كانت ليلة الخميس 26 سبتمبر 1962م بداية لمسيرة جديدة مجيدة في تاريخ النضال الثوري للشعب اليمني، فقد أعلن من على منبر الاذاعة في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس أول بيان للثورة.. جاء فيه: (بسم الله.. وباسم الشعب تعلن قيادة الثورة القضاء على الحكم الكهنوتي.. والقضاء على الإمامة.. وسقوط الملكية واعلان الجمهورية). وقد تضمن البيان مبادئ الثورة الستة وأهدافها كما هي معروفة، لكن ابعاد ومضامين الثورة على المستويين الوطني والقومي حفلت بأسرار وحقائق عديدة منها ارتباط الثورة الوثيق بالمجريات الوطنية والقومية. ومن هذه الاسرار والحقائق التي أزيح الستار عنها ما يتعلق بتلازم وواحدية الثورة اليمنية، فقد كشف عن انه كانت هناك اتصالات وطيدة ومستمرة سبقت قيام الثورة بين بعض قادة الثورة وقيادة المؤتمر العمالي وحزب الشعب الاشتراكي في عدن بواسطة مناضلين معروفين أمثال: سعيد الحكيمي ومحمد سعد القباطي ومحمد علي الأسودي واحمد حسين المروني ومحمد علي الاكوع ومحسن العيني وغيرهم.. وان الزحف الشعبي على مقر المجلس التشريعي للاحتلال في عدن الذي تم صبيحة 24 سبتمبر 1962م قبل الثورة بيومين للحيلولة دون انعقاد المجلس الذي كان بصدد اتخاذ قرار بانضمام عدن إلى ما سمي باتحاد الجنوب العربي، كان ذا صلة بقيام ثورة 26 سبتمبر. وقد لوحظ انه منذ أول يوم لقيام الثورة المظفرة في الشمال قام تنظيم "الاتحاد اليمني" بتسليم مقره في عدن لقيادة حزب الشعب الاشتراكي ليكون مقراً لفرع الحزب في مدينة كريتر، لكن الدكتور عبدالرحمن البيضاني الذي تواجد في قمة السلطة بمنصب نائب رئيس الجمهورية لم تعجبه تلك العلاقة الوطيدة بين بعض قادة الثورة وقيادة المؤتمر العمالي وحزب الشعب الاشتراكي في عدن، فعمل بشتى السبل على افساد تلك العلاقة فاسحاً المجال في الوقت نفسه أمام عناصر حركة القوميين العرب للتحرك والانتشار. وعلى صعيد دعم الثورة فقد استجابت قيادة المؤتمر العمالي وحزب الشعب الاشتراكي لنداء مجلس قيادة الثورة بارسال الشباب المتطوعين على دفعات للانخراط في الحرس الثوري للدفاع عن الثورة وحمايتها. وان كانت ثورة سبتمبر قد عصفت بحكم الامامة في اليمن وقلبت حسابات اعداء الثورة قومياً، فانها قدمت للامة العربية الأمل المنعش للآمال العربية التي عصفت بها الريح المرتدة العاتية التي استهدفت وما تزال تستهدف اقتلاع جذور الثورة والعروبة والجمهورية من ضمير كل عربي بل اقتلاع وطمس الهوية القومية العربية. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الظروف التي رافقت قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م الخالدة بالنسبة للوضع العربي آنذاك نجد الاهمية البالغة لهذه الثورة على صعيد حركة التحرر العربية، حيث مثلت الرد الحاسم والعملي للانتكاسة التي منيت بها امتنا العربية في ذلك الحين والمتمثلة بجريمة الانفصال.