الجواب المنطقي هو أنه لن يزورهن على الإطلاق؛ ذلك لأن كل فتاة تغتصب في أقسام الشرطة المصرية ومعتقلات النظام ليست في نظر السيسي سوى إرهابية من شعب آخر لا يخصه، خصومه وأعداء الوطن كما يراه المشير السيسي. والسؤال هنا لا ينبغي أن يكون هل يتحمل السيسي مسؤولياته تجاه المغتصبات في سجون النظام الذي يمثله أم لا، السؤال هو هل يتمتع السيسي بأخلاق الحرب الكافية كي يتعامل مع فتيات الشعب الآخر، بفروسية، ونبل، ويرفض أن تنتهك أعراضهن في أقسامه ومعتقلاته؟ "احنا شعب وانتوا شعب"، لم تكن مجرّد أغنية تافهة لمؤلف موال للحكم العسكري، وفنان سقط سقوطًا مريعًا بعد أن كان أحد أيقونات الوجدان المصري. "احنا شعب وانتوا شعب" شعار مرحلة، ومنهج سياسي، وتوجه دولة بأكمله. "احنا شعب وأنتوا شعب"، هي برنامج المشير المدني الحقيقي، الولاء والبراء للسيسي وجنوده هو مناط الوطنية وعمودها وذروة سنامها، وما دون ذلك فليس بالمعارض إنما هو الخائن العميل عدو الوطن/ السيسي، ومن هنا نسأل عن حقوق الأعداء في الحرب الشريفة لا عن حقوق المواطنين... أكرر: هل يمتلك السيسي أخلاق المحارب الشريف الذي يتوجب عليه أن يتعامل مع أسرى الحرب بشكل أرقى مما يحدث في نساء "مصر الأخرى" قبل رجالها؟ لا يمكن بحال من الأحوال أن ينكر منصف أهمية زيارة المشير للمرأة التي تعرضت للتحرش في ميدان التحرير بهذا الشكل المهين، إلا أن السؤال حول المعتقلات وحقوقهن هو أول ما يخطر على بال المراقب وهو يرى امرأة واحدة تحظى بكل هذا الاهتمام -الذي تستحقه من دون شك- بينما المصريات الأخريات أيًّا كانت توجهاتهن السياسية يحدث فيهن ما يحدث من اعتقال، وضرب، وتعذيب، وإهانات أخلاقية، وسباب فاحش، وخوض في الأعراض، واغتصاب في أقسام الشرطة، وداخل السجون حتى وصل الأمر إلى خروج بعضهن حوامل، لكنّ السيسي لم يذهب لأحد، ولم يعتن بأحد ولن يفعل فيما يبدو، والسبب ليس فقط أن المعتقلات من شعب آخر، فهذا سبب يدينه في حال تكرر الجرائم وسكوته عنها، ولم يعد يقنع أغلب المصريين الذين صدقوا هذه الخرافة في وقتها وسرعان ما أدركوا كذبها وكذب من ادعاها، الأهم في هذا السياق الملتبس بين نبل القائد وانتهازيته هو أنه لا يوجد فيديو واحد يوثق للجرائم البشعة خلف الأسوار، وبالتالي فالمشير في حلٍّ من الحرج الذي سببته له مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار فيديو فتاة ميدان التحرير. ليس في سجون مصر معتقل سياسي واحد، وأقسام الشرطة واحات للحرية، ومراتع لحقوق الإنسان، ولا سجن، ولا تعذيب، ولا اغتصاب، وكل ما ينشر عن انتهاكات السلطة غير صحيح، الإخوان كاذبون، الثوار كاذبون، خونة، وعملاء، وطابور خامس، ويريدون هدم الدولة، ذلك ما يخبرك به تصريح لقيط هنا أو هناك، إعلام رجال الأعمال، اللجان الإلكترونية التي تقوم بدورها الوطني في بث سموم الكراهية بين الفرقاء، ومراقبتنا من باب الرعاية، إلا أن من يسجن علاء عبد الفتاح والشاعر عمر حاذق، ب"لا تهمة"، ويلقي القبض على ماهينور المصري، أيضًا بلا تهمة، ويمنع أحمد ماهر حتى من حق الكتابة في السجن، ويمارس عمليات انتقامية تجاه كل من كان له دور شريف في ثورة مصر، ليس مستبعدًا عليه بحال أن يمارس كل هذه الانتهاكات وأكثر منها إزاء خصومه الأكثر تهديدًا لسلطة الانقلاب العسكري الذي أتى به إلى الحكم. ما يتردد من "أكاذيب" يستحق من المشير التحقيق، وكشف الحقائق أمام المخدوعين أمثالنا، حتى لا يصدق الناس أكاذيب المغتصبات فينهار مفهوم الدولة لديهم أكثر من ذلك. إن الحفاظ على الدولة يبدأ من التحقيق في هذه الانتهاكات البشعة، وعلى من يودّ حماية الدولة أن يبادر بالتحقيق بنفسه في عشرات الحالات التي جرى توثيقها حقوقيًّا، ومئات الحالات التي خاف عليهنّ أهلهنّ من الفضيحة في مجتمع يغفر للمغتصب ويدين ضحيته، وأبوا أن يتكلموا. إن حماية الدولة من الإرهاب المزعوم يبدأ من التحقيق في هذه الانتهاكات، فماذا ننتظر من كل مَن تعرض لذلك خلف الأسوار رجالًا ونساءً، بل ماذا ننتظر من الأب والأخ حين تعود البنت وقد انتهك عرضها على يد ضابط كان يحمي الوطن باغتصاب المتظاهرات؟ سيتحول هؤلاء إلى قنابل حقيقية في وجه كل من مارس ذلك، أو أمر به، أو سمع به ولم يتوثق، أو سمع به وبرره أو كذبه أو "والس" عليه، قنبلة حقيقية، وليست من هذه التي تظهر في الأزمات وتختفي في الانتخابات، فهل يعلم المشير أم أنهم لم يخبروه لكثرة شواغله؟