اختلطت الأوراق في اليمن، ما بين القوى السياسية والقبلية والمذهبية وشباب الثورة، وبين التدخّلات الإقليمية والدولية، مما ينذر بعواقب وخيمة قد تهدد كيان الدولة، فالرئيس اليمني اتخذ العديد من الخطوات تحت ضغط الحوثيين فأقال الحكومة، وتراجع عن رفع أسعار الوقود، ولكن الحوثيين رفضوا لجنة الرئاسة التي عادت أدراجها إلى صنعاء دون تحقيق أي تقدم، وصعد الحوثي نبرة القوة ودعا أنصاره إلى "الصرخة" من أسطح المنازل، ورفض شباب الثورة أي مشاركة للحوثيين في الوزارة، ممّا عقد الأمور و "خلط الأوراق"، وبات السؤال "ما هو المخرج من الأزمة؟". على الجانب الطائفي صعد الحوثي من نبرة معارضته، بعد رفضه مقابلة اللجنة الرئاسية، ودعت جماعة الحوثي أنصارها إلى القيام بترديد الشعار الرسمي للجماعة "الصرخة" من أسطح منازلهم أو في أعمالهم أو في الشوارع التي يتواجدون فيها باليمن، ويتضمن شعار الصرخة، بحسب بيان صحفي صادر عن اللجنة التنظيمية التابعة لجماعة الحوثي على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عبارات "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". كما طالبت الجماعة في البيان نفسه، أنصارها بترديد شعارات إسقاط الحكومة، وإلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، والتي تتضمن عبارات "الشعب يريد إسقاط الحكومة، الشعب يريد إسقاط الجرعة (رفع أسعار الوقود)، الشعب يريد تنفيذ مخرجات الحوار"، وحددت الجماعة الساعة التاسعة مساء أمس الخميس بالتوقيت المحلي (18.00 تغ) موعدًا لترديد هذه الشعارات ثلاث مرات متتالية. من جهته، بعث حسين العزي، رئيس العلاقات السياسية لأنصار الله (الحوثيين)، رسالة إلى رؤساء وأمناء عموم الأحزاب والتنظيمات السياسية والحقوقية في اليمن، قال فيها إن "الفعل الثوري ما يزال حتى الآن في إطار الخطوة الأولى من المرحلة الثالثة والأخيرة"، مشيرًا إلى أنهم "على وشك الانتهاء من التحضير للخطوة الثانية التي ستضيف إلى الفعل الثوري القائم الشيء الكثير". ولفت العزي في رسالة نشرها على الموقع الإلكتروني للجماعة إلى "أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى السياسية في إسناد مطالب الشعب العادلة". وتأتي تحركات الحوثيين هذه، في وقت بدأ فيه تنفيذ قرار السلطات خفض أسعار المشتقات النفطية، وفقًا لمبادرة وطنية أطلقها الرئيس عبدربه منصور هادي، قبل يومين، تتضمن أيضًا إقالة الحكومة، وتسمية رئيس وزراء جديد خلال أسبوع واحد، تميهدًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهي المبادرة التي رفضتها جماعة الحوثي، وتحفظ عليها مجلس شباب الثورة في اليمن. فقد طالب مجلس شباب الثورة في اليمن -غير حكومي-، بعدم إشراك جماعة الحوثي وأي جماعة أخرى مسلحة في أي حكومة مقبلة، "قبل أن تتحول إلى حزب سياسي وتتخلى عن العنف وتسلم ما لديها من أسلحة". وطالب المجلس الذي ترأسه الناشطة توكل كرمان، في بيان وزع خلال مؤتمر صحفي عقد بمقره، ب"أن تكون الحكومة القادمة حكومة كفاءات خالصة، ويتم اختيار أعضائها بناءً على معايير النزاهة والكفاءة والخبرة، وألا تكون خاضعة للمحاصصة والتقاسم وتدخلات الأطراف السياسية". ودعا المجلس إلى أن يكون "رئيس الحكومة القادمة رجلًا اقتصاديًّا يتمتع بخبرة كبيرة"، مشددًا على "ألا تشمل الحكومة الجديدة أحدًا من الذين شاركوا في صياغة المبادرة الوطنية الرئاسية، ولا ممن شاركوا في التفاوض واللقاء بجماعة الحوثي لضمان النزاهة وعدم تضارب المصالح". ودعا المجلس إلى "اتقاء تحميل البلاد كلفة أية اتفاقات أو تعهدات سرية تم قطعها لأي طرف بطريقة غير معلنة"، وطالب المجلس بتغيير القرار الجمهوري الخاص بإنشاء الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار، وإعطائها الصلاحيات الكاملة للقيام بالرقابة والمتابعة، واعتبر بيان المجلس أن "أبرز أسباب ما وصلت إليه البلاد، هي المحاصصة والتقاسم في حكومة الوفاق، والمليشيات المسلحة في طول البلاد وعرضها، والتي راكمت أسلحتها ونازعت الدولة السيطرة والنفوذ"، مشيرًا إلى "وجود مليشيات مسلحة تستولي على أكثر من محافظة، وتحاصر مداخل صنعاء وتشرع في اقتحامها"، في إشارة إلى جماعة الحوثي. وقالت الناشطة "توكل كرمان" خلال المؤتمر الصحفي إنّ "شباب الثورة لن يواجهوا الجماعات المسلحة، ومن بينها جماعة الحوثي بالعنف"، مضيفةً أنه "على الدولة القيام بذلك... أما شباب الثورة فسيلتزمون بالسلمية في كل أنشطتهم". ويعتبر مجلس شباب الثورة أحد المكونات الكبرى في الثورة الشبابية في اليمن، وتأسس منتصف العام 2013، بقيادة توكل كرمان، الفائزة بجائزة نوبل للسلام عام 2011، ويضم نخبة من المثقفين والقيادات الشابة في الساحة اليمنية. ومنذ يوم الجمعة قبل الماضي، ينفذ الحوثيون اعتصامات بمداخل العاصمة صنعاء، وقرب مقار وزارات وسط المدينة، للمطالبة باستقالة الحكومة، والتراجع عن قرار صدر مؤخرًا برفع أسعار الوقود، وقد فشلت لجنة رئاسية في تحقيق أي انفراج في الأزمة حتى الآن، وجاء تصعيد الجماعة التي تتخذ من صعدة (شمال) مقرًّا لها في صنعاء، بعد أن سيطرت على محافظة عمران (شمال)، الشهر الماضي، عقب هزيمة اللواء 310، ومقتل قائده العميد الركن حميد القشيبي. ورفضت جماعة الحوثي، مبادرة طرحتها الرئاسة اليمنية لحل الأزمة وتقضي بإقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة جديدة خلال أسبوع، وخفض أسعار المشتقات النفطية، والبدء بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني" التي اختتم فعالياته في يناير/ كانون الثاني الماضي وأقر تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم فيدرالية، بواقع أربعة في الشمال وإقليمين في الجنوب. وقال العميد محمد العديني، مدير أمن محافظة الجوف، شمالي اليمن، إن "الساعات الحالية تشهد مواجهات عنيفة بين قوات الجيش والأمن، مدعومة بلجان الدفاع الشعبي من جهة، ومسلحين حوثيين من جهة أخرى في عدة مواقع بالمحافظة"، وأضاف العديني أن "قائد سرية في الأمن اليمني يدعى يحيى زبين الله قتل، بالإضافة إلى سقوط قتلى وجرحى من طرفي القتال في مديرية الغيل بمحافظة الجوف"، دون ذكر إحصائية حول ذلك، وأشار إلى أن اشتباكات عنيفة ما زالت مستمرة أيضًا بين الطرفين في مديرية مجزر التي تتبع إداريًّا محافظة مأرب وعسكريًّا محافظة الجوف. وفيما يتعلق بالأسلحة التي يقاتل بها الطرفان، قال العديني إنّه "يتم استخدام الأسلحة الثقيلة بما فيها الدبابات، بالإضافة إلى الأسلحة المتوسطة"، وقال العديني إنّ "مسلحيهم يتلقون الدعم من محافظة صعدة، معقل جماعتهم شمالي اليمن، ومن محافظة عمران التي سيطروا عليها قبل شهرين، واستولوا على كمية كبيرة من الأسلحة بعد السيطرة على اللواء 33 التابع للجيش في المحافظة، وقتل قائده العميد حميد القشيبي". وحول الأهداف الرئيسة لحرب الحوثيين، قال مدير أمن الجوف: "إنهم (الحوثيون) يريدون السيطرة على المحافظة بالكامل، على غرار ما حدث قبل شهرين في عمران (شمال)"، غير أنه استبعد أن ينجح الحوثيون في السيطرة على المحافظة". وأضاف أن "الجوف ستكون مقبرة الغزاة"، في إشارة إلى المسلحين الحوثيين القادمين من محافظة صعدة للسيطرة على المحافظة، ونفى العديني صحة الأخبار التي نشرتها وسائل إعلام محلية والتي قالت: "إن الحوثيين سيطروا على منطقة "مفرق الجوف" بالمحافظة، مشيرًا إلى أن المنطقة ما زالت تحت سيطرة قوات الجيش والأمن، مدعومة بلجان الدفاع الشعبي (مسلحون قبليون مساندون للجيش).