أيام هي الأغلى في قاموس الحسابات، والأثمن من سائر الصفقات عند تجار الآخرة والجنات الخالدات. أيام العشر الأوائل من ذي الحجة تنادي عليك يا مسلم وتقول لك: أن الله أقسم بهذه الأيام ولا يقسم الرحمن إلا بعظيم فقال: (والفجر وليال عشر)، فالأجر فيها مضاعف إلى سبعمائة حسنة، والدقيقة فيها مضاعفة في الأجر عند الرحمن، فها هم الحجاج يستثمرونها بالحج ونداء الملك المنان بالمغفرة والرضوان، ويقفون في يوم عرفة يبتهلون بالدعاء دون كلل أو ضجر ليعودون إلى أوطانهم وهم محملون بأطنان من الحسنات ليوم لن ينفع فيه مال ولا جاه. وأنت يا من لم تبلغ الحج هذا العام ونحن مثلك في الحال وكذا الوالد والوالدة والجدة والعم والخال، لديك أبواب مشرعة نوافذها بمليارات من الحسنات تنادي عليك، إياك أن تغلق نوافذ الأجر في رمضان، وابتكر من الصالحات ما يضمن لك عند الله الفردوس الأعلى بصحبة النبي العدنان. وعن ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامِ الْعَمَلُ الصَّالِحِ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ يَعْنِي أَيَامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا رَجُلا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ». وما أحوج بلادنا اليوم إلى الأعمال الصالحات في هذه الأيام المباركات، وفتح أبواب الوقف في شتى الميادين والاتجاهات، فإن كنت مهندسا ولديك من العمارات والشقق ما هو بحاجة إلى التسويق، فسوق شقة في عمارة وقفا في سبيل الله لعائلة من الفقراء أو الأيتام ممن أرهقتهم الإيجارات وباتوا مهددين بالطرد إلى الشوارع فدخلهم لا يكفيهم إلا لسد الجوع، ساهم معهم في وقف في هذه الأيام، وتذكر أن الحسنات مضاعفات والشقة ستسجل لك سبعمئة شقة يعني عشرات العمارات. وإن كنت طبيبا فعليك بيوم وقف في هذه الأيام، وافتح نوافذ الأجر في عيادتك وأعلن عن يوم طبي مجاني في عيادتك للمحتاجين، وتذكر أن هذا اليوم بسبعمئة يوم، فهنيئاً لك ما ستجده في صفحاتك يوم القيامة، وهنيئاً لك دعوات الأمهات والأرامل يوم عالجت أولادهم. وإن كنت تاجرا فأخرج بضاعة من متجرك، أو مكان تجارتك، وتصدق به على المحتاجين سواء كان لباسا أو طعاما أو أي شيء يفرح المساكين، وستكون لك بإذن الله جبالا من الحسنات في يوم لن ينفعك فيه متجر ولا مال ولا بنون. وإن كنت محاميا فعليك بقضية تدافع فيها عن المظلومين الذين لا يقدرون دفع أتعاب محاماة، فتدخر لك في كتابك مليارات من الحسنات؛ لأنك ستخرج مظلوما من سجنه وسيقضي العيد مع أهله، وستمسح دمعة أولاده وستكسب دعوة أمه وذويه. وإن كنت صاحب مطعم أو مخبز فعليك بساعة وقف في أيام ذي الحجة، واجعلها وقفا في سبيل الله، واحسب مبيعاتها وتصدق بها على المحتاجين، وابحث عنهم وتذكر أن ساعة الوقف هذه ستسجل لك سبعمائة ساعة في هذه الأيام الفضيلة فاغتنمها. وإن كنت صاحب مول ومحلات تجارية فأوقف محلا منه في سبيل الله، وستسجل لك بمليارات من الحسنات، فكم من رب أسرة لا يملك مالا ليضع بضاعته فيها، ولربما يكون صاحب إعاقة فتفريج الحال عليه وعلى عياله في ميزان حسناتك، فاغتنم أياما غاليات تمر كسرعة الرياح العابرة. وإن كنت مالكا لأراضي فهب إحداهن لمجموعة من الشباب الذي لديه أفكارا في استثمارها أو استصلاحها، واجعلها وقفا في سبيل الله، فالأرض وذراتها من الرمال ستدعو لك بالخير والأرض، وقطعة الأرض ستسجل لك عند الله بسبعمئة قطعة أرض، فاغتنم يا ذا اللب الحكيم فالأيام تجري والأعمار مقدرة عند الله، فأخرج في حياتك صدقة جارية لك قبل الممات قبل أن يتناقش أولادك في إخراج صدقة لك وربما اتفقوا وربما لن يتفقوا. وإن كنت ذا مال فساهم بعمل مشروع يكون وقفا في سبيل الله، وساهم بتشغيل العاطلين من العمل، وقدم أفكارا لبلدك وكن مساهما في العطاء فكما سيشار لك في البنان في الدنيا ليشكرك الناس، فسيشار إليك يوم القيامة لتدخل الجنة مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي تمنيت صحبته على الدوام. وإن كنت معلما فأخرج لك يوما وقفا في هذه الأيام، تجتمع فيه مع معلمين آخرين لتدرسوا طلابا محتاجين، سواء في التوجيهي أو في المرحلة التأسيسية فيكون لك الحرف الذي علمته مضاعفا، وستستغفر لك الأرض والسماء وحتى السمك في البحر، وسيدعون لك بالخير أيها المسلمون في كل مكان. اغتموا الخيرات في أيام الخيرات ولا تنسوا الدعاء والاستغفار والذكر والصيام، وقدموا لرب العالمين أعمالا تزيد كفة حسناتكم في الميزان، وتقبل الله طاعاتكم وبلغكم عيد الأضحى وأنتم بأحسن حال وأهدى بال. [email protected]