عجيب أمرنا ! ، كيف تتغير نظرتنا وتتبدل قناعاتنا نحو العديد من الأشياء على ساحتنا السياسية والاجتماعية . ففي لحظة طال أمدها أم قصر قد يصبح الظالم عادلا ، والطاغية رحيما ، والخائن أمينا ، والعدو خليلا . ويتبدل معها مباشرة كل ما تم تسويقه لنا إعلاميا ، أو ما فرضوه علينا حكوميا ، من تهم وسيئات أحاطوها بالهدف الذي تمت إزاحته وإقصاءه عن سلطته وحكمه . وفي الجمهورية العربية اليمنية بدأ الأمر مع أول رؤسائها الجمهوريين : عبد الله يحيى السلال ( 1917 1994 ) تولى الحكم في الفترة ( 1962 – 1967) . وأُطيح به في انقلاب نفذه ضباط الصاعقة والمظلات في 5 نوفمبر 67م ، حينما كان في زيارة للعراق . وكان مبرر الانقلاب هو خطورة ما وصل له حال الثورة ، حيث طال الاعتقال الجمهوريين المعارضين ، وتم سجن عدد من كبار السياسيين والعسكريين اليمنيين في مصر ردا على مواقفهم السياسية المعارضة . القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني ( 1910 1998 ) . تم اختياره رئيسا للمجلس الجمهوري للفترة ( 1967 1974 ) . وفي 73م كانت أجواء السياسة في صنعاء متوترة ، حيث وقف عسكريون وشيوخ قبائل ضد رئيس المجلس . والذي أُطيح به في انقلاب أبيض في 13 يونيو 74م ، بينما تؤكد روايات أنه قدم استقالته طواعية قبل ذلك . وكانت حجة الانقلاب بأن إدارة الدولة غير فعالة ، مما أدى إلى تأزم الوضع السياسي ، وزيادة الصراع بين شخصيات الدولة ، وتفلت أجهزة ومؤسسات الحكومة . إبراهيم الحمدي ( 1943 1977 ) . تولى الحكم في الفترة ( 1974م 1977م ) بعد أن قاد حركة 13يونيو التصحيحية ، منهيا حكم القاضي الأرياني . تم اغتياله مع أخيه في ظروف غامضة ، قبل يومين من موعد زيارته إلى عدن . يُعزى اغتياله إلى صراع مع قوى قبلية أقصاها عن السلطة ، وإلى معارضتهم وحلفائهم الإقليميين تجاه الوحدة مع الجنوب . ولم يقم أي تحقيق لكشف الفاعلين . وتم تمييع الحدث شعبيا بتلفيق تهمة أخلاقية لهما ، حيث وُضِعت جثتاهما مع فتاتين فرنسيتين في وضع غير سوي . المقدم أحمد حسين الغشمي ( 1977 1978 ) خلف الحمدي في الرئاسة لأقل من سنة . تم اغتياله في مكتبه يوم24 يونيو 78 ، إثر انفجار حقيبة دبلوماسية ملغومة حملها مبعوث رئاسي من شطر اليمنالجنوبي . وكان مبرر قتله أنه انتقام من الرئيس سالمين لمقتل الحمدي . علي عبد الله صالح ( 1974 2017 ) الرئيس السادس لشمال اليمن ( 1978 1990 ) ، والأول لليمن الموحد من ( 1990 2012 ) . حكم بعد مقتل الغشمي بفترة قصيرة . وفي فبراير 2011م قامت ضد حكمه احتجاجات عُرِفت بثورة الشباب ، والتي أدت إلى تسليمه الحكم كفترة انتقالية لنائبه ( عبدربه منصور ) . ومن خلال الحصانة الممنوحة له خليجيا فقد لعب دورا حاسما في عقد تحالفات قبلية وعسكرية مكنت الحوثيين من دخول عمران ، ثم صنعاء في 21 سبتمبر 2014م . وأعلن فيما بعد تحالفه مع الحوثي ضد الشرعية والتحالف . وفي 4ديسمبر 2017م قام الحوثيون بقتله في منزله بصنعاء . وفي جنوباليمن لا يخلو المشهد من تكرار النمط الشمالي في الانقلابات السياسية والتهم المتعددة .. : قحطان محمد الشعبي ( 1923 1981 ) أول رئيس لجمهورية اليمنالجنوبية الشعبية ( 1967م 1969م ) . عند ظهيرة يوم 29 نوفمبر67م شهد العالم لحظة توقيع قحطان الشعبي ولورد شاكلتون ، على اتفاقية استقلال جنوباليمن بعد احتلال بريطاني دام نحو 129 عاماً . ونتيجة للتآمر الداخلي من قبل " اليسار الطفولي " في التنظيم السياسي الحاكم ، قدم الرئيس قحطان إلى قيادة الجبهة القومية استقالته من كافة مناصبه في 22 يونيو69م ، وأُحتجز مع رئيس الحكومة فيصل عبد اللطيف في منزليهما ، وفي مارس 70م نُقلا إلى "معتقل الفتح"، وفي مطلع أبريل 1970أُغتيل فيصل عبد اللطيف في زنزانته ، وظل قحطان معتقلا تحت الإقامة الجبرية ، دون تهمة أو تحقيق أو محاكمة ، حتى أُعلن في عدن عن وفاته في 7 يوليو 81م . سالم ربيع علي( سالمين ) ( 1935 1978 م ) رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ( 1969 1978 ) . وبدأ بعد فترة من حكمه ينهج دربا منفردا عن سياسة التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية ، من خلال التقارب مع الرئيس الحمدي والتوافق معه على خطوات عملية لوحدة البلدين ، ومن خلال الانفتاح على الصين الشعبية على حساب روسيا ، كما كان معارضا لفكرة قيام الحزب الاشتراكي اليمني التي طرحها عبد الفتاح إسماعيل . وبعد مقتل الغشمي سنحت الفرصة أمام معارضي نفوذه للتخلص منه ، فتمت مهاجمة مقره بالطيران الحربي ، وبعد مقاومة يسيرة تم القبض عليه ، وتصفيته في 26 يونيو 78م ، دون محاكمة . عبد الفتاح إسماعيل علي الجوفي ( 1939 1986 ) أول أمين عام للحزب الاشتراكي اليمني ورئيس الدولة ( 1978 1980 ) . ويعتبر مُنظر سياسة اليمن الديمقراطي الفكرية والتنظيمية ، ونتيجة لضغوط داخلية استقال من جميع مناصبة عام 80م ، مغادرا إلى موسكو . ومع تصاعد الصراع السياسي بين أطراف المكتب السياسي ، بين جناح ( علي ناصر ) وجناح معارضيه بقيادة ( علي عنتر ) ، عاد في 85م متحالفا مع عنتر ، حتى أحداث يناير 86م ، وفيها لقي ( فتاح ) مصرعه محترقا داخل مدرعة حاولت إخراجه . علي ناصر محمد ( 1939م ) تولى رئاسة الجمهورية لفترتين رئاسيتين . رئيسا لمجلس الرئاسة من 26 يونيو78م ، حتى 27 ديسمبر78م . ورئيسا للجمهورية ( 1980 1986 ) . واتسم عهده باعتدال سياسي وانفتاح اقتصادي ، مما أدى إلى اعتراض جناح يقوده المناضل علي عنتر ، وزادت حدة هذا الصراع بعد عودة ( فتاح ) من منفاه ، وأدت إلى حرب 13يناير 86م . وغادر علي ناصر منهزما إلى شمال اليمن مع أكثر من 6000 شخص من أنصاره . علي سالم البيض ( 1939م ) رئيس الجمهورية ( 1986 1990 ) ، وهو من وقع اتفاقية الوحدة مع الرئيس صالح في 22مايو 90م . تقلد منصب وزير الدفاع في أول حكومة بعد الاستقلال حتى عام 69م . عضو المكتب السياسي للجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي ، وفي عهد (فتاح) تم تجريده من مناصبه الحزبية والحكومية لتجاوزات ومخالفات قام بها ، ومنها مخالفة قانون الزواج بالثانية . وعاد في عهد علي ناصر متحالفا ضده ، لينجو من الموت في أحداث يناير 86م . وظل شريكا في رئاسة دولة الوحدة حتى حرب مايو 94م ، والتي انتهت في 7 يوليو94م . ليغادر عدن لاجئا سياسيا إلى سلطنة عمان . اليوم وبعد كل تلك الانقلابات وما لحق بالخصوم من تصفية وسجن ونفي ، وتهم بالخيانة للدولة والوطن والشعب ! وغيرها مما كان يتم ديباجته في صحيفة الاتهام . اليوم هل بقي شيء من تلك التشوهات عالقا بهم ؟. مطلقا ، لقد تم إعادة اعتبارهم سياسيا ووطنيا وتم نفض ما لحق بهم من تهم وخيانة . حتى صالح وقادته وأعوانه ، من تحالفوا وقاتلوا مع الحوثي ، وتعلق بهم حق شرعي قريب عن دماء وجراح وأرواح ، عادوا بعد كل ذلك أبطالا . فهل كان كل ذلك الزخم الثوري الشعبي منذ أول انقلاب ، مجرد عواطف وطنية كاذبة تم شحنها فينا فانطلقت جوارحنا تدمر وتعربد قولا وفعلا ؟ . وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وألم !!، لماذا كانت تلك الانقلابات والصراعات ؟، والتي خلفت جراحا نفسية ، وانشقاقات أهلية ، وانتهاكات إنسانية ، وأدت إلى تدمير منشئات وطنية ، وخسارة كوادر مدربة ومؤهلة إداريا وعلميا وعسكريا . وقد كشفت حقائق الأحداث أنهم لم يكونوا جميعا خونة ولا عملاء ، ولم يحاولوا جميعا حرف أهداف الثورة ، وخيانة الوطن ، والتفريط في ثوابت الأمة ، ولا غيرها مما اتهمهم به منفذو الانقلابات . فهل كان الأمر مجرد نزوات واثبات قدرات واختبار قوات ؟ ، أم كان تصفيات تنظيمية وسياسية ، كي يضع أحدهم مؤخرته على كرسي الحكم من الأفراد والمكونات ، أو الأفكار والنظريات ؟. أم كان كل ذلك تنفيذا لأجندات خارجية ، وتمريرا لمخططات أجنبية ؟ . وكان ثمنها سيولا من الدماء بين الأخوة ، وبنايات من عظام الأحبة . فهلا تدبرنا كثيرا فيما مضى ، وتفكرنا طويلا فيما جرى . لعلنا نقرر اليوم أن نعود أهل إيمان وحكمة .. حقا وصدقا وعدلا. │المصدر - الخبر