خلال الفترة الأخيرة تعرضت عدد من وسائل الإعلام للتهديد على خلفية تغطيتها للمعارك الدائرة بين جماعة الحوثي وبين تنظيم القاعدة في محافظة البيضاء وغيرها، كما تعرض عدد من الصحافيين ومراسلي وسائل الإعلام المحلية والخارجية لتهديد أو لسخرية وتهم تتضمن تهديدا. والغريب في الأمر أن صحافيين وناشطين محسوبين على جماعة الحوثي هم من يحرضون على زملائهم، فعلى سبيل المثال، لا يكاد يمر يوم دون أن ينشر الناشط الإعلامي الحوثي، صلاح العزي، ما يحرض على الصحافيين الذين لا يتناولون الأحداث بالشكل الذي تريده الجماعة. ومثل هذا الدور يلعبه الصحافي والناشط الحقوقي الحوثي، سفير النوايا الحسنة، عبدالكريم الخيواني، كما لا يختلف عنهم عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي، علي البخيتي، والصحافي أسامة حسن ساري، ومستشار رئيس الجمهورية عن الجماعة، صالح الصماد. أما الصحافي الحوثي أسامة حسن ساري، فقد قام بإجراءات عملية، حين اقتحم مع مجموعة من المسلحين، مؤسسة الثورة، ليطالعنا عدد الصحيفة في اليوم التالي، وفي الصفحة الأخيرة، بخبر يتحدث عن معامل المتفجرات في المساجد والمدارس والمنازل التي فجروها في مديرية أرحب. أي أنهم يهاجمون وسائل الإعلام غير الرسمية من التي لا تلتزم برواياتهم للحروب التي يخوضونها، خصوصا ضد القاعدة، ويقتحمون وسائل الإعلام الرسمية ليغشوا قطاعا واسعا من قراء هذه الوسائل بروايات مفبركة وغير صحيحة للأحداث. وما فعله الصحافي ساري يقول إن الصحافي الحوثي عنصر مسلح لا أكثر، وحين يعمل في الصحافة يقتصر عمله على خلق مبررات لمسلحين آخرين يمارسون القتل والتفجير والاعتقالات. * العربية والجزيرة إرهابيتان وصل الجنون الحوثي في التعامل مع وسائل الإعلام مرحلة في غاية الخطورة، فقناتا العربية والجزيرة تخدمان تنظيم القاعدة لأنهما نشرتا خبرا يتحدث عن استهداف التنظيم تجمعا للحوثيين في رداع أدى إلى مقتل 16 طالبة ومواطنين آخرين. ومشكلة الحوثي مع هذا الخبر تكمن في عدم تأكيده تعمد تنظيم القاعدة استهداف الطالبات لمجرد كونهن طالبات ولمجرد كون التنظيم قاتلا لا يدري لمَ يقتل ومن يقتل. وارتفعت أصوات حوثية بضرورة إخراج مسيرة إلى مكتبي قناتي العربية والجزيرة للمطالبة بإغلاقهما أو لإغلاقهما، ومعظم من شجَّع الفكرة إعلاميون محسوبون على الجماعة. وحين تقول الجماعة إنها في حرب مع تنظيم القاعدة، وتتهم وسائل إعلامية وإعلاميين بدعم التنظيم، فهذا يعني أن تلك الوسائل وأولئك الإعلاميون من أهداف حربها هذه وأن حياتهم في خطر. ونظرا لأن جماعة الحوثي أرجعت معظم تجاوزاتها في العاصمة صنعاء إلى التصرفات الفردية لأعضاء اللجان الشعبية، إلى درجة أن التصرفات الفردية المتجاوزة، باتت هي الأصل، فإن حياة العاملين في وسائل الإعلام المتهمة بدعم القاعدة، في خطر حقيقي. وتكمن الكارثة في كون إعلاميي الجماعة يقدمون مبررات القتل للجان تتصرف بهمجية مطلقة، خصوصا حين يتعلق الأمر بتنظيم القاعدة، فهذه اللجان بين مراسل قناة الجزيرة المتهمة بدعم القاعدة إعلاميا وبين ناصر الوحيشي زعيم تنظيم القاعدة في اليمن. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قناتي العربية والجزيرة متهمتان من القاعدة أصلا بسياسة تحريرية تخدم التوجه الدولي في الحرب على الإرهاب، خصوصا قناة العربية التي لا يمكن أن تخرج عن سياسة السعودية في جانب الحرب على الإرهاب، وهو جانب تعطيه المملكة أهمية كبيرة. * لماذا الهجوم الحاد؟ بدا هجوم صحافيي وناشطي جماعة الحوثي على القناتين حادا للغاية، رغم أن الموضوع لا يستدعي هجوما بهذا الشكل، لأن القاعدة تستهدف مسلحي الحوثي بشكل شبه دائم، خصوصا في رداع التي تعتبر من أهم معاقلها. لكن الحوثيين على ما يبدو أرادوا تمرير ما اقترفوه هم وتحميل القاعدة المسئولية، حيث أكدت القاعدة أنها استهدفت الحوثيين بسيارتين مفخختين في رداع، لكنها اتهمت مسلحي الحوثي بقتل الطالبات، حين ظنوا الباص الذي كان يقلهن سيارة مفخخة ثالثة، وهو ما ترجحه القرائن، فالسيارة المفخخة تحول الأجساد إلى أشلاء متفحمة، غير ما حدث للطالبات تماما. وربما توقع الحوثيون نفيا من تنظيم القاعدة، وأرادوا من خلال إرهاب وسائل الإعلام أن يحولوا دون تجاوبها مع هذا النفي. * دور قرآن أرحب لم يكتف الحوثيون بتفجير دور للقرآن الكريم ومدارس ومنازل لمواطنين ومشايخ بعد اقتحامهم لمديرية أرحب، ولا بكيل تهم الإرهاب لتلك الدور ولتلك الشخصيات، بل هاجموا وسائل الإعلام التي قالت إن ما تم تفجيره هي دور قرآن ومدارس ومنازل، وكان عليها أن تؤكد الرواية الحوثية بأنها معامل متفجرات. وكالعادة فقد وُجهت تهمة العمل لحساب التكفيريين والدواعش لعدد من وسائل الإعلام التي تناولت عمليات التفجير التي طالت تلك الدور وتلك المدارس وتلك المنازل. والمؤسف أن يشارك محسوبون على القضاء في مثل هذا التحريض، كعبدالوهاب قطران، الذي حرص في كل منشوراته على الفيس بوك، على تأكيد رواية الحوثيين وتكذيب أية رواية أخرى. وبما أن "قطران" قاض، فإن ما يقوله يكون بمثابة حكم بتفجير تلك الدور وأية دور أخرى للقرآن الكريم تابعة للتجمع اليمني للإصلاح، رغم أنه بنى كلامه أو حكمه على قرائن لا يُبنى عليها حكم على الإطلاق، من قبيل: "بما أن السيد عبدالملك الحوثي ابن رسول الله، فلا يمكن أن يفجر مساجد ودور قرآن". * تهديدات لا تستثني أحدا وفي إطار الحملة الإعلامية الحوثية ضد إعلاميين لا يقتصرون في تناولهم للأحداث على الرواية الحوثية، طالب الناشط الإعلامي في الجماعة، صلاح العزي، بإعداد قائمة بالصحافيين الذين يدعمون التكفيريين لتقديمها إلى وزيرة الإعلام التي قال إنها هي الأخرى قد تقف أمام لجانهم الشعبية إن لم تتخذ إجراءات ضد أولئك الإعلاميين. وقال العزي حرفيا في صفحته على فيس بوك: "يجب أن تقدم قائمة بأسماء الإعلاميين المتآمرين مع تنظيم القاعدة التكفيري أو الذين يبررون لها جرائمها وحتى الذين يتعمدون تسمية تلك العناصر بغير اسمها لصرف الأنظار عنها، إلى وزيرة الإعلام لتتخذ معهم الإجراءات الوطنية والدينية المناسبة كونها المسؤولة عن ذلك أمام الله والوطن والشعب، ما لم فإن الوزيرة قبلهم يجب أن تلتقي باللجان الثورية الرقابية لأن هناك ما ينبغي أن يسمعوه". وهذا يعني أن وزيرة الإعلام، الأستاذة نادية السقاف، ستتهم بالتواطؤ مع إعلاميين يدعمون التكفيريين إن لم تتخذ الوزيرة إجراءات يحددونها هم ضد من يتهمونهم. وفي تعليقه على عنوان خبر ل"مأرب برس" عن العملية التي استهدفت الحوثيين في رداع، قال العزي: "هذه المرة لن نطالب نحن بأسماء أوغاد الإعلام بل سنتوجه إلى وزيرة الإعلام نادية السقاف لتستشعر مسؤوليتها تجاه هؤلاء الأوغاد أمام ربها ووطنها وشعبها وأيضا أمام اللجان الثورية الرقابية". وكان صلاح العزي قد هاجم الصحافيين الذين حضروا مؤتمرا للسفير الأمريكي في العاصمة صنعاء بالتحضير لبدء حملة إعلامية ضد جماعته خلال الأيام القادمة، وهو نوع من الإرهاب الغرض منه اعتبار أي تناول للأحداث خارج ما تريده الجماعة ضمن هذه الحملة. وقال العزي: "والمؤسف في الأمر أن وزارة الإعلام اليمنية هي أول المتبنين لهذه الحملة حيث بلغنا أن وزيرة الإعلام بصدد التجهيز لحملة إعلامية ضد أنصار الله واللجان الشعبية في ظاهرها الرحمة وفي باطنها الخبث والتحريض, عبر وسائل الإعلام الرسمية المختلفة". وأضاف العزي: "وإذا حصل ذلك بالفعل فإنه دليل على أن السفارة الأمريكية هي التي تضع الخطوط الحمراء لوزارة الإعلام وهذا ما سيجعل الوزارة في مواجهة الثورة من جديد". والغريب في الأمر أن الحوثيين اقتحموا أهم وسيلة إعلامية، وهاجموا واتهموا وزيرة الإعلام وعددا من الصحافيين والإعلاميين الذين قال الحوثيون إنهم يعملون بتوجيهات من سفارة أمريكا أو لحسابها، لكنهم لم يهاجموا السفارة. * جلد الإعلاميين بضحايا الإرهاب وفي تعليقه على حملة التحريض الحوثية على الصحافيين والإعلاميين عقب جريمة رداع في حق الطالبات، قال الكاتب الصحافي نبيل سبيع إن القاعدة ترتكب جريمة فيمسك الحوثيون بالجثث ويضربون بها الصحافيين والنشطاء الذين ينتقدون أخطاء جماعتهم. وأضاف سبيع: "هناك فرق كبير بين إدانة الإرهاب واستخدامه لإرهاب الآخرين، وفرق كبير بين التضامن مع الضحايا وبين استخدام دمائهم من أجل صناعة ضحايا جدد. وحين تتابع طوفان التحريض والشتائم واللعنات وكل أنواع العنف اللفظي الذي يشنه الحوثيون على الصحفيين والناشطين المدنيين واليساريين والليبراليين وكل من لا يوافق رأيه هواهم، فإنك لا تشعر بحزنهم على الضحايا الأبرياء قدر ما تراهم فرحين بالمذبحة لأنها منحتهم فرصة للتحريض على أبرياء آخرين". واعتبر سبيع ما يقوم به محرضو جماعة الحوثي "الوقاحة والبلطجة والعواجة وقلة العقل والجهل المطبق بالبديهيات، وقد اجتمعوا كلهم في "مزايد" ميليشاوي يطبل طوال العام لتفجير المنازل وقتل الناس ثم يأتي في لحظة ما ويصرخ في وجهك: أين أنتم يا أدعياء حقوق الإنسان والمدنية من هذه الجريمة البشعة؟!". * متفجرات "المسيرة" ويبدو أن على كل قناة وكل صحيفة وكل موقع حيازة كميات كبيرة من المواد المتفجرة لتصويرها داخل دور القرآن والمساجد والمنازل، قبل نسفها، ونشر مواد تؤكد أنها كانت معامل لتصنيع المتفجرات وتجهيز الأحزمة الناسفة وليست دور قرآن أو مساجد أو منازل، كما تفعل قناة المسيرة التابعة للجماعة دوما، وهو ما يمكن أن يجنب هذه الوسائل تهمة دعم التكفيريين وما قد يتبعها من إجراءات. والغريب في الأمر أن التكفيريين المزعومين يتركون هذه المتفجرات لقناة المسيرة ولمشاهديها دوما، ولا يفكرون بأخذها معهم، رغم أنهم بأمس الحاجة لها وبأمس الحاجة لتفويت عملية استغلالها من قبل جماعة الحوثي على النحو الذي يشاهده الناس في القناة. كما يحرص الحوثيون على دعوة وسائل الإعلام لتصوير المواد المتفجرة التي عثروا عليها في المساجد والمقرات ودور القرآن التي فجروها، بعد ترتيب الأمر طبعا، فيحضر من مراسلي وسائل الإعلام من لا يمكن أن يطلب من الحوثيين ما يؤكد أن هذه المتفجرات تركها التكفيريون المزعومون فعلا. * قوائم البلاغ وإلى جانب الدور التحريضي الذي يمارسه صحافيو وناشطو جماعة الحوثي ضد الإعلاميين ووسائل الإعلام، تمارس وسائل الإعلام المحسوبة على الجماعة دورها في التحريض على قيادة الأحزاب وعلى شخصيات اجتماعية ودينية وقبلية وغيرها. فقبل أسابيع أفردت صحيفة البلاغ الحوثية مساحة لعنوان بالخط العريض في الصفحة الرئيسية يطالب بمحاكمة قادة حزب الإصلاح بعد العثور على قوائم اغتيالات في مقرات الحزب التي اقتحمها مسلحو الجماعة منذ تسلمهم العاصمة صنعاء. وبدلا من أن تكون المطالبة بالمحاكمة لمن اقتحم هذه المقرات وصادر محتوياتها تصبح في ظل سيطرة الجماعة على الدولة للمستهدفة مقرات أحزابهم بهذه الاقتحامات والمصادرات على خلفية تهم كاذبة تُسمع بحذافيرها بعد كل عملية اقتحام. * رد الجميل على الطريقة الحوثية والمؤسف في الأمر، من وجهة نظر كثيرين، أن أكثر الصحافيين والكتاب الحوثيين تحريضا على زملائهم هم أولئك الذي وقف زملاؤهم معهم بقوة على خلفية ما تعرضوا له خلال فترة حكم الرئيس المخلوع صالح، بتهمة وجود علاقة مع جماعة الحوثي. ولم يتوقف الأمر عند التحريض على الزملاء من كتاب وصحافيين، بل تجاوزه كثيرا، فعقب العملية التي استهدفت تجمعا للحوثيين في ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء، طالب الصحافي الحوثي، عبدالكريم الخيواني، اللجان الشعبية التابعة للجماعة باقتحام جمعيات ومساجد لمن يعتبرونهم خصوما. * منطق القوة وعلى خلفية اقتحام مسلحي الحوثي، بقيادة الصحافي أسامة ساري، لصحيفة الثورة، وإفراد مساحة في صفحتها الأخير للقيادي الحوثي صالح الصماد، تساءل أحد الناشطين (نتحفظ على اسمه لدواع تحريضية): "ما الفرق بين أن يبسط صالح الصماد على مساحة في أخيرة "صحيفة الثورة" التي اقتحمها مسلحو جماعته قبل أيام، وبين أن يبسط علي محسن أو أي نافذ آخر على قطعة أرض؟ شخصيا، أرى أن ما قام به الصماد أسوأ بكثير، لأنه انتقل، بفضل القوة، من مقوت إلى مستشار لرئيس الجمهورية، ومن مستشار إلى كاتب في أهم صحيفة رسمية وفي أهم صفحة فيها. أي أن ما يبسط عليه النافذون من أراضي الدولة والناس كان بمنطق القوة، وهو أهون بكثير من أن تعطيك القوة أمورا غير منطقية كأن تصبح مستشارا وكاتبا وأنت لا كاتب ولا مستشار.. ولا هم يحزنون". أه. والمخيف في الأمر هو أن مقال صالح الصماد هاجم وسائل الإعلام وكال لها العديد من التهم.