ما حقيقة الدور الذى تلعبه إيران في سبيل إسقاط اليمن؟.. وهل تخلت عن حلمها القديم بتأسيس الهلال الشيعي العابر للقوميات وإحياء الإمبراطورية الفارسية التي تقف في وجه التكتلات الدولية الكبرى والدول العملاقة وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية؟. وهل التغيرات التي شهدها الواقع الدولي والعربي من قيام ثورات الربيع العربي التي تسببت ليس في سقوط عدد كبير من الأنظمة، بل في انهيار دول بالكامل مثل سوريا وليبيا واليمن؟.. وهل تعمل ايران وفق الأجندة التوسعية الأمريكية باعتبارها إحدى أذرعها في المنطقة، وباعتبارها أيضا الذريعة الكبرى التي أدت إلى تأجيج الصراع الطائفي وأدت الى ظهور جماعات سنية متشددة في مواجهة المد الشيعي الإيراني؟. اللواء دكتور محمد الغباري مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق بأكاديمية ناصر العسكرية العليا يكشف في السطور القادمة أسرار الدور الإيراني في إشعال منطقة مضيق باب المندب ومد جماعة الحوثيين في اليمن بالسلاح والأموال وكل الامكانات التي تساعدهم في إسقاط الدولة اليمنية تمهيدا للسيطرة على حركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر وبالتالي في حركة الملاحة بقناة السويس. في البداية وصف اللواء الغباري مخططات إيران التوسعية وسعيها بالتعاون مع الولاياتالمتحدة لتفتيت المنطقة العربية أو السيطرة على حركة الملاحة التجارية في العالم أو التحكم فيها بأنها «أوهام مستحيلة»، وأن كل ما يقال في هذا الأمر مجرد "كلام غير مدروس أو محسوب"، وأن اليمن قبل أن تشهد التقلبات الأخيرة وفى أوج استقرارها كانت لا تستطيع السيطرة على سواحلها التي تبلغ نحو 2200 كيلو متر ، ولا تملك أسلحة بحرية سوى لانشات صغيرة لا تستطيع التعمق في البحر أكثر من 8 كيلومترات، أما الممر الممر الملاحي في المضيق فإنه يبعد عن الشواطئ اليمنية سواء من المدخل الجنوبي بين جزيرة بريم اليمنية والساحل الجيبوتي حوالى مسافة من 10 الى 12 كيلومترا ومن المدخل الشمالي 10 كيلومترات عن جزيرة حنيش التي تبعد نحو 65 – 70 كيلومترا من الشواطئ اليمنية في عمق مضيق باب المندب الذى يبلغ عرضه بين اليمن وجيبوتي مارا بجزيرة بريم 31 كيلومترا. وقال الغباري إن «20% تقريبا من الشعب اليمنى الذى يتراوح تعداد سكانه من 20 الى 22 مليون نسمة ويعتنق المذهب الشيعي الزيدي، يتمركزون في شمال البلاد وخاصة في "صعدة"، ولا يؤمنون بفكرة الجمهوريات أو الدولة بمفهومها الحديث لكنهم يؤمنون باتباع الإمام، وقد عرفت باسم "الحوثيين" نسبة إلى مؤسسها حسين الحوثي الذي أسسها عام 1992 وقتل على يد القوات اليمنية عام 2004، وأكد أن علاقة الحوثيين بالسعودية كانت جيدة منذ إطاحة الثورة اليمنية بالإمام البدر سنة 1963 وتدعمهم حتى لا ينتقل اليهم المد الثوري الجمهوري وظل هذا الدعم ممتدا حتى انتهاء حرب اليمن وتوحدها شمالا وجنوبا واستقرارها على يد على عبدالله صالح واستمر هذا الدعم السعودي لهم حتى انقلبوا على الرئيس اليمنى الأسبق على عبدالله صالح، فى أواخر التسعينيات، حيث بدأوا في تشكيل ضغط على المملكة العربية السعودية وطالبتها بمساعدتهم فى الإطاحة بعلى عبدالله صالح، الا أن المملكة كانت لا تدعم فكرة الثورات على نظام الرئيس اليمنى فانقلبت عليهم حتى أصبحت الحركة تشكل تهديدا لنظام الحكم السعودي، وكانت هناك معارك مسلحة بين الجيش السعودي ومليشيات الحوثيين أواخر العقد الأول من سنة 2000 أسفرت عن انحسار الحوثيين ومحاصرتها بين المملكة من الشمال ونظام على عبدالله صالح في الجنوب، حتى تدخلت قطر بإيعاذ من الولاياتالمتحدة وأقنعت الحوثيين بالخضوع للحكومة اليمنية وايقاف الحرب بالحل السياسي». وأوضح أنه بعد ذلك انتشرت موجة من الغضب بين الشعوب العربية ضد أنظمتها في 2011 سميت بثورات الربيع العربي لتدخل اليمن مرة أخرى في نفس الصراع ولكن هذه المرة بدعم إيراني كامل ومعلن، حتى إن الرئيس اليمنى الأسبق على عبدالله صالح اتفق مع الحوثيين على ترك السلطة وتسليمها الى الرئيس السابق عبدالهادي منصور الا أنهم اعتبرها نوعا من المراوغة السياسية، وفى هذه الأثناء استغلت ايران ضعف النظام اليمنى وقامت بدعم الحوثيين في هدوء تام وقامت بتمويلهم بالسلاح والأموال ودفعتهم الى الطمع في الاستيلاء على السلطة، مستغلين سلبية على عبدالله صالح في استخدام حوالى نصف الجيش اليمنى الذى يدين له بالولاء لإحباط هذا المخطط. وأكد الغباري أن «الدولة اليمنية في عز استقرارها كانت لا تستطيع السيطرة الكاملة على سواحلها بالرغم من وجودها في منطقة توتر وصراعات، حيث تواجهها على بوابة المضيق دولة جيبوتي التي توجد على أراضيها قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية مدججة بأحدث أسلحة التجسس والاستطلاع في العالم، وقال ان الولاياتالمتحدة والدول الصناعية الكبرى تعلم تماما ان سيطرة الحوثيين على اليمن لا يشكل أي تهديد على حركة الملاحة على الإطلاق، وإنما الهدف من هذا الصراع هو إرضاء ايران التي اعتبرها من الدول الحليفة للولايات المتحدة، وأن أسوأ السيناريوهات التي قد تنتظرها اليمن هي استيلاء الحوثيين على الحكم لتدخل المنطقة فى موجة واسعة من الحرب الطائفية تهدف منها الولاياتالمتحدة الى تقسيم عدد من الدول وضم أجزاء من الأراضي السعودية واليمنية الى إيران باعتبارها الحليفة للولايات المتحدة بما تقدمه من دعم في سبيل تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد والتهديد بضم أجزاء من الأراضي السعودية الى اليمن في الجنوب والى ايران في الشمال، دون أي تأثير على حركة التجارة العالمية في البحر الأحمر وبالتالي دون أي تأثير على حركة السفن في قناة السويس.. لن تسمح الدول الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات أن تتأثر مصالحها لأى سبب». وقال الغباري أن الخطورة الحقيقية على حركة الملاحة تتمثل في تمكن الحوثيين من السيطرة على مناطق بعينها، وهى جزيرة "بريم"، المدخل الجنوبي لمضيق باب المندب أو ميناء "الحديدة" والاستيلاء على جزر "حنيش الكبرى" في مدخل المضيق الشمالي، وهو الأمر الذى لم يتحقق حتى الآن وتسعى إيران الى تحقيقه للضغط على الولاياتالمتحدة بالإسراع في إسقاط النظام اليمنى القائم. وشدد اللواء الغباري على أنه لا يعنى عدم تأثر مصر بما يحدث فى اليمن من تقسيم وتشتت بشكل مباشر أن ذلك لا يؤثر على الأمن القومي المصري، لأن الأمن القومي المصري مرتبط بالأمن القومي العربي ايجابا وسلبا، وأنه يتوجب على القيادة السياسية في مصر أن تراقب الأوضاع مراقبة تحليلية جيدة، وأن تعمل على استقرار اليمن وانهاء الصراع الدائر بين الحوثيين والشعب اليمنى في أسرع وقت ممكن في إطار الأمن القومي واتفاقيات الدفاع المشترك ومن خلال مجلس التعاون الخليجي. وقال الغباري إن «الأحداث الجارية على الأرض تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الولاياتالمتحدة تستخدم حليفتها إيران في تهديد أمن الدول العربية والخليجية من خلال المد الشيعي في المنطقة والذى يستتبعه زيادة حدة التطرف السنى وإعطاء الذرائع للتنظيمات الارهابية في مقاومة هذا المد وتأجيج صراع طائفي في المنطقة ينتهى بتقسيم الدول التي تشهد هذه الصراعات وفقا لمخطط تقسيم المنطقة العربية إلى ما يعرف ب "الشرق الأوسط الجديد" وأن أمريكا تسهل مهمة إيران في هذا الشأن بهدف ضمان استمرار تواجد قواتها في المنطقة لتأمين مصالحها سواء في السيطرة على منابع البترول أو حركة السوق التجارية الدولية، وفى ذات الوقت تعمل إيران على نشر مذهبها وتحقيق حلمها القديم .. الهلال الشيعي».