في حديثه عن ثمن الإنتقام يقول شكسبير: لا توقد لعدوك فرناً فتقع فيه. حين قرر صالح صناعة فردة واحدة من البيادات العسكرية، ليقد مها هدية لقدم إيران في اليمن، لم يكن يدرك أن إيران لن تكتفي بقدم واحدة على الأرض اليمنية، لأنها تعتبرها مُلكاً فقدته في السابق، لذلك فهي لابد أن تضع القدم الثانية . لعل ممافات صالح في هذه الجزئية أيضاً، أن القدم الثانية ستكون بحاجة ماسة إلى الفردة الأخرى من البيادة . أجاد صالح صناعة هديته لإيران منذ العام1992م حين تم تأسيس ما عُرف حينها بالشباب المؤمن، بقيادة حسين بدر الدين الحوثي، القادم بملازمه من الحوزات الإيرانية، كان صالح سخياً حين دعمهم بالمال والسلاح، وأشاد بهم كثيراً في خطاباته. في اللحظات الأولى كان صالح يشرف على صناعتهم كناية بحلفائه القداما ( الإصلاح ) لكنه منذ العام2004م وجد لهم مهمة أخرى، حين جعل منهم مورداً خصباً، در عليه الكثير من الأموال الخليجية، حتى نهاية الحرب السادسة في عام2010م عندما اظطرت المملكة السعودية إلى الدخول بشكل مباشر في الحرب، حين أدركت أن كل المبالغ التي قدمتها لم تجدي نفعاً على أرض الواقع . كان الحوثيون يعرفون جيداً أن الهدف من تلك الحروب بينهم بين نظام صالح، لم تكن سوى دورات تدريبية عسكرية، وإن وجدت لها مآرب أخرى لكلى الطرفين. مخازن الحرس الجمهوري بقيادة النجل الأكبر لصالح، هي التي كانت تمد الحوثيين بكافة أنواع الأسلحة طوال الحروب الست. (لا أعتقد أن عاقل يستطيع أن يتقبل فكرة أن جماعة مسلحة -مهما كانت قدراتها البشرية- تمتلك كل تلك الأسلحة، فقط من الغنائم التي يمكن أن تغنمها جراء حربها مع الدولة) لأسباب كثيرة أهمها: 1- لم يكن هناك انتصارات كبيرة للحوثيين خلال تلك الحروب الست. 2-أن حدوث انتصارات عسكرية لا يمكن أن تزود الخصم، بكميات من الأسلحة، تمكنه من خوض حروب لسنوات، مالم يكن الاستيلاء على معسكرات ذات أهمية كبيرة، وذات مخزون استراتيجي، وهو مالم يحصل في كافة الحروب مع الحوثي. أما القول بالدعم الإيراني، نعم هناك دعم، لكن لا يعقل أن كل تلك الأسلحة التي يقاتل بها الحوثي مصدرها إيران وحدها، لأن ذلك سيحتاج إلى سرب إمداد لا يمكن أن يتم دون أن ينكشف أمره، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن (الدعم الإيراني) كان هو الآخر يتم بتغطية رسمية من نظام صالح، الذي كان الحاكم الفعلي والوحيد حينها، فإن كان لا يعلمها فهي كارثة، وإن كان يعلمها فالكارثة أكبر، وحده صالح يتحمل دخول كل تلك الأسلحة إلى البلاد -بغض النظر عن طريقة دخولها- لقد كان هو الحاكم الوحيد في السلطة في ذلك الوقت . الطريقة التي كان يتم بها إدارة الحروب مع الحوثي، وحده صالح والحوثيون، من كان يعرف سبب إشعالها، وسبب توقفها. لكن الأحداث الحالية والتحالف القائم بين الجانبين، سلط الضوء على حقيقة تلك الحروب التي أهلكت الحرث والنسل. في تلك الأثناء كانت عين إيران تتبع مؤخرة صالح وتراقب اهتزازها، صالح لم يكن يدرك ذلك، لأنه كان مستغرقاً في ركوعه لوضع البيادة التي أشرف على صناعتها في قدم إيران. أراد صالح قدم واحده ذات بيادة واحدة في اليمن، للإنتقام من خصومه في الداخل، وسرقة أموال جيرانه وحلفاءه الأشداء . لعل صالح في تلك الفترة، لم يكن يعرف أن المتعة الدينية في إيران، يمكن أن تمتد إلى مؤخرة الرجال، لذلك كان مطمئناً، ومستغرقاً في انحناءته واضعاً البيادة في قدم إيران . ما كان يخطط له صالح، أن ركله واحدة من قدم إيران التي أشرف على صناعة بيادتها العسكرية، كفيلة بقذف خصومه في الداخل، بعيداً عن المعلب السياسي، معتقداً بأن قدم واحدة على أرض الملعب اليمني، هي الأخرى كفيلة بقذف الرعب في الدول المجاورة، ليضمن استمرار تدفق الدعم المادي إليه بسخاء. مؤكداً لذاته الإنتقامية، بأن قدم إيرانية واحدة، لن تشكل خطراً كبيراً على نظام حكمه، الذي بدأ منذ العام 2000م يحيله إلى ملكية وراثية . الدول الخليجية ( المحاربة للتوجه الإسلامي المعتدل ) هي الأخرى لم تكن حساباتها ذات أبعاد استراتيجية، حين أقدمت على تقديم الدعم المادي والمعنوي لتلك القدم، ولمعت تلك البيادة بسخاء كبير . اعتقادها الخاطئ جعلها تذهب إلى أبعد من ذلك، قائلة أن ركلة من تلك القدم، ستكون كفيلة بتحطيم ما تعتبره الصخرة التي تهدد نظامها الأمني والأسري الذي يُعرفه البعض ب (الإسلام السياسي المعتدل الإخوان المسلمين) أو على أقل تقدير تفكيك تلك الصخرة إلى حد يُرضي غرورها، ويُخفف من حقدها عليه، ولو لفترة وجيزة . لقد كانت متلهفة إلى منظر التحطم التاريخي لتلك الصخرة، معتقدة أنها ستكون صاحبة الفضل، في القضاء عليها بشكل نهائي أو جزئي . غير أن المشهد الذي تلهف لرؤيته الجميع، ظهر مُغايراً كثيراً لما رسمه صانعوه (المنتجون، المخرجون، الرعاة الرسميون) الجميع وقع في حالة ذهول من الأحداث التي ظهرت على أرض الواقع، في 21سبتمبر2014م مشاهد كثيرة غيرت الخطة، كان على رأسها ما يلي: 1-إيران لم تدخل صنعاء بالقدم الواحدة، ذات البيادة الواحدة، حسب ماهو مقررٌ لها، بل دخلت صنعاء بقدمين وبيادتين. صالح طواعية ألبس نفسه وأعوانه ومناصريه القدم الأخرى لإيران، كان هو البيادة الأخرى، لم يكن بمقدوره أن يتنصل من قيامه بمثل هذا الدور، إذا لم يكن قد اعتبر ذلك فرصة، ليركل خصومه بقدم غيره، معتقداً بأنه لا أحد قد يلتفت إلى البيادة في تلك القدم التي ستركل هنا وهناك. 2-الصخرة لازالت ثابتة في مكانها لم تصب بأذى، إلا اللمم. لم يدر في خلد الجميع أن الصخور في الغالب لا تتحرك، وإذا قدر لها أن تتحرك، فإن تحركها يكون هبوطاً مروعاً، وهبوطها يسحق الجميع بدون استثناء. 3-إيران كانت تدرك بعض تلك الحقيقة عن الصخور، لذلك حاولت التحرش بها فقط، البعض يعتبر أن ذلك التحرش ليس إلا تلبية لرغبة البيادات في قدميها، و إرضاء للرعاة الرسميين . كانت إيران تدرك بأن أقدامها ستتأذى، إن واجهة الصخرة في تلك الفترة، وأن البيادات في قدميها لن تحول دون كسر ساقيها، وأن ما ستخرج به إن فعلت ذلك، سيكون خسارة عليها، ومؤلماً لها، أكثر من خسارة الصخرة وألمها. ليس ذلك زهداً أو عدم رغبة منها في إزاحة تلك الصخرة، غير أن لها حساباتها الخاصة، ووسائلها الخاصة أيضاً، إيران لديها أوليات لابد أن تقوم بإنجازها، أبرزها السيطرة، وحيازة كافة وسائل مواجهة الصخور . أما صالح فقد كان ولا يزال يحاول التحرك هنا وهناك، استجابة لنفسيته المنتقمة، معبراً عن ذاته المبنية على الحقد والإنتقام ضد خصومه، لكن الواقع يقول: أن البيادات غير قادرة على أن تتحكم بالأقدام. هذا الوضع بالنسبة للشخص السوي هو أمرٌ غير مقبول، رفضته بعض قيادات المؤتمر الشعبي العام، لكنه في أخلاق صالح وطبيعته النفسية، يُرضي شيئاً ما في نفسيته المنتقمة، لذلك هو يفرغ حقده على الجميع، وينتقم من الجميع، بما في ذلك حزبه وقياداته. من الناحية المعنوية والأخلاقية، في21سبتمبر 2014م لم يكن هناك رئيس للجمهورية اليمنية، ولم يكن هناك وزيراً للدفاع، حسب مهمة الرجلين القانونية في مناصبهما . لذلك لم يكن من دور يُمكن الإشارة إليه، بالنسبة لرئيس الجمهورية، ولم يكن من دور كذلك لوزارة الدفاع كوزارة للجيش. لكن هناك دور لعبه عبدربه هادي الرجل الثاني في المؤتمر الشعبي العام، ومحمد ناصر كرجل يدين بالولاء المطلق لصالح، لأن في رقبته دين لصالح الذي حوله من لص لكراتين فول الجيش اليمني -حسب ما أشار إليه د/مروان الغفوري في أحد مقالاته- إلى لص لوزارة الدفاع . لكن صالح لم يغفل عنهما هادي ومحمد ناصر، لقد انتقم من الرجلين المقربين منه بطريقته الخاصة، على الرغم من مكانة الرجلين وقربهما منه، والأهمية المكانية حيث تم وضعهما، فلم تكن الأدوار التي أسندت إليهما في المشهد، تتعدى دور الأربطة في بيادات ذات صناعة يمنية بحته، أشرف عليها صالح . حتى اللحظة إيران هي الطرف الأكثر استفادة مما يجري، هي اليوم بأقدامها ذات البيادات اليمنية، تقف على الساحة اليمنية، وتتحرك أينما تريد هي، وليس أينما تريد البيادات، هي تركل هنا وتركل هناك، أحياناً رغبة في الركل، و أحياناً أخرى إرضاء للبيادات والرعاة الرسميين . لكن إيران لا تدرك أمراً هاماً في الموضوع. هي لا تدرك بأن الصناعة اليمنية في مثل هذه الأمور هي صناعة رديئة، هذه الصناعة لن تستمر في الخدمة طويلاً، صلاحيات استخداماتها قصيرة جداً. ستصل إلى حقيقة تكتشفها لاحقاً، أن هذه البيادات التي دخلت بها صنعاء، ذات الجودة عالية الرداءة، ستجعلها تمشي حافية الأقدام في يوم ما على الأرض اليمنية المشتعلة . مالم تعالجه وتقومه الحكمة اليمانية، فإن الأرض والبيئة اليمنية كفيلة بالتعامل معه . حقائق مرة لابد أن تتكشف لإيران في يوم ما . 1-الأرض اليمنية وعرة المسالك . 2-الشمس في اليمن حارقة، وإن بدت حرارتها ساكنة بعض الشيء، لكنها تعمل بهدوء، وتحرق بصبر، إنها مُحرقة للغاية . 3-الجبال اليمنية الشامخة، لا تتحمل المشي المتعالي عليها، هي ترفض الأقدام التي لا تنتمي لتربتها، وترفض كل من تنكر لترابها الذهبي . 4-الأشجار اليمنية حين تغضب، تصنع من أغصانها نيران مشتعلة، وتبقى جمراً لا يخمد. 5-الهواء اليمني يكون خانقاً، حين لا ينتمي مستنشقه إلى القيم اليمنية والشهامة اليمنية، أو تنكر لهوائها العليل . -الأزهار والورود اليمنية تغدو سيقانها خناجر مسمومة، ورحيقها مُخلفات نووية سامة الرائحة . باختصار اليمن عبر التاريخ بيئة طاردة، هي عدوة لكل من لا ينتمي إلى تربتها. كذلك هي بحارها، الجميع في اليمن يلفظ الأقذار بعيداً.