تتبدى ملامح التحديات التي تواجهها دول الخليج يوما بعد يوم .واذ اصبح التحدي الإيراني مهددا متعاظما وحالا في خطورة خطواته وبرامجه والوقائع التي يفرضها على الارض يوما بعد يوم، فمثل هذا التحدي ما يزال يبحث عن رؤية ابعاده الكلية ،فهو ليس خطرا ناجما عن اختراق لدول عربية في المحيط فقط ،وليس خطرا يتعلق بتصاعد الدور الإقليمي الساعي للهيمنة والسيطرة والتأثير بالاضطراب على الاوضاع الداخلية لدول الخليج ،بل هو خطر يتعلق بمدى نجاح ايران في تشكيل منظومة من التحالفات الدولية، تعترف لإيران بمثل هذا الدور الإقليمي وتدعمه وتغزيه وتضغط لأجل القبول به… وتلك نقطة حاسمة في تقدير مثل هذا الخطر. فنحن امام دولة تقيم تحالفا مع روسياوالصين ،وتسعى لتشكيل منظومة شراكه مع خصوم هاتين الدولتين ،اى الولاياتالمتحدة واوروبا ،لتصبح هي الدولة الاولى التي تجمع في تحالفاتها بين النقيضين، وفق اتفاقات ملزمة .وتلك وضعية تتطلب تحركا موازيا للمخاطر الناجمة عنها ،بحكم مدى تأثيرها على معالم قوة ايران في الاقليم على حساب دول الخليج تحديدا. لقد تطورت القدرة الايرانية على التوسع في الاقليم حتى صارت في وضع القتال الضاري المتواصل على الارض العربية لتثبيت انظمة حكم ملحقة باستراتيجياتها ،باتت تمثل –بدورها-مجالا لاختراق المجال الحيوي بما يجعل منها نسق دفاع استراتيجي خارج الأراضي الايرانية ،يحقق حالة استراتيجية على صعيد حماية مقومات ودور الدولة الفارسية وحالة تهديد لدول الاقليم الاخرى. وتمكنت ايران من تشكيل فيالق عسكرية غير نظامية كأذرع خارجية تهدد كيانات الدول واستقرار الحكومات غير المالية لها او المقاومة لنفوذها ودورها ،وهى طورت استراتيجيات تلك الفيالق حتى باتت في وضع الارتباط العلني بالقوات الايرانية- حتى بات قاسم سليمان يقود المعارك مباشرة وبشكل علني في العراق –بما يجعل ايران في وضع التهديد المباشر لدول الاقليم عبر القوة العسكرية الايرانية لا الفيالق الخارجية فقط، وبذلك انتقلت ايران من حالة الدعم غير المباشر لميشياتها في الدول العربية الى وضعية الدعم المباشر ،وهى انتقلت اخيرا الى وضعية قتال قواتها العسكرية بشكل مباشر على الارض العربية. كما ان التهديد الإيراني لم يعد متوقفا عند حدود الدول التي جرى ايصالها الى وضعية الاضطراب او الفشلب، بل بات ممتدا الى داخل الدول الاخرى كمهدد محتمل ،بفعل استراتيجيات ايران في تحويل التشيع الى ظاهرة سياسية ثم ظاهرة محاربة ،ضمن اطار المنظومة المفاهيمية لولاية الفقيه التي تحول الكيانات والكتل السكانية الى محاور مرتبطة بالاستراتيجية الايرانية خصما من الارتباط بمنظومات الدولة الوطنية في محيطها . لقد صار كل ذلك واضحا ومحددا ،بل هو بات في وضع المواجهة من قبل دول الخليج بطريقه او اخرى ،غير ان البعد الدولي في ادارة الصراع مع ايران ،ما يزال بحاجه الى فهم وادراك وخطط للتحرك والمواجهة ،واول شروط النجاح فيه هو تحول دول الخليج من كتلة دول متعاونة مع بعضها البعض ،الى كتلة متوحدة على خطة استراتيجية محددة موحدة ،بما يضمن لها القدرة على التأثير في الوضع الدولي –الخطر-بكفاءة تتناسب مع حجم التحديات والتهديدات التي تطور ايران قدرتها نحوها عبر الاحداث والاختراقات والصراعات الجارية . لقد نسجت ايران خلال المرحلة السابقة نمطا استراتيجيا من العلاقات مع روسياوالصين ،في ظل انشغال دول الخليج بتحديات اخرى دون تحديد صحيح لطبيعة اولوية التحدي الإيراني ،او بسبب غياب رؤية متابعه بدقة للحجم المتنامى لتلك التحالفات الايرانية ،وربما كان الاصل ،ان دول الخليج لم تدرك حجم التغييرات في الاستراتيجيات والمواقف الامريكية ،اذ ظلت تعتمد مفاهيم وتصورات قديمة بشأنها ،فيما كانت ايران في وضع الاستفادة من تلك التغييرات .جرت مراهنة خاطئة على الموقف الأمريكي الذى كان قد تحرك بعيدا. وقد برزت نتائج التحالف الإيراني مع روسياوالصين ،في تقوية اوضاع الدولة الايرانية مجالات الاعمال التسليحية والسياسية المتعلقة باستمرار نظام الحكم وتقليل احتقان الراي العام الداخلي عبر التقليل من اثار عزلة النظام ، وعلى صعيد توفير الغطاء بل الحماية الدولية للتمدد الإيراني بالقوة المسلحة في دول الجوار .لم يشكل التحالف الإيراني مع الروس والصين سياجا دوليا لحماية ايران "الدولة داخل حدودها"، بل شكل سياجا دوليا وحماية لمخططاتها التوسعية . لقد تمدد مثل هذا التحالف حتى اصبح تحالفا شاملا للموالين لإيران ولنشاط الفيالق العسكرية الايرانية في الاقليم، كما هو الحال في سوريا ولبنان والعراق وفي اليمن الان. وفي ذلك جرت الاستفادة من التغييرات التى جرت على الاستراتيجية الامريكية في الاقليم ،وكان النموذج الاشد وضوحا هو ما جرى في المعركة حول سوريا ،اذ جرى التقاء ايرانى روسى صينى امريكى ،على بقاء الاسد –ولكل كانت اسبابه-فيما كانت المواقف الخليجية في موقع السعى لاقصاؤه ،وهو ما شكل غطاءا دوليا عمليا لبقاء الاسد ،فيما اصبح الموقف الاخر مكشوفا وتواجه خطته عراقيلا متعاظمة . واذ نشطت ايران في مساعيها لتحويل حالة التوافق العملى مع الولاياتالمتحدة في سورياوالعراق وافغانستان ،الى اتفاقات مكتوبة –دون المساس بتحالفها المتين مع روسياوالصين-فهى تستهدف تحويل ما حققته على الارض من نفوذ وسيطرة الى وضعية معترف بها دوليا،ولاشك انها تخطط للتتحول بعد توقيع الاتفاق الى نمط الحركة المتدرجه والمتدحرجه في دول اخرى جديدة –خلاف العراقوسورياواليمن والبحرين-وهى لن تكون سوى دول الخليج ،وهو ما يعنى انها ستعود الى جولة اخرى جديدة تظهر فيها تشددا وميلا للسلوك العسكرى في تدخلاتها ،في حالة تكرارية لمرحلة محمد خاتمى التى تميزت بالانتشار الناعم ،لتعقبها بمرحلة مشابهة لحكم احمدى نجاد التى نقلت الانتشار الناعم الى الحالة العسكرية . وهنا لا بديل امام دول الخليج من مواجهة المرحلة الراهنة وتداعياتها القريبة ممثلة في الاتفاق الامريكى الايرانى ،من خلال تحولات على الصعيد الخليجى بهدف تعظيم القدرة وعلى الصعيد الاقليمى باقامة تحالف اقليمى قادر على تشكيل قدرة على المواجهة –وبشكل خاص مع تركيا-كما يجدر البحث عن اختراقات في المواقف الغربية باتجاه المواقف الاوروبية وربما باتجاه المانيا وفرنسا خاصة ،وعلى الصعيد الدولى باتجاه الصين ايضا. وهنا لابديل عن التشديد على ان اعادة ترتيب التحالفات او تغييرها لا يتعلق بتوقيع الاتفاق الأمريكي الإيراني من عدمه، اذ استفادت ايران في ظل عدم وجود اتفاقات من قبل .