تحدث عن ما أسماه، الانتقال السلس للسلطة في بلده، كان منتشياً، ومتحمساً، وفرحاً، أثنى كثيراً على نظامهم السياسي السلف والخلف وخلف الخلف، ليختم حديثه بالسخرية من اليمن، ومصر، وسوريا، وليبيا، والعراق، وغيرها من البلدان التي وصفها بأنها تتقاتل على السلطة كالذئاب. لم يحزني من ذلك كله شيء، ولم يؤثر على مزاجي إلا ما وصفت به المذيعة ذلك الضيف، حين قالت إنه دكتور في العلوم السياسية، وخبير وباحث سياسي، الخبير والباحث السياسي، تجاهل استفساراتي التي وجهتها أنا إليه، حين كان يتحدث إلى المشاهدين عبر شاشة التلفزيون، وكنت واحداً من أولائك المشاهدين، لكنه انشغل عن سؤالي بحواره مع المذيعة، لم يلتفت لتساؤلاتي كمشاهد يمني بسيط، أو أنه تعمد عدم الإلتفات لسؤالي. كان سؤالي بسيطاً وسهلاً، كان على قدر علمي ومعرفتي، فأنا حتى اللحظة، لم يسبق اسمي حرف الدال، ولا أدعي بأني خبير وباحث سياسي، قلت له: وهل رأيت يوماً أن قطيعاً من الخراف، رفض انتقال ملكيته من شخص إلى آخر؟! مهما كانت أسباب ومبررات ذلك الإنتقال !!! هو كما قلت لم يجب عن أسئلتي. أنا شخصياً لم يسبق لي أن سمعت بأن قطيع من المواشي احتج يوماً على انتقال ملكيته من وريث إلى آخر، لم يسجل التاريخ (حسب علمي) أن احتجت الخراف على أي تصرف يقوم به مالكها سواء الجديد أو القديم، لعل السبب أن كل ما يهمها هو البقاء لتأكل وتشرب وتنام، في ظل أي سيد أو مالك، بغض النظر عن كيفية وصولها إلى ملكيته وطريقة تملكها. الدكتور برغم تخصصه السياسي ربما لا يعرف، بأن العقول التي عرفت الحرية الفكرية، رفضت النظم الملكية. حين يتحرر الفكر يتحرر العقل والروح والجسد، لذلك فإن تلك النظم في البلدان المتحضرة أصبحت من الماضي، لأن تلك النظم بكل بساطة تخالف فطرة الحرية البشرية، التي فطر الله الإنسان عليها (بغض النظر عن الدين والمعتقد، وإن كانت لدى المجتمعات الدينية أكثر نبذاً، لأن القبول بها مخالفةٌ شرعية للدين الذي يدعو إلى الحرية) لذلك فإن هذه النظم لم تعد مجدية، ولا يمكن القبول بها، إلا في الشعوب التي يصفها المفكرون بالمتخلفة. الشعوب المتحضرة، حولت تلك الأسر المالكة إلى نوع من التراث التاريخي لها (كما هو حاصل في المملكة المتحدة) أمور الشعب وقضاياه المختلفة، لا يتولاها إلا متخصصون وإن كانوا من عامة الشعب، مادام قد اختارهم صاحب السيادة الحرة (الشعب). قد يكون العقل اليمني الذي يسخر منه هذا الباحث، أكثر تحرراً، فقد بحث عن الحرية ورفض العبودية، منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، حين رفض تلك الطريقة في إدارته، وطريقة التحكم فيه، والسخرية به. ثم صار أكثر تحرراً منذ ثورة فبراير2011م الأمر الذي يعني بأنه لن يكون بمقدور أولائك الغجريون القادمون من غبار الماضي، أن يطوعوا إرادة شعبٍ رفض الاستعباد منذ أكثر من نصف قرن، لا يعقل أن يعود إليها اليوم مهما كانت الظروف والأحوال. ومهما كانت القوة والعنف الذي يمارسوه لتطويع هذا الشعب، الشعب اليمني لا يعرف أن يعود إلى الوراء مطلقاً، ولأن التاريخ كذلك لا يمكن له أن يعود إلى الماضي . لذلك فدعهم أيها الباحث يتصارعون كالذئاب، وكن أنت كالخراف سعيداً بحياتك التي ارتضيتها، لكن دعني أسالك سؤالاً آخر: ما يعني أن يجتمع ثلاثون شخصاً أو يزيدون، لم يفوضهم أحد، ولم يرشحهم أحد، فقط لأنهم من أسرة معينة، فيكون لهم وحدهم الحق، أن يقرروا لمن تنتقل ملكية شعب أعداده بعشرات الملايين، ولا يحق لأحدٍ منهم الإعتراض على ما تقرره تلك الأسرة في كل شؤون الشعب؟! ماذا يعني أن يكون لتلك الأسرة وحدها كامل الحق، في التصرف كما يشاءون، في مصير أموال ومستقبل وحياة عشرات الملايين، بما في ذلك حياة الأجيال التي ستأتي وثرواتها ؟!!!!! ما يربو على أربعين مليار دولار، تحملتها المملكة السعودية وحدها لدعم الإنقلاب في مصر، توزعت بين مبالغ نقدية، وقروض، ومساعدات، ودعم بالمشتقات النفطية، في الوقت الذي تصل فيه نسبة البطالة في المملكة أكثر من 70% (حسب ما خلص إليه الدكتور أنور أبو العلا، في تقريره المنشور في جريدة الرياض الإقتصادية، بتاريخ5يناير2015م العدد16631). هذه البطالة ليست في الصومال، ولا اليمن الذي تسخر منه، هي في دولة مبيعاتها النفطية فقط، تزيد على 12مليون برميل يومياً، ناهيك عن واردات الحجاج والمعتمرين، والضرائب وغيرها. ومع ذلك فلم يتمكن أحدٌ من أبناء الشعب السعودي أن يقول: لمه ؟! أما على مستوى البنية التحتية، فإن الأمطار، قد أزاحت الستار عن فجيعة كبرى، حين غرقت السيول المدينة الإقتصادية والتجارية الأولى في المملكة، ومينائها الرئيسي (جدة) قبل فترة، وقس على ذلك العديد من الأوضاع الإقتصادية على مستوى المملكة، مقارنة بمواردها المختلفة. هذا على مستوى الشعب صاحب الثروة والحق، أما على المستوى الوطن العربي والإسلامي، الذي تعتبر نفسها الحامي له والوصي عليه والمدافع عنه، فلا مجال فيه لتقديم المعونة والدعم، لا لفلسطين المحتلة، ولا سوريا المنكوبة، ولا العراق الذي ساهمت في تسليمه للدولة المجوسية إيران، ليتلوه تسليم كل ما يتعلق بأمنها ومصالحها، وما سيهدد مستقبلها السياسي والديني والإقتصادي، حين قدمت لهم اليمن على طبقٍ من ذهب. الجميع يعرف أيها الباحث، بأن ما يجري في اليمن، ومصر، وليبيا، وسوريا، هي مخرجات أموال شعوب الدول النفطية، وفي مقدمتها المملكة والإمارات، تلك الأموال هي التي خلقت كل أولائك الذئاب، التي تعيث اليوم فساداً في أرجاء البلدان العربية، وخاصة في بلدان الربيع العربي. لأن أنظمتكم أرادة ذلك. من الناحية النظرية: السعودية ليست مسؤولة عن أبناء الشعب الفلسطيني، ولا من يموت جوعاً في مخيم اليرموك من الفلسطينيين في سوريا، ولا من يموت من البرد في مخيمات الشتات السوري، ولا المشردين في اليمن، ولا الجوعا في أفريقيا، نعترف بذلك. المال السعودي حقٌ للشعب السعودي وحده، لن يكون بقدور أحد أن يقول لهم، قدموا لهؤلاء المساعدات إذا لم يرغبوا هم في ذلك. لكن حين تُقدم مثل تلك المبالغ، لدعم النظم الدكتاتورية في الوطن العربي، سيكون من حق الجميع أن يلوم، ويعاتب، ويحمل المسؤولية كل من قدم مثل تلك المليارات، التي أنتجت تلك الكوارث في الوطن العربي. من أجل تلك الممارسات ننتقد تلك الطريقة في الحكم، وذلك التجاهل الشامل لحقوق ومكتسبات أجيال بكاملها، وتلك الطريقة في هدر أموال الشعوب صاحبة الحق الحصري، الأمر الذي يدفع بالكثير إلى التساؤل عن المكتسبات التي يُمكن أن تعود على شعوب تلك الدول، التي تقدم تلك المبالغ وبذلك السخاء ؟! شواهد ما جرى في السابق وما يجري اليوم تقول: بأن صرف كل تلك الأموال التي تقدمها الدول النفطية، هي لتشويه كل ماهو جميلٌ في كافة نظم المنطقة، وأن الهدف من ذلك هو: أن تبقى الوجوه المشوه لتلك النظم الداعمة هي أحسن الوجوه، لأن كل الوجوه التي من حولها قد صارت أكثر تشوهاً وأكثر سوءً. بقدور الدول النفطية جميعها ذات النظم الوراثية، أن تجعل من أنفسها أنموذجاً في المنطقة، ليس في الجانب السياسي فقط، وإنما في كافة حياة شعوبها، ولن يكون بمقدور أحداً على مقارنة نفسه بها. وعندها لن يلومهم أحد، وسيبقون يمارسون حياتهم السياسية والإجتماعية والإقتصادية، مع شعوبهم بالطريقة التي يمكن أن تخدم الجميع. وليتركوا الشعوب الأخرى تتصارع مع حكامها كما يحلوا لها، ثم لتقرر لنفسها الحق الذي تريد، والطريقة التي ترغب فيها. نحن في اليمن يؤسفنا أن نقول لجيراننا وأشقائنا، بأن أموالكم أعاقت كثيراً مسيرة هذا الشعب منذ فترة طويلة، كان آخرها ذلك الدعم الذي قدم للنظام السابق، وحلفائه في الثورة المضادة، فصارت المخاطر لا تقتصر على مستقبل الشعب اليمني وحده، بل وصل حد تهديد مصالحكم وأمنكم واستقراركم. غير أن التغييرات الجديدة في الحكم لدى أشقائنا في المملكة، يعتبرها الكثيرون بوادر ذات توجه إيجابي، ليس لأن هذه القيادات الجديدة مهتمة بشأن الداخلي السعودي أكثر من غيره، بل أيضاً فإن سياستها بالمحيط الإقليمي ستكون أكثر حيادية من سابقتها حسب تحليلات الكثير من المراقبين والمهتمين. نحن في اليمن جل مطامعنا صارت محدودة للغاية تجاه جيراننا وأشقائنا، يمكن أن نقدم بيننا وبينكم مبادرة تصالح جديدة، تتمثل هذه المبادرة في أننا سنكون ممنونين جداً حين تتخلون عنا، لا تدعموا صالحي هذا الشعب، ولا أشراره، سنقول لكم: مارسوا سياستكم وطريقة حكمكم، كما يحلوا لكم أنتم وشعوبكم، ودعونا ننحت في صخور وطننا لإيجاد النظام السياسي الذي يرتضيه هذا الشعب لنفسه هو، وليس لغيره، وحده الشعب اليمني صاحب الحق الذي يقرر كيف ومن يحكمه. دعونا نتحمل تبعات خياراتنا، وإن فعلتم فلن يسمح هذا الشعب لحكامه، بالمساس بنظام حكمكم، ولا أمنكم ولا اقتصادكم.