يعتبر التجمع اليمني للإصلاح قوة سياسية رئيسة لها تأثيرها في الحالة الوطنية ، له قاعدة عريضة من الأعضاء والمناصرين الذين لا تخلو منهم منطقة أو فئة يمنية ، وللحزب تحالفاته الرسمية والغير رسمية . ورغم ذلك يوصف الحزب باعتباره كيان كبير برأس صغير بسبب سوء إدارة الحزب ومحدودية أفقها وحساسيتها المنخفضة . وبقدر حجم الحزب كان أثره في الحالة الوطنية الراهنة – الرديئة بطبيعة الحال – وبقدر حجمه وأثره كانت أخطاؤه القاتلة البالغة الأثر على الحزب وعلى البلد قبل ذلك وبعده . وتسليط الضوء على هذه الأخطاء لا تفيد حصر المسؤولية ، ولا تعني بالضرورة تبرئة بقية الأطراف من مسؤولياتها في هذه الأخطاء أو أي أخطاء أخرى كما أنها لا تبرر مساهماتها فيها أو تقاعسها عن منعها . يمكن القول بوضوح أن الإصلاح يحصد في فترة الإنكسار الحالية ما زرعه في فترة قوته التي لم يُحسن إدارتها واستثمارها من أجل الصالح العام ، بل وظفها بطرق أنانية من أجل تأمين مصالح حزبية خاصة كما فعل مع فرص تاريخية سابقة على حساب المشروع الوطني والصالح العام . - حلفاء السوء عند تتبع آداء الإصلاح ودوره فإن أم الأخطاء وأفدحها التي يمكن رصدها عليه منذ اندلاع حراك 2011 حتى اليوم هو تحالفه مع مراكز قوى قبلية وعسكرية ملوثة بسجل حافل بالفساد والمظالم صادرت قرار الحزب بعيداً عن قاعدته وبرنامجه السياسي لصالح معاركها ، هذه التحالفات كبلت آداء الحزب وأفقدته فاعليته على المستوى السياسي ، وورطته في نزاعات مسلحة في أكثر من بؤرة صراع على الجبهة الشمالية ، بل وصادرت خطاب الحزب وأصواته ، وأدى كل ذلك إلى إرباك علاقة الحزب بشركائه في أحزاب اللقاء المشترك استدعى مخاوف وعقد تاريخية أنعشت أزمة الثقة بين مكونات المشترك وقياداته من جهة والإصلاح من جهة أخرى وهو ما يعزز عزلة الإصلاح فعلياً ويضعه في مواجهة الجميع . - الجيوب الميليشياوية كشف الإصلاح في عام 2011 في أكثر من جبهة عن جيوبه الميليشياوية التي ظل لسنوات ينفي وجودها ، ورغم كم الأقنعة التي حاول بها إخفاء حقيقة هذه الجيوب إلا أنها أصبحت مكشوفة ومرصودة ، وبدلاً من مبادرة الحزب لحلها بعد رحيل "صالح" عن السلطة باعتبار انتهاء الوظيفة المعلنة لها تحت لافتة الثورة إلا أنه تورط بمواصلة استخدامها في غير مكان لتحقيق أهداف سياسية وهو ما ضاعف انكشاف هذه الجيوب ووسع دائرة القلق منها ومن الحزب وتصوراته للمستقبل وبالأخص من ذلك اعتماد السلمية والسياسة كخيار استراتيجي وحيد ، وفوق ذلك ساهم هذا العامل بإضعاف المطلب الوطني المُلح بحل جميع المليشيا التابعة للأطراف ونزع سلاحها وحول هذا المطلب الجوهري لمجرد أُمنية يرفعها كل طرف مُسلح في وجه الطرف الآخر . - الهيكلة وإفسادها لقد عمل الحزب مع حلفائه وبتواطؤ من "هادي" على إفساد مشروع الهيكلة في القطاعين العسكري والأمني وإفساد تعريفها وإفراغها من مضمونها الحقيقي ، العلمي والشامل ، حيث حُصرت في الخطاب المُطالب بالهيكلة بإسم الثورة ثم في التنفيذ بإقالة أقارب الرئيس السابق من المواقع القيادية للوحدات العسكرية والمؤسسات الأمنية ، والعبث بتوزيع الوحدات والتهام التركة ومحاصصتها بعيداً عن أي معايير عادلة وشاملة ، وبذلك لم يكن الأمر سوى حماية لجوهر مشكلة المؤسسة العسكرية والأمنية . وبهذا خسر اليمن فرصة الهيكلة والبدء في بناء مؤسسة عسكرية كفؤة ومهنية ، وسيخسر الحزب وحلفاؤه ما حاولوا تأمينه من نفوذ داخلها . - الحوار والتهيئة لقد عملت قيادات الحزب بالتشارك مع "هادي" خلال الخطوات التحضيرية الأولى للحوار الوطني على أن تكون عملية مُسيطر عليها شكلاً ومضموناً ، وأن تكون شكلية الإنعقاد والنتائج ، وكانت تعول هذه القيادات على قدرتها على فرض تصوراتها وتعريفاتها للحالة الوطنية تحت الطاولة وفي الغرف المُغلقة ، لهذا كانت الشريك الفاعل ل "هادي" في سحب الملفات الحساسة خارج الطاولة في مختلف المراحل وحسمها وفرض تصوراتها مع ترك هامش شكلي تخديري لا أكثر . ومن الأخطاء القاتلة للحزب في هذا المسار دوره الآثم في إهدار فرصة التهيئة المفترضة قبل الذهاب إلى أي حوار والتي كانت بحسب الإجماع وقتها خطوة لازمة وضرورية ستهيئ الحالة الوطنية من أجل حوار حقيقي وكانت ستمثل التهيئة اختبار حقيقي لليمن الجديد ممارسة لا شعارات . - الحكومة ومؤسسات الدولة عمل الإصلاح وحلفاؤه وشركاؤه على حماية معايير "صالح" بالنسبة لطريقة اختيار أعضاء الحكومة ورئيسها وتكريس تلك الطريقة ، وهو أمر انعكس على آداء الحكومة ، وأديرت الحقائب الوزارية الخاصة بحلف الثورة وعلى رأس ذلك الحقائب الخاصة بالإصلاح في الغالب بطرق عبثية ضاعفت معاناة الناس ، وكشفت سوء الإختيار وغياب معيار الكفاءة والنزاهة . وغلب على الآداء الحكومي أولوية تأمين المصالح الخاصة لهذه القوى وأفرادها على حساب المصالح والقيم العامة ، وتمثل ذلك باستباحة الوظيفة العامة بالمُحاصصة المنتهكة لقيم العدالة والكفاءة وسيادة القانون ، وهي آثام انسحبت إلى مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة وخلفت مظالم وغبن لدى قطاع واسع ممن حرمتهم هذه السياسة من حقوقهم الطبيعية وفق القانون . وتحول الكثير من أعضاء الحزب وبقية الأحزاب من ثوار يحملون مشروع تغيير في البنى والسياسات إلى مُجرد غزاة للوظيفة العامة يصلون لمواقع متقدمة بإنزال مظلي على حساب مستحقين في المؤسسات والمكاتب الحكومية المختلفة . - السلطة المحلية إنهمك الإصلاح ومعه بقية الأطراف في الصراع على التهام أكبر قدر من المواقع القيادية في إدارة المحافظات دون أي حساسية للوضع في الميدان كما هو الحال في المركز ، ولم يقتصر جهد الإصلاح على الإستحواذ على المواقع العليا كالمحافظين ووكلاء المحافظات بل تعدى ذلك إلى التهام المكاتب التنفيذية وحتى الوظائف الدنيا في عواصمالمحافظات والمديريات والعزل ،وهو أمر انعكس على أداء السلطات المحلية ، وساعد الحزب سيطرته على مكتب رئيس الوزراء على تجاوز الوزارات والمؤسسات قيد إدارة كوادره إلى وزارات ومؤسسات أخرى . - العدالة وحقوق الإنسان اتخذ الحزب من فكرة العدالة مجرد تكتيك ومناورة لتحسين شروط التفاوض على مغانم المرحلة فيما كان فعلياً يعمل على تفويت فرص وجود عدالة انتقالية حقيقية تعمل على خلق قطيعة حقيقية مع انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين عن تلك الإنتهاكات لصالح حماية قيادات وحلفاء متورطين في انتهاكات لحقوق الإنسان خلال الفترات الماضية ، وجبر ضرر الضحايا والشروع في إصلاحيات مؤسسية حقيقية للأجهزة التي باشرت تلك الإنتهاكات . - الخطاب رغم ما يملكه من كوادر إعلامية تورط الحزب من خلال أدواته الرسمية وغير الرسمية في خطاب غرائزي ، تحريضي ، تعبوي ، مُنفلت يفتقر للحساسية المهنية والأخلاقية والموضوعية في تناوله لمختلف الأحداث ، عمد إلى تخوين وتصنيف كل مختلف مع الحزب أو ناقد له أفراد أو قوى ، وهو ما أدى في الغالب إلى حشد الجميع في جهة مقابلة أو التحييد في أحسن الأحوال في الكثير من القضايا التي كان الآداء الإعلامي للحزب يسحبها من كونها مشتركاً وطنياً إلى قضايا عصبوية خاصة بالحزب وتحالفاته . ____ ينبغي على الإصلاح القيام بمراجعة شجاعة لدوره في المرحلة السابقة لتجنيب البلد والحزب المزيد من الخسائر الناجمة عن الأخطاء الفادحة التي ارتكبت طيلة السنوات الثلاث الماضية بشكل أساسي وما قبلها ، لا يزال هناك إمكانية لتحويل الإشكاليات والتعقيدات الراهنة إلى فرص حقيقية لصالح المشروع الوطني العام ، مشروع الدولة الكفؤة والعادلة . يجب على الإصلاح مُباشرة مراجعة شجاعة مُتحررة من المخاوف الجوانية منها والبرانية ، الجوانية تلك المتعلقة بتحالفات الحزب وجمهوره وعناصره والمكونات المتصارعة داخله ، والبرانية المتعلقة بالمتغيرات على المستوى الوطني المتمثل بتغير في الخارطة الوطنية وتغيرات ميزان القوة ، والإقليمي المتمثل بمعركة الخليج والإخوان . على الحزب أن يبادر إلى ما يجب فعله من أجل الصالح العام بعيداً عن الحسابات الضيقة وبعيداً عن ما تفعله بقية القوى ، فكل قوة تُحاسب بما تفعله من صواب أو خطأ وليس بما تفعله القوى المقابلة لها .