مانشستر يونايتد يضرب موعداً مع توتنهام في نهائي الدوري الأوروبي    منافس جديد في عالم الحواسب اللوحية من Honor    نائبة أمريكية تحذر من انهيار مالي وشيك    "تل المخروط".. "هرم" غامض في غابات الأمازون يحير العلماء!    واقعة خطيرة.. هجوم مسلح على لاعبي فلامنغو    ليفربول يقدم عرض للتعاقد مع نجم مانشستر سيتي بروين    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    العليمي اشترى القائم بأعمال الشركة اليمنية للإستثمار (وثائق)    الغيثي: أميركا غير مقتنعة بأن حكومة الشرعية في عدن بديل للحوثيين    وطن في صلعة    باشراحيل: على مواطني عدن والمحافظات الخروج للشوارع وإسماع صوتهم للعالم    الطائرات اليمنية التي دمرتها إسرائيل بمطار صنعاء لم يكن مؤمنا عليها    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    الجولاني يعرض النفط والتواصل مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات    دبلوماسي امريكي: لن ننتظر إذن تل أبيب لمنع اطلاق النار على سفننا    تغاريد حرة .. صرنا غنيمة حرب    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    تحديد موعد أولى جلسات محاكمة الصحفي محمد المياحي    إعلام عبري: ترامب قد يعلن حلا شاملا وطويل الامد يتضمن وقف حرب غزة ومنح قيادة حماس ضمانات    البرلماني بشر: اتفاق مسقط لم ينتصر لغزة ولم يجنب اليمن الدمار    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    تعيين نواب لخمسة وزراء في حكومة ابن بريك    وسط فوضى أمنية.. مقتل وإصابة 140 شخصا في إب خلال 4 أشهر    رئاسة المجلس الانتقالي تقف أمام مستجدات الأوضاع الإنسانية والسياسية على الساحتين المحلية والإقليمية    صنعاء.. عيون انطفأت بعد طول الانتظار وقلوب انكسرت خلف القضبان    السامعي يتفقد اعمال إعادة تأهيل مطار صنعاء الدولي    سيول الامطار تجرف شخصين وتلحق اضرار في إب    القضاء ينتصر للأكاديمي الكاف ضد قمع وفساد جامعة عدن    *- شبوة برس – متابعات خاصة    تكريم طواقم السفن الراسية بميناء الحديدة    صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" يطلق سلسلة بطولات عالمية جديدة ل"جولف السيدات"    . الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويواصل الزحف نحو اللقب السعودي    باريس سان جيرمان يبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعوديون يدقون ناقوس الخطر: بإختفاء وتآكل الطبقة المتوسطة في المملكة (الثورة قادمة)
نشر في الخبر يوم 25 - 09 - 2012

يتساءل السعوديون باستغراب كيف اختفت الطبقة المتوسطة من المجتمع وانزوت من دون أن يلتفت إليها أحد؟ على رغم وجود الكثير من الخطط الخمسية التنموية، ووزارة للاقتصاد والتخطيط، ومجلس اقتصادي أعلى، ومؤسسات تمويلية حكومية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ودعم مالي لا محدود للقطاعين الصناعي والتجاري.
هذا ما افتتح به جمال بنون الكاتب والاعلامي الاقتصادي ورئيس المركز السعودي للدراسات والإعلام أحد مقالاته عن الطبقة الوسطى في السعودية، ويضيف:
منذ عام 1990 تقريباً بدا تقلص الطبقة المتوسطة تدريجياً، حينما بدأ الكثير من المواطنين في ادخار أموالهم في مشاريع ظهرت حينها، مثل المساهمات العقارية، وشركات لتوظيف الأموال، ومشاريع سوا، وبدأت سوق الأسهم تحبو خطوات نحو الارتفاع، فأودع البسطاء من المواطنين والذين لديهم بعض المال في تلك المحافظ الاستثمارية، إلا أنها، مع الأسف الشديد، كانت مشاريع وهمية ونصب واحتيال، وأسهم طول مدة النظر في هذه القضايا في المحاكم التي تصل إلى أكثر من 20 و26 عاماً، حتى أصاب الناس بالإحباط من أجل استعادة حقوقهم، والكثير منهم انتقلوا إلى رحمة الله.
أموال الطبقة المتوسطة كانت تتلاشى أمام أعينهم، والبعض منهم أضاعها نتيجة جشعه وطمعه من الاستعانة بالسحر والدجل والزئبق الأحمر، ومعظمهم فقدوها لغياب التشريعات والأنظمة، وأيضاً الانفلات الرقابي، فهيئة سوق المال ظهرت بعد قيام سوق الأسهم بفترة، والمساهمات العقارية ظهرت من دون تشريعات.
حادثة 2006، التي هوت فيها سوق الأسهم السعودية من 21 ألف نقطة إلى 6 آلاف نقطة، كانت الضربة القاضية للطبقة المتوسطة، للقضاء على آخر قرش يملكونه للاستثمار، فقد باع الكثير من المواطنين منازلهم وعقاراتهم من أجل الحصول على سيولة والدخول في سوق الأسهم، ولعبت البنوك دوراً مهماً في القضاء على هذه الطبقة، حينما كانت تقدم تسهيلات وقروضاً عندما تطرح اكتتابات أولية للشركات المساهمة، ومن دون فوائد، وهذا ساعد في اتجاه الكثير من المستثمرين الصغار من الطبقة المتوسطة للإقراض، ولما هبطت سوق الأسهم سيلت هذه المحافظ، وضاعت مدخرات المساهمين، وتحولوا إلى دائنين. وتوالت نكسات الطبقة المتوسطة بظهور شركات مساهمة ضعيفة وهشة، وأيضاً لقلة تجربة وخبرة هيئة سوق المال في التعامل مع هذه الشركات، إما بزيادة علاوات الإصدار أو غياب الجدوى الاقتصادية، والبعض منها لا تستحق أن تكون في قائمة الشركات المساهمة، ظهرت شركات مساهمة برأسمال عالٍ وضخم، وجمعت سيولة من السوق، إنما بعد سنوات قليلة انكشف أمر هذه الشركات، فالبعض منها مارس التضليل في تقديم المعلومات عن أوضاع شركتها من أرباح وعقود وصفقات، وخلال فترة قصيرة أعلن البعض منها عن إفلاسها، وبلغت حجم الخسائر في رأسمالها إلى 80 في المئة.
وحتى الآن خرجت الكثير من الشركات وأوقف البعض منها. وفي المقابل دخلت شركات حكومية مدعومة من الدولة في مجال الاستثمار في المدن الاقتصادية، وكالعادة صدق المواطنون في هذه الشركات وضخوا ما لديهم من سيولة أو اقترضوا ظناً منهم أنها ستعيد إليهم ما خسروه، على اعتبار أنها حكومية وسوف تحقق نجاحات، وكانت المفاجأة أن تداولاتها كانت ضعيفة نزراً لأن مشاريعها لم ترَ النور.
طبعاً هذه الحوادث والضربات كلها كانت تسهم في تقليص الطبقة المتوسطة، تلت هذه الأحداث الأزمة الاقتصادية العالمية وقضية الرهن العقاري الأميركي وانكشاف البنوك، ولم تتمكن الجهات الحكومية من معالجة الأزمة، على رغم التطمينات الرسمية وتصريحات المسؤولين، أما على أرض الواقع بالفعل كان هناك تأثير، خصوصاً للبنوك والمحافظ الاستثمارية، وارتفاع نسبة الذين تم تسريحهم من الوظائف.
إذا ما تابعنا الخطوات الحكومية لمعالجة الأزمة سنجد أنها كانت تصب في مصلحة إيجاد وظائف للعاطلين وليس حلولاً لأصحاب الطبقة المتوسطة الذين فقدوا وظائفهم وأموالهم ومدخراتهم، وأصبحوا الآن هاربين من البنوك والمقرضين الذين يطالبون بحقوقهم. وزارة العمل السعودية كانت حائرة، وجدت نفسها أمام أكثر من معضلة، شركات الاستقدام انفتحت على الآخر أمام شركات المقاولات والمؤسسات، وحينما تقارن تسعة ملايين عامل دخلوا البلاد أمام عدم وجود فعلي لأي من مشاريع، تحولت هذه العمالة إلى مستثمرين صغار، لهذا وجدت وزارة العمل نفسها تروج لوظائف ذات مرتبات متدنية، لأن هدفها إيجاد وظيفة وليس تحسين مستوى الدخل للفرد، فأطلقت «حافز» وهي مكافآت شهرية بوعد إيجاد وظيفة، إلا أنه بعد ثمانية أشهر أثبتت أن التجربة لم تجدِ نفعاً، فحسب تصريح مسؤول في التأمينات الاجتماعية قبل أشهر أكد أن 91 في المئة من السعوديين في القطاع الخاص أجورهم ثلاثة آلاف ريال.
طبعاً ساعد في تعزيز اختفاء الطبقة المتوسطة أن إيجار الشقق ارتفع بنسبة 133 في المئة خلال خمسة أعوام، وسجل المؤشر العام لتكاليف المعيشة في المملكة «معدل التضخم» ارتفاعاً بلغت نسبته 35.2 في المئة، وبذا تكون الأسر السعودية فقدت 35.2 في المئة من إجمالي دخلها خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) 2007 إلى تموز (يوليو) 2012، أي 3520 ريال من كل 10000 ريال، في حين بلغ متوسط معدل التضخم العام في الدول محل الدراسة 16,4 في المئة خلال الفترة نفسها، وليس هناك في الأفق ما يبشر أن الطبقة المتوسطة ستعود تدريجياً، ويحتاج من المختصين، ومجلس الغرف السعودية، إلى تنبي استراتيجية لإعادة الطبقة المتوسطة على سطح الأرض، من أهمها تخفيف القيود والاشتراطات في فتح المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فلترة الشركات التي ترغب في طرح أسهمها للاكتتاب، خلق سوق ثانوية لسوق الأسهم تمتص الاهتزازات، وضع معايير أعلى للشركات التي تطرح أسهمها للاكتتاب، مراجعة المؤسسات الحكومية التي تقرض ومعالجة الشروط وتسهيلها، وقف الاستقدام العشوائي من الخارج، الفصل الجائر للموظفين السعوديين في القطاع الخاص، ربط مخرجات التعليم بسوق العمل، وإغلاق الكليات التي ليس لها جدوى، عودة الطبقة المتوسطة سيستغرق ما لا يقل عشر سنوات لحين توضع لها خطة والعمل الجاد، أما أن نقول إنهم سيحصلون على وظائف بمرتبات متدنية، ونرغمهم على العمل بمرتبات أقل، أعتقد أن هذا إجحاف، ووزارة العمل والجهات الحكومية عليها استحداث وظائف في المناصب القيادية والعليا، وإعادة هيكلة الشركات الاستثمارية، كما تروج وزارة العمل لوظائف صغيرة، فإنها معنية بمعالجة مشكلة الطبقة المتوسطة، وإذا ما استمرت الحال هكذا، فسيبقى أصحاب الطبقة المتوسطة مقيدين داخل كهفهم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
جمال خاشقجي والطبقة المتوسطة
وفي مقال ل"عبد العزيز الدخيل بعنوان (جمال خاشقجي والطبقة المتوسطة" يتحدث فيه الكاتب عن الإقتصاد السعودي، وتناول جمال خاشفجي للآثار التي لحقت بالطبقةالمتوسطة في السعودية فيقول: جمال صديق وسياسي مخضرم ورئيس تحرير سابق.
في مقالين في جريدة الحياة: مقال (الأجنبي والثري اللذان أكلا الطبقة الوسطى بتاريخ 01/09/2012 م) ومقال (نعمة السعوديين وتآكل الطبقة الوسطى بتاريخ 25/08/2012 م) عرج فيهما على الاقتصاد السعودي وقضاياه. يطرح أسئلة ويثير أموراً، يجيب أحياناً ويحوم حول الحمى أحياناً كثيرة.
محوره الذى انطلق منه هو «الطبقة السعودية الوسطى» كيف تآكلت حسب قوله انطلاقاً من دراسة للدكتور فهد القحطاني أستاذ الاقتصاد في جامعة البترول بهذا الخصوص.
لا أريد في هذا المقال مناقشة الخلاصة التي وصلت إليها دراسة الدكتور القحطاني ولا الأسس الإحصائية أو الاقتصادية التي بنيت عليها فهذا أمر مكانه ليس هنا.
الأخ جمال وزع نقده وملاحظاته على عدة جهات وفي عدة اتجاهات فلامَ الأجانب ولامَ الأثرياء وتحدث عن الضرائب وعن اعتماد الدولة على الإيرادات النفطية. وسأل لماذا لم تعلق وزارة المالية ووزارة التخطيط على ما وصلت إليه الدارسة؟ وعاد وشكر المسؤولين الذين طلبوا من الدكتور فهد والجامعة إعداد دراسة أخرى بهذا الخصوص.
أخي جمال حام حول الحمى لكنه لم يقع فيه.
وفي هذا المقال أريد أن ألج إلى مركز الدائرة في حمى الاقتصاد السعودي كما أراه وكما كتبت عنه على مدى أربعة عقود.
أبدأ أولاً بتعريف المصطلح الذي نتحدث عنه وهذه ضرورة منهجية ومنطقية، ماذا نعني بالطبقة الوسطى في المجال الاقتصادي؟ وما هي وحدة القياس الذي بموجبه يكون هذا من الطبقة الوسطى وذاك من الطبقة الأخرى؟ المفهوم العام أن التقسيم محكوم بحجم الدخل المالي فمن كان دخله السنوي على سبيل المثال بالملايين هو من الطبقة الغنية، ومن كان دخله السنوي بمئات الآلاف هو من الطبقة الوسطى العليا ثم يأتي دونها الوسطى الوسطى ثم الوسطى الدنيا، وفي آخر سلم الدخل المالي تأتي الطبقة ذات الدخل المحدود ثم الفقيرة ثم التي فقرها مدقع ولا تملك شيئا وهكذا دواليك.
إن القاعدة الأساسية التي يجب أن يبنى عليها التقسيم حسب الدخل هو الإنتاج المنشئ للدخل؛ فالإنتاج هو الموجد للدخل وصانعه وبدون الإنتاج يكون الدخل هبة أو إعانة أو سرقة أو بيعاً لرأس مال أو استهلاكاً لادخار متراكم.
الطبقة الوسطى هي الطبقة التي تحتل وسط الهرم الإنتاجي وهذه هي المساحة الأكبر في جسم الاقتصاد والعمود الفقري له.
من هذه المنطقة الوسطى يرتفع الفرد إلى الطبقة الإنتاجية العليا طبقة المستثمرين المنتجين وإليها يفد القادمون من الطبقة الأقل طبقة العمال.في الاقتصاد غير المنتج مثل الاقتصاد السعودي حيث الدخل القومي بشكل خاص والفردي بشكل عام غير مرتبط بحجم الإنتاج وإنما بحجم استهلاك الثروة الوطنية البترولية، فإن قياس حجم الطبقة الوسطى بحجم الدخل دون إجراء التصحيح اللازم لربطه بالإنتاج هو تطبيق غير صحيح لمعيار الطبقة الوسطى.
الاقتصاد السعودي اقتصاد يقوم بشكل أساسي ورئيس على استخراج المخزون الوطني من خام البترول والغاز وبيعه في الأسواق العالمية والعيش على إيراداته لتمويل النفقات الحكومية ومنها وأهمها رواتب الموظفين. القطاع الخاص من جانبه يعيش ويقتات من مشروعات الدولة وتقوم صناعاته على إعاناتها؛ لذا فإنه في نهاية المطاف يعتمد على إيرادات الدولة النفطية ولو بشكل غير مباشر.
إذن دخل المواطن السعودي في مجمله يعتمد على حجم استنزافنا للثروة البترولية ولا يعتمد على إنتاجنا من السلع والخدمات، وبالتالي فإن دخل الطبقة الوسطى لا يعبر عن إنتاج موازٍ لهذا الدخل.
على صفحات جريدة «الشرق» تناولت في عدة مقالات الاستخدام الخاطئ لمعيار اقتصادي آخر هو معيار GDP «الناتج المحلي الإجمالي» وقلت إن استخدام هذا المعيار المعمول به في قياس حجم الاقتصاديات الطبيعية القائمة على مبدأ الإنتاج وليس على مبدأ استهلاك الثروات الوطنية لوصف حالة الاقتصاد السعودي نمواً أو هبوطاً هو استخدام خاطئ بل مضر كل الضرر لأنه يعطي صاحب القرار صورة مضللة لحالة الاقتصاد السعودي ومستقبله.
(انظر العدد رقم 155 بتاريخ 07/05/2012م)إن الهبات الحكومية لا توزع بشكل مباشر إلا في حالات خاصة ولمجموعات خاصة وهذا ليس موضوعنا، إن ما عنيته أن السعوديين -موظفين ومهنيين وتجاراً- الفرق بين دخلهم وإنتاجهم أي بين معدل الدخل ومعدل الإنتاج كبير جدا.
فالدخل أكثر بكثير من الإنتاج وقد أوضحت الدراسات أن معدل إنتاجية الموظف في القطاع العام متدنية جداً حتى بالنسبة لراتبه المتدني وغالبية الموظفين السعوديين من موظفي الدولة.
أما بالنسبة لرجال الأعمال فيما يخص العلاقة بين معدل الربح والإنتاج فحدث ولا حرج. ويعزى شبه الانفصال هذا بين الدخل والإنتاج إلى النهج والسياسة الاقتصادية للحكومة التي بدلاً من أن تقوم على الحد من استهلاك رأس المال الوطني الطبيعي المتمثل في النفط، والتركيز على زيادة معدل الإنتاجية للفرد وللأمة وزيادة الاستثمار المنتج لتعويض حجم المستهلك من رأس المال الوطني النفطي، أخذت الدولة نهجاً اقتصادياً يقوم على الإنفاق الاستهلاكي دون ادخار واستثمار إنتاجي ممنهج من خلال سياسات اقتصادية محددة وهادفة لتحقيق هذه الأهداف.
المعيار الذي يجب استخدامه لتقسيم طبقات المجتمع اقتصادياً إلى وسطى وغير وسطى هو معيار الإنتاج الذي هو الأساس الحقيقي للدخل وليس معيار الدخل القائم على استهلاك الثروة البترولية وتوزيعها كيفما اتفق.
الحكومة تستطيع بجرة قلم كما يقول الموروث الشعبي أن توزع الملايين بأشكال وأنواع مختلفة ليس لها علاقة وطيدة بإنتاجية الفرد وترفع حجم الطبقة الوسطى بنسبة عالية بين عشية وضحاها.
لكنه ارتفاع وقتي لا يستند على قاعدة إنتاجية للفرد، وكما ازداد حجم الطبقة الوسطى اليوم يمكن أن ينخفض غداً دونما حركة أو تغير في الإنتاج والإنتاجية إنما المتغير الوحيد هو الإنفاق الحكومي المعتمد على الدخل البترولي المعتمد على استهلاك وبيع الثروة البترولية.
فهل يمكن في الحالة السعودية أن يكون رفع نسبة الطبقة الوسطى إلى 60% التي يقول عنها أخي جمال خاشقجي دليلاً أو مؤشراً على تحسن الحالة الإنتاجية في الاقتصاد؟ الطبقة الوسطى ودلالتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية محكومة بعلاقة هذه الطبقة بالإنتاج وكونها تشكل قاعدة إنتاجية يستمد منها الاقتصاد قواه الدافعة إلى النمو الاقتصادي والتقني ويستمد منها المجتمع قوى التغيير والتطور.
عندما نسقط هذا المصطلح على اقتصادنا السعودي يجب أن نمعن النظر في كينونة وطبيعة وماهية المعيار الذي بني عليه هذا المصطلح، فقد تكون دلالته غير صحيحة وضارة كما هي الحال في استخدام مصطلح الناتج المحلي الإجمالي GDP كما أشرت سابقاً.
الطبقة الوسطى في السعودية تزيد وتنقص تنمو وتنخفض انطلاقاً وارتباطاً بزيادة الإيرادات النفطية ومعها الإنفاق الحكومي دون علاقة جوهرية بإنتاج هذه الطبقة، كما هي حال الاقتصاد السعودي ككل الذي يزيد نموه وينقص حسب زيادة الإيرادات النفطية التي لا علاقة لهما بعملية الإنتاج الحقيقي في الاقتصاد السعودي.
لذلك تجد أن الاقتصاد السعودي حسب تقارير وزارة المالية تجاوز نموه 5% في عام 2011م.
وهذا نمو يتجاوز النمو الذي حققته ألمانيا وأمريكا وفرنسا وكل الدول الصناعية.
قد يبدو الأمر غريباً لكن لا غرابة في الأمر إن عرفنا السبب.
السبب أن معيارهم لقياس معدل النمو والانكماش الاقتصادي قائم على المعيار الإنتاجي للسلع والخدمات مخصوماً منه الاستهلاك الرأسمالي.
أما معيارنا فإنه قائم على اعتبار عملية استهلاك الثروة البترولية عملية إنتاجية، وهذا هو مربط الفرس ومكمن الخطأ في معيارنا المعبر عن حال اقتصادنا.
ومكمن الخطر في هذا الخطأ المعياري هو عدم إظهار الصورة الحقيقية للاقتصاد الوطني لصاحب القرار الذي يظن أن الاقتصاد في نمو مستمر بينما الواقع أن رأس المال الطبيعي في تدهور مستمر.
مشكلاً بذلك احتمالاً كبيراً على عدم قدرة الحكومة في الاستمرار في تقديم خدماتها إلى الأجيال القادمة القريبة منا وليست البعيدة.
هذه النتائج المقلقة أظهرتها دراسة بحثية عملت عليها خلال العامين الماضيين 2010 و2011م وأتمنى أن أنتهي منها في نهاية العام الحالي لتأخذ طريقها إلى النشر.
خلاصة القول إن حال الطبقة الوسطى السعودية كحال الاقتصاد السعودي ينتفخ وينكمش حسب ما يحقن في قنواته من أموال حكومية حصلنا عليها من استهلاك وبيع رصيدنا الوطني من البترول وليس بما أنتجه أو لم ينتجه من السلع والخدمات الاستهلاكية والرأسمالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.