لم تعد جماعة الحوثي تكترث للقانون عند عزلها أو تنصيبها لهذا المسؤول أو ذاك باليمن على الرغم من أنها باتت الحاكم الفعلي للبلاد منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي. ويشجع الجماعة على تجاوزها القانون ركونها إلى سلطة القوة وسياسة الأمر الواقع التي تفرضها على مفاصل الدولة بمن في ذلك الرئيس عبدربه منصور هادي الذي أصبح تحت الإقامة الجبرية ولا يسمح له إلا بعقد اللقاءات الروتينية مع المسؤولين أو الوفود الأجنبية بحضور مستشاره عن الحوثيين صالح الصماد. * إجراءات مثيرة وأثارت الإجراءات الأخيرة للحوثيين في عزل محافظين وتعيين بدلاء عنهم تساؤلات في الشارع اليمني عن أسباب تجاوزهم للقانون وهم من يتولون مقاليد الأمور، فضلا عن تعديهم على صلاحيات رئيس الجمهورية الخاصة بإصدار قرارات التعيين والعزل لمحافظي المحافظات. وضم الحوثيون الأحد الماضي محافظ محافظة الحديدة صخر الوجيه إلى قائمة المحافظين الذين عزلوهم سواء بعد أو قبل سيطرتهم على صنعاء وربما يكون مصير آخرين مثلهم في قادم الأيام. وجاء العزل بعد لقاءات عقدتها قيادات الحوثيين مع مدراء المديريات في المحافظة وافق منهم 14 مندوبا من أصل 26 آخرين هم عدد مدراء المديريات على سحب الثقة من الوجيه وتعيين نائبه الأمين العام للمجلس المحلي بالمحافظي المنتمي لحزب المؤتمر الشعبي العام حسن الهيج خلفا له. ويعتبر هذا الإجراء باطلا، حيث يشترط قانون السلطة المحلية لسحب الثقة من المحافظ أن يتقدم ثلث أعضاء المجلس المحلي بطلب لوزير الإدارة المحلية لعقد اجتماع استثنائي لمناقشة سحب الثقة من المحافظ، وعند الاجتماع يجب أن يكون ثلثا أعضاء المجلس المحلي أي مدراء المديريات حاضرين، أو لا يتم النظر في الطلب، ولا يمكن سحب الثقة قانونا إلا بموافقة ثلثي المجلس، وبحسب مديريات الحديدة، فالثلثان (16)، بينما شارك في التصويت 14 فقط. وهذه الخطوة عقاب من الحوثيين للوجيه المعين بقرار جمهوري مطلع يونيو الماضي على خلفية رفضه الاستجابة لمطالبهم التي وصفها بالتعجيزية وغير القانونية قبل أيام عقب اقتحام مبنى المحافظة ومكتبه. * استخفاف بالقانون وفي أول موقف له عقب سحب الثقة منه، بعث الوجيه رسالة إلى وزير الإدارة المحلية عبد الرقيب فتح أكد له فيها أن الإجراءات التي تمت غير قانونية، وتعتبر تجاوزا أو استخفافا بأحكام مواد قانون السلطة المحلية ولائحته التنفيذية المتعلقة بسحب الثقة من محافظ المحافظة. وكان الحوثيون طالبوا باعتماد نفقات 2820 فردا، وعدم اتخاذ أي قرارات إدارية أو صرف أي مبالغ مالية إلا بموافقة اللجنة الثورة، والالتزام بعدم مساندة أي نشاطات عدائية ضد اللجان الشعبية"، بالإضافة لإلغاء قرارات التعيين التي تمت إبان "الثورة الشعبية" وما بعدها. وقبل ذلك كان المحافظ بعث برسالة إلى رئيس الجمهورية طالبه فيها بحل مشكلة الحوثيين أو قبول استقالته لتعذر أداء واجباته المكلف بها، في ظل فرض هذه النقاط بقوة السلاح من جماعة الحوثي. والاثنين خرجت مسيرة حاشدة في الحديدة دعما للمحافظ ورفضا لإجراءات الحوثيين الذين طالبوهم بالخروج من المحافظة الغنية الواقعة غرب البلاد. * عزل محافظين وأواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أقالت جماعة الحوثي محافظ عمران شمال العاصمة صنعاء، "محمد صالح شملان"، وعينت "فيصل جمعان" في المنصب نفسه، بدلا عن "شملان" الذي تم تعيينه بقرار رئاسي في يونيو/ حزيران الماضي. وتسيطر الجماعة على عمران منذ مطلع يوليو/ تموز الماضي، عقب مواجهات مع الجيش انتهت بسيطرتها عليها ما مهد لها الطريق لدخول صنعاء من الجهة الشمالية لا سيما وأن عمران لا تبعد سوى خمسين كيلو مترا. ويعتبر محافظ صنعاء عبد الغني جميل أول محافظ يعزله الحوثيون في أكتوبر الماضي، حيث حاصروا منزله ومكتبه ومنعوه من مزاولة عمله إلى حين أقنعوا أعضاء المجالس المحلية والشخصيات الاجتماعية بتعيين عضو مجلس النواب عن حزب المؤتمر الشعبي العام يحيى المطري محافظا خلفا لجميل المعين بقرار جمهوري أيضا. ومع كل إجراء من هذا القبيل، كانت الرئاسة والحكومة تلتزمان الصمت ولا تصدران أي موقف تأييدا أو رفضا لما حصل وكأنهما سلمتا للواقع وباتتا عاجزتين عن فعل أي شيء. وللحوثيين سابقة في تعيين المحافظين بدأت بتعيينهم بالقوة تاجر السلاح المعروف فارس مناع محافظا لمحافظة صعده معقلهم الرئيسي في مارس 2011. ومنذ ذلك التاريخ، يمارس مناع مهامه دون أن يصدر به أي قرار جمهوري يمنحه شرعية قانونية لأعماله عدا شرعية من عينه وهم الحوثيون الذين يستندون لشرعية القوة ولا شيء غيرها. * نزع الشرعية ويرى مراقبون في عزل المحافظين وتعيين غيرهم من قبل الحوثيين خطوات عملية لتجريد الرئيس هادي من شرعيته تمهيدا لإجراءات أخرى قد تطيح به من كرسي الحكم في نهاية المطاف. ويعزز من هذا الرأي الهجوم العنيف وغير المسبوق الذي شنه عبد الملك الحوثي في كلمة له مساء الإثنين واتهم فيها الرئيس بممارسة الفساد، قائلا إنه: «أصبح مظلة للفاسدين». وفي إشارة ربما لعزله، قال زعيم الحوثيين مخاطبا هادي: «الثورة (يقصد احتجاجات جماعته قبل سيطرتها على صنعاء) لم تكتمل والشعب لن يصبر إلى ما لا نهاية ونقول له إلى هنا وكفى». * الرئيس يبرر فشله الرئيس هادي حمّل مسؤولية تأزم الوضع في اليمن إلى الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وقال إنه ورث منه بركانا وليس مؤسسات دولة، كما انتقد حروب الحوثيين واقتحامهم لمؤسسات الدولة. وفي كلمة ألقيت باسمه في المجلس الوطني للحزب الاشتراكي، قال هادي: «منذ تسلمنا قيادة الوطن لم نرث دولة مؤسسات ونظام وقانون ولا جيشا ولا أمنا موحدا، بل ورثنا بركانا يضطرم في إناء مغطى بقشرة خفيفة من الأفراح والمناسبات الشكلية والضجيج الإعلامي». وتابع: «هذا الأمر عكس نفسه على مستوى الأداء السياسي والحكومي والأمن والاستقرار وانتعاش المشاريع الصغيرة على حساب مشروع الوطن الكبير المتمثل في بناء الدولة المدنية الحديثة وفقا لروح الدستور المعبر عن قيم العصر». وتوارت في المدة الأخيرة مساعي الرئاسة اليمنية عن الأنظار لإقناع قيادة جماعة الحوثي بإخلاء العاصمة صنعاء من المظاهر المسلحة والتقيد بتنفيذ اتفاق السلم والشراكة الوطنية وسحب المجاميع المسلحة التابعة لها من كافة المحافظات التي تمددوا إليها بشكل قسري. وانتقد مراقبون صمت الرئيس وعد تحركه لردع الحوثيين، واكتفائه بتعليق أخطائه على شماعة النظام السابق، وهو ما يعتبر إقرارا بالهزيمة أمام جماعة أنصار الله. وأكدوا أن الوضع الذي يمر به اليوم يحتاج إلى أفعال ميدانية لإنهاء حالة التشتت وإيجاد الذرائع للفشل في منع تمدد الحوثيين لن يجدي نفعا، بل سيزيد من زحف أنصار الله نحو باقي المحافظات. وانتخب هادي رئيساً للبلاد عام 2012 كمرشحٍ للتوافق الوطني والذي اجمع عليه حزب المؤتمر الشعبي العام واحزاب تكتل اللقاء المشترك. وانتقد الرئيس ضمنياً جبهات القتال التي أوجدها الحوثيين تحت ستار محاربة الإرهاب وقال: «الجميع يعلم أن محاربة الإرهاب والتخريب والفساد مسؤولية وطنية تقع على عاتق أبناء القوات المسلحة والأمن والأجهزة المختصة أولاً وعلى عاتق القوى الشعبية الخيرة باعتبار أن الأمن والاستقرار مسؤولية الجميع وليس لأحد دون الآخر». وأضاف: «الوطن تجاوز بجهود المخلصين العديد من الصعوبات والعراقيل والتعقيدات التي كانت تعترض طريق الوصول به إلى بر الأمان». ويرى خبراء أن هادي فقد زمام التحكم في السلطة وأصبح غير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة من شأنها أن تنهي حالة الانقسام الحاد في اليمن. وتمعن جماعة الحوثي في التعدي على هيبة الدولة اليمنية عبر ممارسة قوانينها الذاتية بفصل جديد من فصول الاحتكار بعد أن اقر المجلس المحلي بمحافظة الحديدة، بناءً على توجيهات جماعة الحوثي تكليف حسن أحمد الهيج بالقيام بمهام المحافظ. ووصل الأمر بجماعة الحوثي إلى رفض قرارات الرئيس عبدربه منصور هادي، وآخرها المتعلق بتعيين اللواء حسين ناجي خيران رئيسا للأركان العامة بالجيش الذي منع من دخول مقر عمله بوزارة الدفاع التي يحتلها مسلحو الحوثي.