ما الذي يجعل عملية التحول السياسي في اليمن, أمرا صعب التعقيد, يتصف بالجمود والركود في التنفيذ؟ هل البطء في التحول يعود إلى خطأ في الانتقال عبر المبادرة الخليجية التي منحت عناصر النظام السابق حرية الحركة وإفساد الاوضاع بعد ضمانها الحصانة وعدم المساءلة, أم أن ذلك يعود إلى ظهور حواجز طائفية يصعب تجاوزها خلال مرحلة التحول, أم عدم قدرة النخب السياسية والمدنية على إعادة صياغة نفسها بطريقة جديدة, هي أكثر ملاءمة وانسجاما مع الواقع الجديد؟ أدى البطء في عملية التحول السياسي في اليمن, إلى قيام مجلس الامن الدولي بإصدار القرار رقم 2140, وهو قرار خاص برصد عقوبات على الأطراف والعناصر المتورطة في إعاقة وعرقلة المرحلة الانتقالية. ولعل أهم ما أسس له هذا القرار هو تشكيل لجنة عقوبات دولية مهمتها النزول الميداني والتعرف عن كثب على الأطراف والعناصر المتورطة في عرقلة وإعاقة عملية التسوية, ووضع معيار من العقوبات الدولية التي تراها اللجنة مناسبة لذلك. على الرغم من أن اليمن أخذت الإلهام من انتفاضات الربيع العربي، بالطبع فالتحولات السياسية اللاحقة تجعلها حالة خاصة واستثنائية, بصرف النظر عن تلك الحالة التي تعيشها تونس ومصر. وبين نظيراتها في العالم العربي، تكون اليمن هي الدولة الوحيدة التي أصرت على انهاء الاضطرابات مع تسوية مرضية لجميع الشركاء واللاعبين السياسيين أتت عن طريق التفاوض والاتفاق الانتقالي السهل والذي جاء تحت رعاية المجتمع الدولي. "وعلى النقيض من ما يحدث في سوريا"، ووفقا للأمين العام للأمم المتحدة المستشار الخاص لشئون اليمن، جمال بن عمر "يكون أحدث عنوان كبير في اليمن, هو أن جميع الأطراف قد وافقت على الاجتماع لأول مرة تحت سقف غرفة واحدة، وهو جانب يكشف أن المرحلة الانتقالية في هذا البلد انتقلت إلى الامام". وخلال المرحلة الماضية حظيت اليمن بدعم دولي واسع النطاق، بما في ذلك مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية والإنمائية، وقد أعطي الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي، الشرعية والقدرة على تنفيذ سرب من الإصلاحات وتدابير بناء الثقة المبينة على أساس ما جاء في المبادرة السياسية المقدمة من دول مجلس التعاون الخليجي والتي بموجبها استقال الرئيس علي عبدالله صالح في خريف 2011, وهو ما لا يبدو في أي واحد من بلدان الشرق الأوسط الأقل نموا. رغم سلسلة النجاحات التي حظيت بتغطية إعلامية مكثفة، خصوصا اختتام 10 أشهر من محادثات الحوار الوطني التي تسعى إلى انتاج إطار لعقد اجتماعي جديد للدولة, تظل العملية الانتقالية تعاني من القصور والبطء في التحول. في جلسة شهر فبراير الماضي المخصصة لليمن, أوضح مساعد الامين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى اليمن السيد جمال بن عمر أن اليمن باختتام فعاليات مؤتمر الحوار الوطني الشامل تدخل مرحلة جديدة من خلال عزمها على المضي قدما إلى تحقيق الحكم الديمقراطي الذي يطمح في تحقيقه اليمنيون. وفيما يخص عراقيل المرحلة, والبطء في عملية التحول أكد بن عمر أمام المجلس أن من أهم أسباب البطء في الانتقال في اليمن وعرقلة مسار التحول السياسي في البلد يكمن في الوظيفة السلبية للقوى المضادة لعملية التغيير, معربا في هذا الصدد أن هنالك عناصر في النظام السابق ما زالت مستمرة في وضع العراقيل ونشر الإحباط وتأخير دوران العجلة على مسار العملية الانتقالية بهدف العودة إلى الوراء وإفشال الانتقال. وأكد جمال بن عمر أن هذه العناصر التي وصفها ب «عناصر النظام السابق» تضع نفسها كتهديد حقيقي يسعى في الزج بالبلد نحو الفوضى إذا لم يتم إزالة هذا التهديد والتعامل معه بشكل سريع. وعلى ما رفعه المبعوث الأممي إلى مجلس الامن الدولي لم يكن أمام المجلس بداً من الالتفات بجدية والتعامل مع مثل هذه التحديات التي وصفت بأنها «تهدد السلام والامن الدوليين في المنطقة» من خلال تبني مجلس الأمن للقرار رقم 2140 الصادر نهاية شهر فبراير الماضي. وقد أسس هذا القرار لتشكيل لجنة عقوبات دولية خاصة باليمن للنظر في معرقلات التسوية والبطء في التحول, وهي لجنة تتكون من عدد من الخبراء ومهمتها الكشف عن معرقلي التسوية ووضع معايير من العقوبات التي تراها اللجنة مناسبة لذلك. وكما هو الحال مع غيرها من جوانب الانتقال السياسي في اليمن، يدور الجدل الآن حول ما إذا كانت هذه المبادرة- لجنة العقوبات الدولية المقرر لها النزول الميداني إلى اليمن- سوف تقدم مساهمة جوهرية لتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد. وبشكل عام، يرى العديد من المراقبين إيجابية الوضع القائم في اليمن بالنسبة لنظرائه في بلدان الربيع العربي. وبالمقارنة مع الأزمات في مصر وليبيا وسوريا- على سبيل المثال- يبدو أن إعادة هيكلة التنظيم في اليمن نسبيا لا يبدو سيئا للغاية. في الواقع، اتجه أصحاب المصلحة من اللاعبين الدوليين, أكثر إلى التركيز على المستوى الكلي, باعتباره «الصورة المكبرة»، معتبرين أن الوضع في اليمن كان يمكن أن يكون أسوأ من ذلك بكثير لو لم تتدخل الجهات الفاعلة من اللاعبين الدوليين في ذلك. من جانب آخر يرى عدد من النقاد الأوضاع في اليمن بشكل مختلف ؛ فرناندو كارفاخال، الخبير في السياسة اليمنية بجامعة اكستر، ينتابه شعور بالقلق حول العواقب المحتملة للنتائج التي تسوقها الصراعات ذات المستوى المنخفض والحركات الهامشية. وحسب وجهة نظر كارفخال بهذا الخصوص: «يبدو أن لا أحد يشعر بالقلق حول المصداقية, دعونا بكل بساطة نلبي بعض المزاعم وندعي النجاح, في حين أن مراسم الاحتفالات هي مجرد قيام وسائل الإعلام بتشتيت الأذهان وجذب الأنظار بعيدا عن الواقع والحاصل في جميع أنحاء البلاد. هذا النوع من التغطية الأقل يركز ببساطة على القمة: الرئيس، السفارات, بن عمر؛ بينما لا يلتفت إلى الأحداث والتداعيات الجارية في المحيطر». الأمثلة على ذلك كثيرة, وتشمل المعركة الدامية بين الانفصاليين المتشددين والقوات الحكومية في معقل الحراك الجنوبي في محافظة الضالع والمستمرة منذ ديسمبر كانون الاول ، وقد أجبر العنف المنظمات الإنسانية المتمركزة هناك إلى وقف أنشطتها مؤقتا, ومنع فريق حقوق الإنسان بالأمم المتحدة من التحقيق في ادعاءات الاستخدام غير القانوني للقوة من قبل الجيش. في الشرق من البلاد -محافظة حضرموت- يقوم تحالف من القبائل المحلية في الانقضاض على القوات الحكومية داخل المدن والطرق الاستراتيجية في المناطق الغنية بالنفط في المحافظة، وقد زادت مثل هذه التوترات بعد أن قتل جنود يمنيون عن طريق الخطأ, زعيم قبلي بارز اشتبه من أنه عضو في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. هذا وفي الواقع، تشهد اليمن الموحدة بعضا من أسوأ نوبات العنف منذ الحرب الأهلية عام 1994 التي كشف تقريبا على اتفاق الوحدة بين الشمال والجنوب السابقين وهي الأنظمة السياسية الحاكمة في اليمن إلى وقت مبكر من اتفاقية الوحدة يصل أربع سنوات. وقد اقترب الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي من تفكيك النظام السابق بحذر كبير تجنبا لإغضاب التوازن الدقيق للسلطة المتمركزة في جانب الرئيس السابق صالح واللواء علي محسن الأحمر. تلك الخطوة كانت هامة جدا باعتبار أن اللواء محسن، طالما وصف من قبل الكثيرين بثاني أقوى رجل في اليمن، وقد أدى انشقاقه عن نظام الرئيس صالح في بداية احتجاجات العام 2011 إلى إعلان نصف الجيش الانشقاق معه. يقول أحد المحللين السياسيين في اليمن أن «التوازن هو مفتاح الحل». لذلك, إذا تم الحفاظ على هذا التوازن مع ضمان عدم استياء أي جانب, سيكون الوضع على ما يرام ؛ أما إذا تم الخلل في ذلك, بأي شكل من الأشكال, سنكون في مشكلة. ويؤكد المحلل السياسي المحلي أن من أهم سمات مستويات التحكم بنوبات العنف الانتقامية أثناء عملية إعادة الهيكلة هي سمة تحالف الرئيس هادي مع المجتمع الدولي ؛ لقد كان اليمنيون محظوظون أن لديهم تحالف للقوى، على المستويين المحلي والدولي، والتي ساهمت وبشكل كبير في دعم مسار المرحلة الانتقالية. تميل التقييمات لمستوى الانتقال السياسي في اليمن- كواحدة من بلدان الربيع العربي- في التركيز على جانب الاستقرار النسبي, مقارنة مع التحولات الأخرى في المنطقة حين نتعرف على الفروق الدقيقة في السياق المحلي. لقد تم تجريد الشخصيات الرئيسية من مناصبها العليا في المؤسسات السياسية والعسكرية والتجارية ؛ مؤخرا تمت الموافقة على التأسيس لنظام حكم اتحادي فيدرالي، وهو صورة واضحة للهيكل السياسي الجديد المرسوم والمخطط له مؤخرا لتقاسم السلطة واستبدال النظام المركزي الحصري القادم من إرث تركة صالح. وفي هذا السياق تم إنشاء عدد كبير من التدابير فيما يتعلق بجانب الحكم الرشيد وضمان خضوع المؤسسات والجهات الفاعلة للمساءلة ؛ في حين أن هذه المبادرات النبيلة تبدو فريدة من نوعها من حيث أنها تتمتع بدعم واسع النطاق من المجتمع الدولي, إلا إنها قد لا تصمد أمام اختبار الزمن. ومثل عدد من التحولات السياسية في اليمن والتي طرأت منذ اندلاع موجة الربيع العربي في العام 2011, لا يزال اليمن في المراحل الأولية من معالجة المشاكل البنيوية, التي من المرجح أن يستغرق علاجها أجيالا قادمة. وكما لاحظ باحثون في جامعة هارفارد: لانت بريتشت وفروك دي ويجر, في ورقة بحثية مقدمة في العام 2010 تتناول تجربة الدول الهشة, التي تمر بشبه التحولات, كما هي الحالة إلى حد كبير أقرب إلى اليمن يرى الباحثان من أنه "من السهل بكثير خلق وتأسيس منظمة أو مؤسسة- مثال على ذلك جهاز للشرطة مع التخطيط لأشكال أحكام القانون والمخططات التنظيمية، والرتب، والزي العسكري، وإنشاء المباني، وشراء الأسلحة- إلا أننا أخيرا نعجز في إنشاء جهاز وضيفته بحكم الأمر الواقع إنفاذ القانون". هامش: كيسي كوميز- مؤسسة ستارتفور الدولية -ستارتفور للتنبؤات الاستراتيجية من أبرز مؤسسات صناعة التحليل السياسي المؤسسي في العالم, وهي مؤسسة متخصصة في شئون المخابرات والمعلومات. نقلا عن صحيفة الناس