كشفت مصادر مطَّلعة عن خبايا التفاوض بين الرئيس عبدربه منصور هادي والحوثيين للوصول إلى اتفاقٍ لإشراك الحوثيين في السلطة بشكل رسمي والحد من تدخُّلاتهم في الوزرات والمؤسسات الحكومية. وطلب الحوثيون من الرئيس هادي خلال عملية التفاوض التي يقودها وزراء وشخصيات سياسية، حق الاطلاع على كل ما يتم صرفه من مبالغ مالية في جميع الوزارات والجهات الحكومية, وتوقيع مندوبيها على عمليات الصرف, وكذا حق الرقابة المسبَقَة والكاملة على جميع الايرادات, وكذا تعيين ممثلين لها في القضاء، وفقاً للمصادر. وحسب المصادر فإن الرئيس هادي التقى ثلاثة من قيادة الجماعة الحوثية وعرض عليهم تولي الدائرة المالية في وزارة الدفاع وتعيين من يرونه من جانبهم لتولِّي الدائرة شريطة أن يتبع وزير الدفاع. كما اشترط الحوثيون على الرئيس تعيين ممثلين له في المحاكم لمراجعة القضايا وعدم إصدار أي حكم إلا بعد موافقتهم. وتأتي المفاوضات على إثر وساطات بذلتها شخصيات بينها وزراء جهود لاحتواء الأزمة بين الجانبين، بعد تفجرها الاثنين الماضي على خلفية طرد عناصر الحوثي من وزارة الدفاع، بهدف التوصل إلى اتفاق لكيفية إشراك مسلحي الحوثي في السلطة والحكم بشكل رسمي. وكشف مصدر رئاسي عن أن الرئيس هادي قال خلال لقائه بثلاثة من قيادات الحوثي إن الجماعة استولت على إيرادات مصنع أسمنت عمران ومليار و300 مليون تمثل ضرائبه السنوية، فضلا عن تغيير محافظ الحديدة وإلغاء إجازة السبت في ذمار، في إشارة منه إلى مصادره حقه في اتخاذ القرار بخصوص تلك القضايا. * مغامرة الرئيس وتعليقا على ذلك يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي إن الرئيس هادي بإمكانه أن يسلم الدولة رسميا للحوثيين، وحينها لن يكون بوسعه الحديث عن شراكة وطنية. وأضاف التميمي في حديث ل «الخبر»: «لكن من الواضح أن هناك ترتيبات لدمج الآلاف من الحوثيين في الجيش والأمن كمكافأة نهاية خدمة»، معتبراً ذلك ترتيبات لن تخرج عن حدود ما وضحه بيان سفراء الدول العشر التي تحدثت عن دمج في إطار إعادة بناء جيش من كل المناطق اليمنية. وأوضح أن دمج الحوثيين في إطار الدولة على نحو ما يخطط الحوثيون وإيران ستكون مغامرة لن يستطيع هادي تحمل نتائجها، لأن هناك رفض إقليمي لهيمنة إيرانية على القرار السياسي في اليمن. وتابع قائلاً: «ما حدث حتى الآن يعتبر تمكينا كبيرا للحوثيين ، لكنه تسبب في تعطيل دور الدولة وفي انهيار اقتصادي وشيك وما يشبه عزلة سياسية غير معلنة يفرضها الإقليم على سلطة يهيمن عليها الحوثيون في صنعاء». رئاسة بلا هوية من جانبه قال المحلل السياسي الدكتور عادل الشجاع إن الاتفاق بين الحوثيين وبين الرئيس هادي يؤكد أن مؤسسة الرئاسة أصبحت بلا هوية ويشرعن لأي جماعة أن تفرض وجودها بقوة السلاح، معتبراً أن ذلك يأتي في سياق استمرار الأزمة اليمنية. واستغرب من أن يكون هناك دمج بين ما يسمى بشرعية الثورية والشرعية الدستورية في بلد يحكمه الدستور ويفترض أن الدستور هو مرجعية للجميع. وقال الدكتور الشجاع في تصريحات نقلتها يومية «أخبار اليوم»: إن «على أي جماعة ترى أن هنالك أخطاء موجودة داخل البلد أن تصحح هذه الأخطاء وفق الشرعية الدستورية أمَّا ما يجري حالياً للأسف الشديد هو خارج الشرعية الدستورية»، مشيراً إلى أن الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي لا يحق له أن يتصرف مثل هذه التصرفات إلا بالعودة إلى الشعب والعودة إلى الشعب تكون عن طريق الانتخابات. وأضاف: «يُفترض أن الرئيس المؤقت قد انتهت فترة رئاسته منذ سنة تقريباً وبالتالي كان عليه أن يقود البلد نحو الانتخابات وإذا استطاعت جماعة الحوثي أن تحصل على موافقة الشعب فلتاتِ ولتحكُّم هذه المؤسسات الدستورية، أما أن يكون هناك اتفاق بهذه الطريقة ففي اعتقادي أنه يعطِّل المشروعية الدستورية ويجعل أي جماعة تستشعر القوة بنفسها أن تذهب إلى الميدان و تفرض قوتها على الآخرين». وأردف: «بأي وجه حقٍ يراقب الحوثيون مثل هذه الحركة المالية؟! نحن حقيقةً مع محاربة الفساد ومع مكافحة الفساد ولكن في إطار مؤسسات الدولة، كان يفترض برئيس هادي أن يُصدر قراراً جمهورياً ويمنح الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لجماعة الحوثي ويمكِّنها من الرقابة الرسمية، أما بهذه الطريقة أن يكون هناك اتفاق بين الدولة واللادولة, في اعتقادي يعيق مؤسسات الدولة ويعيق أيضا التحولات التي ينبغي أن ينتظرها الشعب اليمني في هذه المرحلة وفي المرحلة القادمة، يعني مثل هذه العملية تعيق أكثر ممَّا تخدم مكافحة أو محارب الفساد». * هادي يخاطر باليمن للحفاظ على الكرسي وأوضح الشجاع أن «الرئيس يخاطر بالبلد من أجل البقاء في الكرسي, فهو يريد من خلال الاتفاق مع الحوثيين أن يمدد الفترة الانتقالية لأكبر وقت ممكن». ونوه بأن الرئيس هادي ليس مع الديمقراطية داخل البلد، متهماً إياه بتعطيل المسيرة الديمقراطية وأنه يريد أن تستمر الأزمة إلى ما لانهاية حتى يستمر رئيساً إلى ما لانهاية. وقال: «واضح جداً بأن الرئيس المؤقت لم يعد قادراً على الحكم, هنالك انهيارات سياسية واقتصادية وأمنية داخل البلد والرجل كان الأمر لا يعنيه». * الوحدة مهددة ولفت الى أن الوحدة الوطنية والوحدة الاجتماعية مهدَّدان بالخطر فيما الرئيس هادي لا يعنيه هذا الأمر على الاطلاق, معتبرا اتفاق الرئاسة والحوثي يمنح الشرعية لجماعة مسلحة ويعمل على اطالة فترة بقائه في الرئاسة. وتابع: «كُنا نتوقع أن ما يرفعه الحوثيون من شعارات من أجل الإصلاحات بأنهم لم يرضوا بمثل هذه الاصلاحات ولم يرضوا بأن يكونوا مبتزِّين للسلطة كما ابتزتها قوى أخرى من قبل، لكن للأسف الشديد هم يكررون الأخطاء نفسها التي اُرتُكِبت من قِبل جماعات سابقة». وأضاف الشجاع: «الرئيس هادي يريد أن تستمر الأزمة في اليمن بدليل أنه يغذِّي مثل هذه الأزمات شمالاً وجنوباً حتى يبقى فقط رئيس، ويبدو أن الرجل مهووس ب"اسم رئيس" لكنه لم يقدم شيئاً للبلد، كانت البلد تنتظر منه أشياء كثيرة توفرت له ظروف لم تتوفر لأي رئيس يمني وأعتقد أنها لن تتوفر لأي رئيس من بعده، كان هنالك إجماع شعبي محلي وإجماع إقليمي ودولي لكن الرجل ضرب بكل هذا عرض الحائط، و"هندَسَ" كل الأزمات التي مرت بها البلد منذ أن تولَّى الرئاسة وحتى هذه اللحظة، وحينما تفتِّش عن أي أزمة تحدث في المحافظات الشمالية أو المحافظات الجنوبية فستجد أن الرئيس هادي أو ابنه جلال رواء مثل هذه الأزمة». * اليمن يسير نحو المجهول وحذَّر الشجاع من أن اليمن تسير نحو المجهول في ظل ممارسات الحوثيين والرئيس هادي، خاصةً وأن مؤسسة الرئاسة غير عابئة بما يجري داخل البلد, مشيراً إلى أن هنالك كثيراً من الجماعات التي تستخدم القوة سواء في الشمال أو في الجنوب ضد مؤسسات الدولة. واستدرك: «هنالك غياب تام للمؤسسات الأمنية, هنالك غياب تام أيضا لوزارة الدفاع وهنالك أزمة اقتصادية خانقة وربما هذه الأزمة الاقتصادية تجعل البلد أو الدولة تعلن إفلاسها، ف"حقيقةً" اليمن تسير نحو المجهول لكننا نؤمل من الشعب اليمني أنه سوف ينتصر ولا يمكن أن يسكت أو يصمت على حقوقه التي تُهدر بشكل يومي، ضياع الدولة, ضياع مؤسساتها, ضياع اقتصاده الوطني, ضياع أمنه العام». وزاد: «كل هذه الامور في اعتقادي ستجعل الشعب ينتفض ويدعو إلى إعادة الأوضاع الى ما كانت عليه بمعنى أن الشعب اُستُلِب قراره لكنه سوف يستعيد هذا القرار وسوف يستعيد إرادته التي صُودِرت منذ فترة بعيدة، لم نعد نسمع من أيٍ من الأطراف يقول: إن الصندوق هو الحَكَم أو العودة إلى الصندوق أو العودة إلى الشعب.. الكل اتجه إلى هذا الشعب , أنا اقول إن هذا الشعب لم يسكت ولن يصمت طويلاً فسوف يستعيد إرادته المسلوبة وسوف يعيد الجميع إلى حاضرته هو (أي الشعب)». * تحركات ضد هادي وتوقَّع الشجاع أن تقوم القوى السياسية التي آمنت بالديمقراطية وآمنت بالتعددية بتحريك الشارع ضد ما يجري لاستعادة الديمقراطية. وقال: «أعتقد أن جميعها سوف تشارك في ذلك لأنه لا يوجد حزب بمفرده ولا قوى بمفردها تستطيع أن تعيد الاوضاع إلى ما كانت عليه , أنا أُعوِّل على كل القوى السياسية المؤمنة بالوحدة الوطنية والمؤمنة بالديمقراطية والمؤمنة بحق الشعب خاصة تلك القوى التي أساءت إلى قواعدها وأساءت للشعب حينما اتخذت قرارات فوقية دون الرجوع إلى هذه القواعد ودون الرجوع إلى الشعب». واستطرد قائلاً: «اعتقد أنها في الوقت الراهن قد أدركت خطأها وبالتالي هذه القوى جميعها سوف تتحالف مع بعضها البعض وسوف تحدد خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة ولن يستمر الوضع طويلاً». وفي هذا الصدد دعا عضو كتلة حزب التجمع اليمني للإصلاح في البرلمان الشيخ عبدالله أحمد علي العديني، اليمنيين بالمُضي نحو ثورة تغيير جديدة وطرح برنامجها. وأكد ضرورة الحاجة إلى ثورة التغيير من خلال جيل جديد يعمل على تحرير البلاد من الأمراض المعضلة، مطالباً الشعب اليمني بالمُضي في برنامج محدد وفق ثمان نقاط طرحها النائب العديني. * أهداف الحوثي وحول الأهداف التي يسعى الحوثيون إلى تحقيقها يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني علي البكالي إن الحوثيين يمارسون الضغط على الرئيس هادي بصور شتى، من بينها السير مع رغبة صالح ونجله في الانقلاب على هادي، منوهاً بأن الحوثيين لم يكونوا يرغبون في إزاحة هادي من المشهد ليمارسوا السلطة من خلاله فيتخلصوا من ضغط صالح ونجله كما تخلصوا من نقائضهم. وأوضح البكالي في حديث ل «الخبر» أن الحوثيين كان لديهم هدفين رئيسين من الضغط على هادي أحدها إدماج المليشيات وإحكام السيطرة على الموارد المالية للدولة. وأضاف متحدثا عن الهدف الأول: إنهم «قد توصلوا مع هادي إلى اتفاق بإدماج تدريجي لمليشياتهم تبدأ من صنعاء وفي غضون أيام قليلة سيتم إدماج كافة المليشيات المسلحة في صنعاء بالجيش والأمن وسترتدي الزي الرسمي ولكنها ستبقى هي ذاتها مسيطرة على المواقع والنقاط بزي رسمي، وسيتوالى إدماج المليشيات بعد ذلك تباعاً في كل المحافظات بنفس الطريقة». وأشار إلى أن الاشكالية كانت في قضية تأهيل المليشيات قبل دمجها، وقد توصل الطرفان إلى اتفاق على دورات بسيطة لأيام محدودة ويصبح بموجبها أعضاء المليشيات جنوداً رسميين وربما بعضهم يمنح رتباً بحسب مستواه القيادي في صفوف المليشيات، معتبراً أن هذه العملية ستضع عن كاهل الجماعة الحوثية ثقلاً كبيراً من حيث الكلفة المالية للمليشيات. * السيطرة على موارد الدولة وفي حديثه عن الهدف الأخر كشف البكالي عن أن «الجماعة الحوثية تسعى لإحكام السيطرة على الموارد المالية للدولة إيراداً وصرفاً وهذا جزء من الاتفاق الذي انتزعوه من الرئيس هادي حيث استجاب لمطلبهم في الاشتراك في عمليتي الايراد والصرف في كل مؤسسات الدولة بحيث لا يصرف أي مبلغ إلا تحت توقيع مندوبيهم وهذا يعني التحكم الكلي بسياسات وتوجهات وقرارات الدولة وسلطاتها ومؤسساتها لأن التحكم في الموارد المالية ايرادا وصرفاً يعني انتزاع القرار السيادي للدولة والسيطرة عليه بشكل كلي». وبيّن أن الجماعة الحوثية تسعى لوراثة تركة صالح ومحسن وغيرهم من النافذين الذين كانت لهم موازنات مخفية ضمن إيرادات الدولة. وأردف: «هي تدرك تماماً أنه لا يوجد قانون ينظم عمليات الايراد ويحقق فيها الشفافية لذا تحرص أن تحكم القبضة على الايرادات بشكل كلي وعلاوة على ذلك سيعاد تشكيل أجهزة الرقابة لتتحكم فيها الجماعة بشكل كلي وهذا يعد بمثابة الوراثة الحقيقية لسلطة صالح ورفاقه بشكل كامل». * الحوثي يعد نفسه لاستلام السلطة ولفت البكالي إلى أن الحركة الحوثية باتت بهذه الاتفاقات تتحكم بالدولة بشكل كلي وغدت مؤسسة الرئاسة والرئيس هادي شكلاً مفرغاً من المضمون. وكشف النقاب عن سر الاتفاقيات التي سعت إليها الحركة الحوثية مع هادي بأنها باتت تتحكم في الدولة بشكل حقيقي وهي تسعى من خلال هذه الاتفاقات مع هادي لتأمين سيطرتها على السلطة والدولة ولكن من وراء ستار في هذه المرحلة. وأكد بأنه في الأيام القادمة ستعد الحركة الحوثية نفسها أيضاً لاستلام السلطة بشكل كلي.