صديقي الذي كان يجدثني عن تطلعه للسلام والحب والأغنية ، سألته هذا المساء – أين أنت ؟ - في عمران ، وتحت قدمي البندقية ، كنت قد نسيتها وهجرتها ، لكن يبدو أنه لم يعد لنا خيار إلا من أن نهيل عنها الغبار . يا إلهي كيف سيحارب هذا الذي حين تراه تمتلئ أنت بالطمأنينة والسلام والحب ؟ كان الأديب العالمي إرنست همنجواي قد ترك بندقية الصيد التي أشتراها له أبوه في صغره وكتب روايته الشهيرة " وداعا أيها السلاح " ، لكنه اضطر لاحقا لمعانقة البندقية في وجه النازية والفاشية . سألني صديقي - هل يمكن أن تكتب شيئا كي تقرع الأجراس ؟ وكنت أتذكر الرواية الأخيرة لهمنجواي " لمن تقرع الأجراس " ؟ كان صديقي محبطا ومكرها ، محبطا من عدم استجابة الناس لهول مايمكن أن يقع في الغد ، وربما مكرها على أن يهيل عن البندقية ترابها القديم . وحدها البنادق يجب أن نهيل عليها التراب إلى الأبد ، غير أن الوحشية تمسحه عنها دائما . هربرت ويلز هو الآخر ، الفيلسوف الذي صار محاربا ضد الألمان النازيين ، وقف مع الحرب بحثا عن السلام ما أسوأ أن لا تجد طريقا للسلام غير الحرب ! قال عن الحرب العالمية الأولى " إنها الحرب التي ستنهي الحروب جميعا " ، وحين جاءت الثانية أفقدته الإيمان بالجنس البشري كله . البشرية كلها محض وهم حين لا تلتفت إلى قضيتك ، والوطن كله لا يساوي حذاء حين تعيش فيه حافيا ، بتعبير الماغوط . أسس الفيلسوف الشهير براتراند رسل منظمته للسلام ، رسل فيلسوف الواقعية الجديدة الذي ظل يشهّر بالحرب ويحذر البشرية من شرها ، حبس لأنه لم يقف مع المحاربين ، وقف في الشارع معتصما ضد التجارب النووية الأمريكية ، لكنه اضطر لمواجهة هتلر في الحرب العالمية الثانية وكان نصيرا للحرب . حين لاتخيرك الهمجية إلا بين الموت والموت ! ماذا يكون عليك أن تختار ؟ حتى تولستوي ياصديقي وهو من كتب " الحرب والسلام " ، شارك في حرب القوقاز . يهرب الناس من الحرب ، لكنها حين تفرض عليهم فإنهم لن يترددو في أن يكونوا أبطالا . يصرخون في البداية ، يحذرون ، يكتبون ويؤلفون ثم حين ييأسون يكتبون مذكراتهم على طريقة الماغوط " سأخون وطني " . يبدو ياصديقي أنك لست وحدك من سيخون ، لعل الخيانة هي أن نؤجل دفع الثمن . مالذي يمكن أن يحصل غدا في عمران ، إذا كنت ياصديقي ، وأنت أنت ، قد احتضنت البندقية ؟ومن يحشر الناس إلى محشر الموت ؟ صحبتك السلامة ياصديقي ، وأنت الوطن !