اختطاف القضاة ورجال النيابات او تهديدهم بمحاولة الضغط عليهم لاستصدار حكم او منعهم من اصدار حكم سلوك همجي ارعن وغير مقبول شرعا وقانونا. لكن ان يلجأ القضاة ورجال النيابات للإضراب، احتجاجا على خطف قاضي، او تهديد اخر، فهذه وسيلة لا تقل همجية عما يلحق بهم، فإضراب يوم واحد يضر بعشرات الاسر من اصحاب القضايا التي تنتظر حلا، او افراجا عن سجين، وتعرض اخرين للخطر، جراء عدم وجود محاكم ونيابات تستقبل قضايا الناس، بل ان كثيرا من المواطنين يعتبرون في دائرة المختطفين بحكم بقائهم في السجون الاحتياطية، وسجون البحث وعدم تقديمهم للقضاء. واللجوء لهذا الاسلوب من القضاة كوسيلة ضغط على الدولة لتنفيذ مطالب معينة، عكس وجود ضعف في اجهزة الدولة الامنية والقضائية يستعاض عنه بالإضراب، وأدى الى شلل تام في واحدة من أهم السلطات التي تحكم البلاد، وهي السلطة القضائية المخولة في حل الإشكال وخلق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وجعل القضاء تحت رحمة السلطة التنفيذية، مع ان القضاة يستطيعون بحكم صلاحياتهم الممنوحة لهم دستوريا وقانونياً سحب صفة الضبطية عن أي من رجال الأمن المخلين بواجباتهم. مشكلة القضاة انهم لم يقدموا قضاء عادلا ونزيها، ولا انتهت مطالبهم المكررة، والقضاة انفسهم هم اكثر قطاع حكومي وظيفي نوعي نفذ اضرابات خلال السنتين الأخيرتين، مرة للمطالبة بحقوق وامتيازات مادية، ومرة اعتراضا على بعض بنود مؤتمر الحوار، والآن احتجاجا على خطف قاضي ، والأمر الآخر ان القضاة يتمتعون بإجازة سنوية طويلة تصل الى ثلث العام، فيمضي العام بين الاجازة والإضراب، وبقية الأشهر التي يعملون بها لا تخرج المتخاصمين الى طريق. لكن ما ذنب أولئك المواطنين من السجناء القابعين في السجون كي تتضرر مصالحهم، و تتفاقم خسائرهم ومعاناتهم، بسبب اضراب القضاة، هل يستشعر هؤلاء القضاة مدى الضرر النفسي الذي يلحق بأولئك السجناء، وعوائلهم جراء بقائهم داخل السجن، فهم بنو آدم ولديهم مشاعر إنسانية تتألم وتتوجع على ابنائها، وهل من المعقول أن يضرب المئات من منتسبي القضاء مناصرة لزميل لهم، ويتجاهلوا مطالب ومشاعر الالاف من الناس؟ وهل تقضي أحكام القضاء التي درسها هؤلاء القضاة ومبادئ الشريعة التي يستندون إليها في احكامهم أن يسلكوا هذا السلوك؟ أليس من ابجدياتهم أن المصلحة العامة مقدمة على الخاصة؟ وأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة؟ وأن الشريعة جاءت لجبر الضرر وتحقيق العدل. كيف يمكننا اليوم ان نثق بالقضاء الذي لم يستطع قضاته تحقيق العدالة لأنفسهم، فما بالكم لكافة ابناء الشعب؟ ولماذا علينا كمجتمع ان نتحمل مسؤولية هذا القرار وندفع ثمنه من كرامتنا وحياتنا، وهل وصل الإمتهان والإستهانة بحياة الناس من قبل القضاة الى هذا المستوى، فلا يردعهم قانون، ولا تستعطفهم مناشدات اهالي السجناء التي تستغيث بهم، ولا بيانات النقابات والمنظمات الحقوقية التي تدعوهم لإيقاف هذه المهزلة التي يمارسونها. بكل تأكيد لو كان لديهم إحساس بالمسؤولية تجاه الشعب ما اتخذوا قراراً كهذا، ولو كان لديهم شعور بما يتعرض له السجناء من بؤس وقهر وضيق داخل السجون لأدركوا خطورة الحماقات التي يرتكبونها، والكوارث الناجمة عن هذا التوقف والإضراب. إذاً لمن نشكو هؤلاء القضاة؟ ومن سينصف الشعب من أفعالهم؟ اذا كانوا هم قضاة البلد، وهم من يفترض ان يحفظ حقوق الناس ويصونها، وينتصر للمظلوم، فإلى من نشكوا ظلمهم، ومن القاضي الذي سيحكم؟ والحرية للقاضي السروري.