عندما ظهرت الدولة الإسلامية بشكل مفاجئ وسيطرت على عدد من المدن في العراق وسورية، قبل أن تعلن الخلافة في وقت لاحق، حمَّلت الولاياتالمتحدةالأمريكية رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، مسئولية تطور كهذا، حين أطلق لسلوكه الطائفي العنان ضد سنة العراق باسم الحرب على الإرهاب. وكان يُفترض أن تستفيد الولاياتالمتحدة من هذا الخطأ وتعمل على الحيلولة دون تكرار ما تأتي نتائجه على هذا النحو، في العراق وفي بلدان أخرى، لكنها كررت الخطأ بشكل أكثر فظاعة، حين تماشت مع فكرة تشكيل "قوات الحشد الشعبي" الشيعية، بل ودعمتها، رغم أنها تقوم بأكثر مما قام به المالكي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فجمهورية إيران التي تعمل بشكل دائم على تغذية الصراع الطائفي، أو على دعم طرف فيه، لصاح أطماعها التوسعية، كانت من الدول التي دُعيت -وإن عبر المغازلة- إلى المشاركة في الحرب التي تخوضها قوات التحالف. وبرغم أن إيران أكدت أنها ستقدم المساعدة للولايات المتحدةالأمريكية إن هي تدخلت عسكريا في العراق، إلا أنها أعلنت لاحقا أنها لن تشارك ضمن التحالف الدولي، ومع ذلك قال وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" إن لكل دولة، بما فيها إيران، دورا تلعبه في هذه الحرب. وتصديقا لما قاله كيري، حول دور إيران، كشفت المواجهات مع الدولة الإسلامية عن مشاركة مباشرة لإيران فيها، حيث شيَّعت إيران قادة عسكريين كبارا قتلوا على يد مسلحي الدولة الإسلامية في العراق. ومنذ بداية حرب التحالف أوفدت إيران إلى العراق قائد حرسها الثوري قاسم سليماني للإشراف وتقديم الدعم والمشورة للقوات العراقية ولقوات الحشد الشعبي الشيعية. وتدرك أمريكا جيدًا إلى أي مدى يستفز سنة العراق وجود قادة عسكريين إيرانيين لدعم من يقومون بتصفيات عرقية لهم، كما حدث أخيرا في محافظة ديالى التي استعادت القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي أجزاء واسعة منها، لكنها (أي أمريكا) غير مهتمة بما يستفز سنة العراق في ظل حاجتها لإيران. وتحت ضغط حاجة الولاياتالمتحدةلإيران في الحرب على الدولة الإسلامية، في سورية والعراق، لم تحرك الأولى ساكنا إزاء تمدد جماعة الحوثي المسلحة في اليمن، وهو البلد الذي أولته اهتماما خاصا لوجود أخطر أفرع تنظيم القاعدة -بحسب تصنيفها هي- فيه. وبهذا تكون الولاياتالمتحدة قد كررت الخطأ العراقي مرة ثالثة في اليمن التي يتواجد فيها أحد أخطر أعدائها، وربما ارتفعت أسهم خطر فرع تنظيم القاعدة في هذا البلد عقب تبنيه لعملية باريس التي استهدفت صحافي صحيفة "شارلي إيبدو". والمهم هنا هو ما يبدو تناقضا في حرب أمريكا على الإرهاب، حيث تحارب خصومها بما تُرجع إليه تنامي قوتهم. وبما أنها المعنية بالحرب على الإرهاب، والعارفة بكل تفاصيلها، نظرا لتجربتها الطويلة فيها، فلا يمكن بحال إرجاع مثل هذا التصرف إلى غبائها في التعامل مع هذه الحرب، بل إلى شحة أو انعدام خياراتها الصحيحة، فلو قررت أمريكا تجاوز هذا الخطأ ربما لن تجد الصحيح لتفعله، فالسُنة، في نهاية المطاف، لن يتجاوبوا مع هذه الحرب بالشكل الذي تريده أمريكا، كما إنه لا وجود لدافع عقدي يجعلهم يبلون حسنا فيها، ولا يتجاوز وجودهم التغطية على طائفيتها أو على كونها تستهدف إسلاما سنيا. قاسم سليماني في اليمن وفي ظل سيطرة جماعة الحوثي على السلطة في اليمن، وتتويج ذلك، الأسبوع الماضي، بإعلان "الإعلان الدستوري" بالإضافة إلى ما قد يتبعه من خطوات، تبدو اليمن على أعتاب حرب طائفية مدمرة، كما هي الآن في العراق وسورية. وبما أن جماعة الحوثي تصدرت مشهد الحرب على الإرهاب في اليمن، بعد أن أسقطت السلطة، فستحظى بدعم أمريكي، كما حظيت به جهات شيعية في العراق وسورية. ومثل ما وقفت جمهورية إيران إلى جانب نصيرية سورية، وشيعة العراق، ستقف إلى جانب حوثيي اليمن، وستقدم لهم الدعم على أكثر من صعيد، خصوصا في الجانب الأمني والعسكري. ومن غير المستبعد، إن عانت جماعة الحوثي في حروبها القادمة، أن ترسل إيران إلى اليمن قائد الحرس الثوري، قاسم سليماني، أو غيره، كما أرسلته وآخرين إلى العراق وسورية، وهذا يعني أن اليمن قد تشهد أشكال العنف ذاتها التي شهدتها سورية والعراق، حيث وصل التنكيل الطائفي بالخصوم في هذين البلدين إلى مستويات مخيفة. وبدون إيران، لن يصل الصراع الطائفي في اليمن إلى هذا المستوى من التوحش، فالزيدية، في نظرتها لخصومها السنة، تتوقف عند مستوى معين من العداء وما قد يترتب عليه من إجراءات عملية. داعش في اليمن وفي مقابل التحول الزيدي، نتيجة لتدخل إيران، لا بد أن تحولا سنيا مماثلا، أو أكبر، سيحدث كردة فعل، مثل ما حدث في العراق وسورية، فلولا وحشية التعامل من المعتقلين السنة في سجون هذين البلدين، ووحشية استهدافهم خارج السجون، لما كانت هناك وحشية الدولة الإسلامية التي كان إعدام الطيار الأردني حرقا مجرد نموذج من نماذجها. وبما أن الدولة الإسلامية قد أعلنت تمددها إلى اليمن، قبل أشهر، بعد أن أعلنت مجموعة منشقة عن تنظيم القاعدة في هذا البلد البيعة لها، فستهوي إليها أفئدة كثير ممن طالهم أو طال ذويهم الأذى الحوثي لأسباب طائفية، فمن يريد الانتقام سيبحث عن أبشع طرقه ووسائله. وتمدد الدولة الإسلامية إلى اليمن، وسير خصومها في طريق يغذي وجودها وتناميها، يعني أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعمل ضد أهداف حربها على الدولة الإسلامية في العراق وسورية، حيث كان تقليص نفوذ الدولة، وإعادتها إلى ما قبل السيطرة، والحيلولة دون توسعها، من أهم أهداف حرب أمريكا عليها. ومن المهم الإشارة إلى الدور الذي سيلعبه تنظيم القاعدة في هذا البلد الذي تشارك إيران وبشكل فاعل في رسم مستقبله. استعداء سنة اليمن وكما استعدى تدخل إيران سنة العراق، ودفعهم إلى رفض التعاون في مجال الحرب على الإرهاب، كون إيران جزءا من هذه الحرب، وكونهم طرفا في صراع هي وأدواتها طرفه الآخر، فسيُحدث تدخل إيران في اليمن الأمر ذاته، ولن يكون بمقدورهم وضع الحرب على الإرهاب خارج سياقها الطائفي، وهو ما يفرضه سلوك جماعة الحوثي أيضا، من خلال تفجيرها لمساجد ودور قرآن ومعاهد وجامعات خصومهم السُنة، وتعميم تهمة "التكفير" وتهمة "الإرهاب" على هؤلاء الخصوم. وحتى لو أصبحت جماعة الحوثي هي السلطة الشرعية في البلد، بما لديها من قوة، وبدعم خارجي، إقليمي ودولي، وباتت المعنية بملف الحرب على الإرهاب، فلن تجد تجاوبا شعبيا معها في هذه الحرب، ولن تتمكن من إخراجها عن سياقها الطائفي، فتدخل إيران بهذا الشكل يتم بتفاهم مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويبدو أن أسوأ ما سيواجه الولاياتالمتحدةالأمريكية في قادم الأيام هو طغيان صفة "الطائفية" على حربها ضد الإرهاب، بعد أن أصبحت أنظمة شيعية في أكثر من بلد من ضمن حلفائها في هذه الحرب، وبعد أن أصبحت إيران من الفاعلين البارزين فيها. ومن شأن هذا أيضا أن يؤثر على موقف الأنظمة السُنية الحليفة للولايات المتحدة في هذه الحرب، على اعتبار أنها ستقاتل إلى جانب التطرف الشيعي ما يُصنف أمريكيا على أنه تطرف سُني.