القرآن الكريم عندما قص علينا صراع ولدي آدم هابيل وقابيل في فجر التاريخ الإنساني طرح أسلوبين لا ثالث لهما لحل المشاكل والخلافات، الأول هو إلغاء الآخر إلى درجة قتله " لئن بسطت يدك لتقتلني"، والثاني هو رفض الدفاع عن النفس " ما أنا بباسط يدي لأقتلك" ويعد الأسلوب الثاني ما زكاه القرآن الكريم وأثنى عليه لأنه كسر حلقة العنف الشيطانية. وقياساً على الأحداث التي تشهدها اليمن نجد أن نار العنف متأججة باستمرار وهناك من يلقي عليها الحطب لتزداد اشتعالاً ولضمان ديمومتها، ومن المؤسف أن أصحاب الخطابين هم من أبناء هذا الوطن سواء أطلقوهما بدافع تحقيق مصالح شخصية وحزبية، أو كان ذلك استجابة لتنفيذ املاءات أيديولوجيات إقليمية لها مصالحها الخاصة في استمرار اشتعال فتيل الفتنة وتوسع دائرة العنف الشيطانية. المتأمل لتعامل الدولة والقيادة السياسية مع أحداث العنف سواء كانت أحداث الجنوب أو أحداث تمرد الحوثيين في صعدة.. يجد أنها- أي الدولة- جنحت للسلم أكثر من مرة إلى الحد الذي طمع المتربصون بأمنها واستقرارها، إلى تبرير جنوحها للسلم وتسامحها وصفحها عمن أساءوا للوطن بأنه نتاج ضعف ليس إلا!!. فيما الحقيقة التي لا ينكرها إلا أعمى البصر والبصيرة أن تسامح الدولة وتكرار فرص التسامح والجنوح للسلم أمام المارقين والخارجين على النظام والقانون ليس ضعفاً كما يتوهم البعض، بل حرص على وحدة الصف وحقن للدماء اليمنية، سعياً منها للعودة بمن ظلوا إلى الطريق الصواب.. وبات منطقياً معرفة أن أي نظام حاكم لديه القدرة على إحكام السيطرة والضرب بيد من حديد على الخارجين على الدستور والقانون بما يضمن الحسم في وقت وجيز، غير أن تبعات التهور في سرعة الحسم دون ترك قنوات أخرى للحوار لا تحمد عقباها كونه يخلف خسائر مادية وبشرية ويولد أحقاداً جسيمة تتوارثها الأجيال ، ويعجز أن يطويها الزمن باعتبار أن الهدف من الصراع هو محاولة إقصاء الآخر أو إفنائه من على الأرض تماماً. المتأمل لما يقوم به دعاة الانفصال والمناطقية والمتمردين الحوثيين إضافة إلى أحزاب اللقاء المشترك يجد أنهم جميعاً يسعون إلى غاية واحدة وهي زوال النظام القائم، ولعل ذلك هو الهدف المشترك فيما بينهم، تلك أمنية ينتظرون تحقيقها ويتطلعون إليها (هيهات لهم ذلك).. وللتعجيل بها فهم دائماً يصبون الزيت على النار ويبذلون المستحيل لتوسيع فجوة الخلافات واثارة العنف المسلح بين أبناء الوطن. الدولة والقيادة السياسية - من خلال التجارب والاحداث التي مرت بها - تثبت أنها ذات افق أوسع ورؤى أرحب تطمح ليمن جديد ومستقبل افضل، ولتجسيد هذا النهج فهي تعمل دائما عبر مؤسساتها المختلفة على تحقيق مواطنة متساوية وايجاد وتفعيل شراكة حقيقية للأحزاب والمؤسسات والمنظمات المدنية، للمساهمة في بناء الوطن وتنميته وترسيخ أمنه واستقراره. كما تعلمنا الأحداث أيضاً أن الدولة لم و لن تغفل عمن تطاولوا على الوطن ، بعد أن نفذت معهم جميع قنوات الحوار والتفاهم ويأبون إلا أن يمضوا في غيهم وضلالهم. ما نتمنى أن يدركه هؤلاء وأولئك الذين اعتادوا على إشعال فتيل الفتنة والارتزاق من المشاكل والحروب، هو أن يعوا جيداً أن الجميع في قارب واحد، فإن هلك تعرض بمن فيه - دون استثناء- للهلاك المحتم. وعلى ضوء ذلك فاستقرار البلاد وتعزيز قيم التسامح والمودة ونبذ الفرقة والكراهية والتعصب بشتى أنواعه سواء كان تعصباً حزبياً أو مناطقياً أو مذهبياً أو قبلياً وغير ذلك، يتطلب قراراً جماعياً - قيادة وشعباً- ولن يتأتى ذلك إلا بتغليب مصلحة الوطن وأمنه واستقراره وتنميته على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة، وعدم القبول بمن يسيء للثوابت الوطنية .