللبلد. واقع النظام في صنعاء وواقع أميركا في المنطقة لم يكن يحتاج لعلاقة تحالف استراتيجي معه من طرف أميركا كما السوفيت مع النظام في عدن في الحرب الباردة، والرئيس صالح كأنما التقط من هذا الوضع والتموضع الداخلي خيار تحالف مع أنسب طرف داخلي خاصة وأن حزبه المؤتمر ليس طرفاً فكرياً أو أيدلوجياً والتجربة علمته أنه لا غنى عن الفكر والأيدلوجيا ومن ذلك جاء ما عرف بالتحالف الاستراتيجي والمصيري مع الإصلاح والمرحوم الشيخ عبدالله الأحمر فأين موقع مثل علي محسن في الاستراتيجي أو المصيري. ولهذا فالرئيس صالح حين طرح ما يمثل مشروعاً لرحيله فإنما من واقعيته مع هذا السياق والخلفية فهو بطبيعة ما أكسبته هذه التجربة الطويلة والمريرة يدرك أن البديل المستقر في اليمن يستحيل أن يتأتى أو يأتي إلا من التوافق كحوار أو انتخابات أو كلاهما. ولذلك فهو لم يقدم مشروع الانتخابات المبكرة والنظام البرلماني تكتيكياً أو في إطار أي لعبة أو ألعاب ففي مسألة رحيله شرطاً بالبديل فالرئيس صالح لا ولم ولن يلعب ولكن الآخرين هم الذين يلعبون!. الرئيس صالح بات يوجه ويصب كل جهوده ليقف مع الواقع ويقف الواقع معه للوصول إلى بديل استقرار توافقي بالحوار أو بالانتخابات أو كلاهما وهذا الخيار في كل ما يعنيه ويتصل به في متراكم ووعي الواقع وصراعاته له شعبية كامنة بأكثر بكثير مما ظهر في الاصطفاف الشعبي حتى الآن كثورة بديل يستحسن والأفضل للطرف الآخر التقاطها وعياً وواقعياً والتعامل بحنكة لا توصل إلى اصطدام بها أو تستفزها للصدامية. هاهي كل الظروف هيأت لقبول الرحيل من طرف النظام وإنهاء التأبيد والتوريث ولكنه حتى بالتوقف العابر أمام الصراعات في اليمن منذ ثورة سبتمبر واكتوبر فإنه بات المؤكد أن المشكلة باتت في البديل أكثر منها في الرحيل في ظل واقع وإذا لم يتم التوافق بالعقلانية والوعي على البديل فثورة البديل لديها قدرات فوق كل تصور على التصعيد والإنجاز!.