رسالة مفتوحة إلى وزير الخارجية    اليوم برشلونة والريال..السباق على الليقا    تسجيل 17,823 إصابة بالملاريا والأمراض الفيروسية في الحديدة منذ بداية 2025    ثورة النسوان.. تظاهرة لم تشهدها عدن منذ رحيل بريطانيا    بايرن ميونخ يتوج بطلاً للدوري الألماني اثر تغلبه على بوروسيا مونشنجلادباخ    وزير الخارجية الإيراني: لن نتنازل عن حقوقنا النووية    بايرن ميونيخ يحتفل بلقب الدوري للمرة ال 34 ويودع نجمه المخضرم توماس مولر    الموسم المقبل.. 6 أندية إنجليزية في دوري الأبطال    الملك سلمان يرعى نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين    رسالة الحرائر إلى رأس الافعى الذي منع توريد وقود الكهرباء    "صوت النساء يعلو".. احتجاج نسوي واسع يطالب بإنهاء التدهور الخدمي والمعيشي في عدن    مايهزك نبيح ياعدن    مطالبة بالخدمات أم أمر آخر    مرحلة عصيبة ومعقدة تمر بها عدن    وثيقة عقوبات قبلية تثير استياء واسع في اوساط المثقفين اليمنيين    الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما "طريق إجباري" نموذجًا    المقالح يبدي خشيته من استغلال اتفاق مسقط لتعزيز الكيان الانفصالي    - كيف ينظر وزير الشباب والرياضة في صنعاء لمن يعامل الاخرين بسمعه اهله الغير سوية    العدالة للداخل قبل الخارج..!    حركة الجهاد في فلسطين تنعى المحرر الشهيد معتصم رداد -عربي    إب تعيش ازمة وقود رغم اعلان شركة النفط انتهاء الازمة قبل أيام    تصاعد جرائم اختطاف وتهريب المهاجرين الأفارقة في شبوة    يعاقبون لأنهم لم يطابقوا القالب    أميركا والصين تختتمان جولة أولى من المحادثات في جنيف    إنصاف ينفذ جلسة إرشادية في الدعم النفسي للنساء في الأحياء الشعبية    عدن.. مظاهرة نسائية احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية وانقطاع الكهرباء    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ ناجي أحمد سنان    شاهد ..الانتهاء من معظم اعمال الصيانة في مطار صنعاء .. وقرب تشغيله    -    - طيران اليمنية في صنعاء تتحمل كلفة العالقين خارج اليمن الذين كانوا سيصلون صنعاء        - توقيع اتفاقية دعم اعلاني بين اللجنة الاعلامية باتحاد كرة القدم وشركة هيملايا الهند    الرئيس الزُبيدي يهنئ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيد النصر    ارتفاع حصيلة الإبادة الجماعية في غزة الى 52,810 شهداء و 119,473 مصابا    إصلاح ريمة ينعى الفقيد الوليدي ويثمن أدواره في نشر القيم الدينية والوطنية    عاجل: ترامب يعلن عن وقف الحرب بين الهند وباكستان    تأمين السكن يهدد ربع مليون نازح بمأرب    تحذير أممي من استخدام المساعدات طعما لنزوح الغزيين    الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر المنتخب الوطني الداخلي في المكلا    كفى عبثا كفى إذلالا.. أهذه شراكة أم استعمارٌ مقنّع؟    الأرصاد ينبه من الأجواء الحارة في الصحاري والسواحل    وسط توتر بين ترامب ونتنياهو .. واشنطن تلغي زيارة وزير الدفاع إلى إسرائيل    أنشيلوتي يترك ريال مدريد بعد الكلاسيكو    إثر خلافات أسرية.. رجل يقتل شقيقه بمدينة تعز    دراسة : عدد ساعات النوم الصحية يختلف باختلاف البلد والثقافة    وزير الأوقاف: تفويج حجاج اليمن سيبدأ الثلاثاء القادم    تصل إلى 100 دولار .. لجنة حكومية تفرض رسوم امتحانات على طلاب الثانوية اليمنيين في مصر    ارتفاع أسعار الذهب قبيل محادثات تجارية مرتقبة بين واشنطن وبكين    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    أول النصر صرخة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يرفض الإصلاح حمل السلاح؟
نشر في الخبر يوم 01 - 04 - 2015

دعوات كثيرة وعتاب واسع على حزب الإصلاح منذ دماج وحتى دخول صنعاء، شمل مختلف شرائح المجتمع بنسب متفاوتة، كلها تلوم سلمية الإصلاح، التي يصفها البعض بالمفرطة، ووصفوه بأوصاف غير لائقة (انبطاح، استسلام، عجز، غباء، ضعف، خوف) غيرها.
من يقف وراء هذه الأقوال هم كُثر، منهم طائفة لن نوجه الحديث إليهم، وهم أولائك الذين يقومون بهذا العمل كمهمة يستلمون أجورهم عليها فتلك وظيفتهم، هذه الفئة لن يكون لنا نقاشاً معها، فقط سنناقش بقية الفئآت التي تتلقف تلك الأقوال وترددها دون أن تتأملها.
ولأن نسبة الأمية القرائية في اليمن تبلغ70%في الأرياف، وفي المدن38% (حسب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو) في بيانها الذي أصدرته بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية، في الثامن من سبتمبر2013م) ولو أضفنا إلى ما أوردته هذه الدراسة، أن ما هو أخطر من الأمية القرائية في هذا الموضوع، هي الأمية الدينية، الأمية السياسية، الأمية بنظام الحكم، الأمية بفقه الدعوة، الأمية بفقه الواقع، الأمر الذي يحتم تبيين موقف الإصلاح من عدم حمل السلاح.
هذه الفئآت التي تعاني من بعض تلك الأمية أو كلها، جعلها عرضة لتلقي كل ما يُشاع، الأمر الذي دفعها إلى أن تصب استنكارها وغضبها في المكان غير المناسب، وهو بالضبط ما تهدف إليه تلك الشائعات، نقول ذلك ليس تنزيهاً ولا تأليهاً لتجمع الإصلاح من عدم الوقوع في الخطأ، فمن لا يخطئ هو ذلك القابع في زاوية من زوايا التاريخ المنسية، لكن الحديث هنا سيكون مقتصراً على موانع القيام بحمل السلاح والمواجهة.
ولكي نفهم الموضوع لابد أن نتفق بداية بأن مهمة الناس جميعاً هي عبادة الله، وكون الأمة بحاجة إلى من يرتب شؤونها، وجب عليها أن يكون لها من يُمثلها، ويرتب شؤون حياتها، وهم الحكام الذين يجب اختيارهم من الشعب بصفات ومهام محددة وواضحة، وعلى الأمة مراقبة ومحاسبة هذا الحاكم، من خلال الوسائل المختلفة، منها مجالس النواب في العصر الحالي.
المستبدين يحرصون على تكريس عامل الأمية بكل تنوعاتها بين شعوبهم، ليجهلوا حقوقهم على الحاكم وواجباته نحوهم، ليمارس المستبد استبداده، وعندها ظهرت المفاسد في كل نواحي الحياة، وحتى لا يستمر الوضع بهذا الشكل المتناقض مع الطبيعة البشرية، وجدت الحركات الإسلامية، كمحاولة لتصحيح مثل ذلك الإنحراف، من خلال مناصحة الحاكم من جهة، وتوعية الناس من جهة أخرى، استجابة لقوله تعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)) آل عمران.
لذلك نقول بأن الصفة الحقيقية التي عليها التجمع اليمني للإصلاح في اليمن، أنه حركة إسلامية دعوية، كما أن القول بأنه حزب سياسي، هو أيضاً قول صحيح، غير أن صفة الحزبية ليست الأصل، الحزبية هي أمر طارئ على الحركة الإسلامية، فرضتها العملية السياسية عام1990م على كل من يريد أن يوصل صوته إلى الحاكم، ويمارس العمل الجماهيري بين الناس، أن يكون له كياناً سياسياً، فإذا حاسبناه بالأصل الذي هو عليه (حركة إسلامية) سنجد بأن موانع كثيرة تمنعه من استخدام حمل السلاح، سنأخذ أهمها وأبرزها كما يلي:
1-المانع الديني
على رأس كافة الموانع سنجد دائماً السبب الرئيسي الأول وهو السبب الديني، بمعنى موقف الدين من حمل السلاح للقتال، العنف، الحرب.
عند مانتأمل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي يُحاجج بها من يلوم الإصلاح على عدم حمل السلاح، هي نفس الآيات والأحاديث التي يحتج بها علماء الإصلاح على عدم حمل السلاح، ما يعني وجود نوع من القصور لدى المحتجين في فهم مدلولات تلك الآيات، وأنهم يُحملونها غير ماهي عليه، لأنهم يأخذون ظاهرها، فيقولون بأن لفظها موجه إلى المؤمنين، إلى الناس جميعاً.
لكن العلماء يقولون بأن سبب توجيه الخطاب إلى الناس جميعاً، لأن الأمة هي صاحبة الشرعية، لذلك وجه الخطاب إليها، كما في قوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) المائدة38.
الخطاب موجه للأمة، وكونه يستحيل على الأمة كلها أن تجتمع لتنفيذ ذلك الحد، توجب عليها اختيار والياً، يقوم بتنفيذ مثل تلك التوجيهات، إضافة إلى رعاية مصالح الأمة، ومثله موضوع الجهاد والقتال، كون الآيات التي ورد فيها القتال والجهاد، المسؤول عن تنفيذ ما ورد فيها هم قادة الأمة (رؤساء الدول في الوقت الحالي) لأن صرف مثل تلك الآيات إلى غير الحاكم، سينتج عنه مفاسد كثيرة، فكل جماعة من المسلمين ستخرج للقتال باعتبار أنها المعنية بذلك التوجيه، ومن أنكر ذلك وجب قتاله، فيتحول القتال بين الجماعات الإسلامية المختلفة، فتحل الفوضى، وهذا ماهو حاصل في الوقت الحالي، كل جماعة تقتل في الجماعة الأخرى معتبرة بأنها هي التي على الحق، وأنها المعنية بالقيام بذلك التوجيه من حمل السلاح والقتال.
مع العلم بأن تلك الآيات دعت للقتال ولم تدعو إلى القتل، القتال يعني مواجهة عدو، بخلاف القتل، ما يعني بأن القتل بهدف القتل ليس هدفاً من أهداف المسلمين، بل إن الحفاظ على النفس البشرية هو الأصل، لأن حياة الإنسان (أي إنسان بغض النظر عن دينه) من القيم العظيمة التي رعاها الإسلام وحرص على عدم المساس بها، من أجل ذلك جعل العلماء الحفاظ على النفس من أهم المقاصد الضرورية، التي جاءت الشريعة الإسلامية لرعايتها والحفاظ عليها، وأن جميع المقاصد الشرعية الأخرى، تعود إلى هذه النفس وما يتحقق لها من السعادة والحماية في الدنيا والآخرة، ولذلك فإن الإعتداء عليها من كبائر الذنوب، قال تعالى (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) ﴿سورة المائدة32﴾
الملاحظ أن الآية هنا لم تشترط أن تكون هذه النفس مسلمة، ما يجعلها تشمل كل بني البشر بدون استثناء، فكيف يتم إباحة قتل النفس بدون أن تقترف ما ذكرته الآية أعلاه ؟! ولخطورة هذا الأمر، فإن المعني بحمل السلاح وإقرار الجهاد والدعوة إليه هو ولي الأمر(الحاكم) الذي يتوجب عليه أيضاً أن يناقش هذا الموضوع مع أهل الحل والعقد، ليقرر الجهاد من عدمه، لذلك لم تتنزل مثل هذه الآيات في الفترة المكية التي لم تكن قد تشكلت فيها الدولة، وحين تشكلت الدولة في المدينة المنورة نزلت تلك الآيات التي تدعوا إلى الجهاد، والنفير، والقتال، وتطبيق أحكام الشريعة والحدود.
وحين نتأمل سيرة المعلم الأول(عليه الصلات والسلام)سنجد بأن السلم والرفق، كان هو الأصل في حياته كلها، وبذلك نزلت الآيات القرآنية الكريمة، وأن الحرب والقتال أمر استثنائي، يكون في أضيق نطاق، لا يتم اللجوء إليه إلا حين تفرضه الضرورة، فطوال حياته (عليه الصلات والسلام) الممتدة من بداية الوحي، حتى الوفاة 23عاماً، وهو ما يعني8,280 يوم، إذا قارناها بعدد غزواته، سنجد بأنها في أصح الروايات بلغت(27)غزوة، كانت مهمته في أغلبها إدارة المعركة، ولم يباشر القتال إلا في سبع: بدر، أحد، الخندق، قريظة، المصطلق، الطائف، حنين.
أما بعوثه التي بعثها ولم يخرج فيها بنفسه: فإنها تناهز الخمسين، فيصير المجموع بضعاً وسبعين، غزوة وبعثة، وبالمقارنة بين عمر الدعوة8,280 يوم، وعدد تلك الغزوات والبعوث التي بلغ مجموعها سبعين، كم ستكون النسبة بين فترة التعايش السلمي التي قضاها بدون قتال أو مواجهة ونفير، وبين الفترة التي تم فيها حمل السلاح ؟! مع العلم بأن كل تلك الغزوات والبعوث العسكرية، كان لها أسباب ومبررات، وإذا قارنا أيضاً بين الفترة التي صاحبها الجهاد والقتال، وبين المساحة الواسعة للمناطق التي أصبحت تحت سيطرة الدولة الإسلامية التي كان هو الحاكم فيها، سنجد بأن تلك السيطرة لم تكن من خلال القوة أو السيف.
الأمر الآخر: أن الآيات والأحاديث التي ورد فيها لفظ الجهاد، الذي يعني بذل الجهد والمشقة، لا يقتصر مفهومه على حمل السلاح، فللجهاد صور كثيرة ومتعددة لا حصر لها، وحمل السيف واحد منها، استخدم في أضيق نطاق، ومن شروطه أنه لا يقوم به إلا الحاكم، كما سبق الإشارة إليه، فليس واجباً علي الأمة أو الجماعات الإسلامية القيام بذلك، إلا حين يدعوهم الحاكم ويستنفرهم إليه، عندها يقع اللوم والعتاب علي المقتدر منهم، ويتحقق قوله تعالى(يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض)التوبة 38.
2- مانع أخلاقي
إن مطالبة الحركة الإسلامية، بخوض الصراع السياسي، بنفس طرق ووسائل الأطراف الأخرى، التي لا تتقيد بأي قيم دينية أو أخلاقية أو إنسانية في تعاملها مع الآخرين، كونها تتعامل بمفهوم قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) تقتل، تسرق، تخلف الوعد، تخطف، تفعل كل ما بوسعها القيام به لتحقيق غايتها، تلك المطالبة لا تستقيم مع دين وقيم ومبادئ الحركة الإسلامية، التي تدرك بأن الله سائلها ليس على سلوكها فقط بل على نواياها، لأنهم إن فعلوا ذلك لن يكونوا دعاة، سيكونون بغاة، وعندها لا يمكن التمييز بين الفريقين.
3-مانع في الأهداف
ليس من مهام أي حركة إسلامية، السيطرة على الحكم، قد يكون من أهدافها الوصول إلى الحكم، ولكن ليس السيطرة عليه، وبينهما فرق كبير، السيطرة تعني استخدام العنف والطرق الغير مشروعة، بينما الوصول يعني السير ضمن الطرق المشروعة، فإذا وصلت إلى الحكم، بمعنى أصبحت هي الحاكمة، وصار بيدها كل مقومات الدولة، فإنها ستتحمل مسؤولية، بسط نفوذ الدولة، وتطبيق النظام والقانون، وقتال الفئة الباغية، والجهاد بضوابطه الشرعية، والقول بأن الأنظمة الحاكمة لن تسمح للحركات الإسلامية بالوصول إلى الحكم، فجوابه أن عليها أن تسعى بالطرق المشروعة في سبيل ذلك وسعها، فلا يتصور أن يحاسبها الله، لماذا لم تصل إلى الحكم ؟! سيحاسبها الله عن الجهود الممكنة والمتاحة التي بذلتها في سبيل الدعوة، من خلال السلوك قبل القول.
فما بقيت الحركة الإسلامية حركة دعوة لم تتسلم الحكم، فليست مسؤولة عن القيام بمهام الدولة، صاحبة الحق الشرعي والقانوني في تطبيق أحكام الدين وتنفيذ الأحكام، ومعاقبة الخارجين على القانون.
4-المانع القانوني
وأما القول بمحاسبة الإصلاح باعتباره حزب سياسي، فإن كل ما قلناه بشأن الحركة الإسلامية سابقاً، ينطبق عليه كحزب سياسي، بل إنه في حالة الحزب السياسي، يضاف إلى ما قلناه في الجانب الشرعي، مبررات قانونية وسياسية وإدارية، ذلك أن النظام السياسي، وقانون الأحزاب في أي دولة تمارس النظام السياسي التعددي، فإن القانون يُجرم على الأحزاب أن تقوم بمهام الدولة، سواء على مستوى الداخل أو الخارج، فالحاكم هو الذي يدير الدولة، وهو الذي يتحمل كافة المسؤولية عن كل ما يجري في البلد.
5-مانع في المهمة
وأما القول بأن على الحركة الإسلامية القيام بذلك لأن الدولة لم تقم بواجبها ولم تنفذ تعاليم الدين، ولم تحكم بما أمر الله، أو أنها ترتكب المحرمات والمعاصي أو حتى تشجع عليه، وغيرها من المبررات، فإنه قول لا يصح تحميله الحركة الإسلامية، مهما كانت مخالفات الحاكم، لأن ذلك ليس ضمن مهام الحركة الإسلامية، ما يجب على الحركة الإسلامية في مثل هذه الحالة، هو نفس ما يجب على الأمة جميعها، كونها جزء من الأمة، وما يجب على الجميع هو أن يثوروا ضد الحاكم، فإما أن يعتدل أو يعتزل، لأنه لم يقم بما يجب عليه القيام به، وإذا أصر على البقاء على تلك الحالة فلا يجب طاعته، لأن طاعته لم تشرع إلا عند قيامه بالواجبات التي عليه، وهكذا يتحمل وجوب القيام بتغيير هذا الحاكم كافة الناس، قد يختلف الإثم من شخص إلى آخر نعم، حيث العلماء مثلاً وقيادة الحركة الإسلامية، يكون عليهم الواجب الأول، المتمثل في توضيح مخاطر ما يقترفه الحاكم من مفاسد، وعلى الشعب أن يثور معها لخلع هذا الحاكم، أما إذا بادرت ودعت الناس للخروج لخلع الحاكم، فيجب على الجميع أن يخرج معها وإلا فقد يكون آثماً كل من يتخلف عن ذلك، ويكون الأكثر إثماً هو ذلك الذي يقف بجوار الحاكم الظالم ويناصره.
السؤال الآن هو: هل فعلت الحركة الإسلامية في اليمن (الإصلاح) هذا الواجب ؟!
الجواب بكل وضوح نعم فعلت كل ذلك، وهو أمرٌ لا ينكره إلا جاحد أو مكابر، فمنذ سنوات كثيرة، وخطبائها ودعاتها، يتحدثون عن فساد نظام الحكم في اليمن، والمخاطر التي ستصل إليها الأمور إن بقي الأمر كما هو عليه، وفي سبيل محاولة التخفيف من تلك المخاطر قدمت مرشحيها من المؤهلين والمثقفين في كل انتخاب نيابي، وكان الكثير من أبناء الشعب يختارون الفنانين والمشائخ الأميين، والجهلة من الذين يرشحهم النظام، على مرشحي الحركة الإسلامية، وحين استمر الوضع في التدهور قدمت الحركة مرشحها لانتخاب رئاسة الجمهورية في2006م وحين لم يجدي كل ذلك، خرجت للمطالبة بخلع الحاكم، لكن الشعب لم يكن بذلك المستوى، من المعرفة، والثقافة، والمسؤولية، للحفاظ على مصالحه هو، ثرواته، حريته، أمنه واستقراره، وكان الكثير يقفون مواقف سلبية من الحركة، ويتهمونها ويخونونها، بل كانت مواقف البعض عدائية.
وبسبب الأمية التي ذكرناها سابقاً، كان البعض يريد مثلاً من عضو مجلس النواب، أن ينهي كل مفاسد النظام السابق التي كرسها في كل مفاصل الدولة، بينما مهمة عضو مجلس النواب هي مهمة تشريعية ورقابية تضع القوانين، أما إذا تمكن أحد وزراء الحركة من الوصول إلى السلطة، فالجميع يريد منه أن يُحقق لهم كل أحلامهم وطموحاتهم، التي حلموا بها منذ عشرات السنين، وإلا فإنهم جميعاً لا خير فيهم، وأن الكل سواء، هؤلاء الناس يمارسون هذا النقد دون أن يكلفوا أنفسهم التحقق لمعرفة الإنجازات التي حققها من ينتقدونهم، برغم المعوقات التي يقوم بها النظام أمام النزيهين من الوزراء من مختلف المكونات، إضافة إلى أنهم يصغون إلى إشاعات الخصوم التي تهدف إلى الكيد من كل نزيه، وهو ما أظهرته الأحداث الأخيرة، خلال الفترة الماضية.
6-مقارنات فاسدة
أ-مطالبة الحركة الإسلامية بحمل السلاح، كما تفعل حركة حماس، هي مقارنة فاسدة، ذلك أن وضع حركة حماس يختلف كلياً عن وضع أي حركة في الوطن العربي والإسلامي، حركة حماس تواجه عدو واضح ومعلوم، وهذا الوضع هو الذي يقول فيه العلماء بأن الجهاد فيه يكون واجباً، يذهب المجاهد بدون إذن الأبوين، وبدون إذن الوالي، وهو مالم يتحقق في مجتمع كله مسلم وإن أضمر غير ذلك، فتلك مهمة الحاكم في مواجهته وردعه، بخلاف الوضع في فلسطين، الذي هو مواجهة مباشرة مع اليهود.
ب- مطالبة حمل الإصلاح للسلاح كما حصل في عام1994م هو الآخر قول غير مقبول، ففي ذلك الوقت الذي دعا فيه إلى النفير كان هو الحاكم وليس الحركة، وكانت تلك الدعوة لمواجهة مفسدة واضحة تتمثل في تقسيم الوطن، ومواجهة إمكانيات دولة مدعومة خارجياً، ومشاركة الحركة في ذلك النفير كان أمراً مُلحاً كما كان مُلحاً على كل قادر من أبناء الشعب، فلم يكن بمقدور الدولة مواجهة ذلك التكتل منفردة.
ج- القول بتناقض مواقف الحركة كونها رفضت المشاركة في دعوة الحاكم لمواجهة الحوثيين في2004م أيضاُ هو أمر يختلف عن دعوة الحاكم في1994م ففي دعوة 2004م لم تكن الدعوة لمواجهة مفسدة كما كانت في1994م ولم تكن مخاطر قوة الحوثي بتلك القوة التي كانت لدى دعاة الإنفصال، ما يعني بأنه بمقدور الدولة وقف جماعة الحوثي الخارجة عن الدولة، من خلال الجيش والقوة التي تمتلكها، الأمر الذي يوضح بأن تلك الدعوة لم تكن مُلحة ولا بريئة، وقد كشفت الأحداث بعد ذلك بأن تلك الدعوة لم تكن صادقة، بل كان هدف الحاكم منها هو إشعال الفتنة بين أفراد الشعب، ما يعني بأن تلك الدعوة مثلت دعوة إلى معصية لا يجب الاستجابة إليها.
د-عند اجتياح صنعاء من قبل الحوثي لم تواجه الحركة، لأن الحاكم لم يدعوها إلى ذلك، الحاكم عند اجتياح صنعاء تخلى عن مهامه ومسؤولياته، ولو خرج الحاكم وأعلن النفير العام، لوجب على الحركة الإسلامية وكل مقتدر من المواطنين أن يُلبي ذلك النداء، لكن الحاكم لم يفعل، فماكان ينبغي على الحركة ولا القادرين من أبناء الشعب القيام بتلك المواجهة.
ملخص المبررات
إذاً نخلص إلى القول في هذا الشأن: بأن القيام بفرض النظام وإجبار الناس على الإنصياع للقانون والنظام، وتنفيذ الحدود، ومعاقبة المجرمين على جرائمهم، هي مهمة حصرية على الدولة، شرعاً وقانوناً، وليس ضمن مهمة الحركة الإسلامية مهما كانت ومهما توسعت وانتشرت، لذلك فإن الإصلاح لم يحمل السلاح، ولن يحمله، سواء للوصول إلى الحكم، أو لمحاربة جماعة باغية، أو عصابة مسلحة، أو لمعاقبة مجرمين أو القتلة أو المفسدين، أو غيرها، وفي نظري فإنه لن يكون يوماً من الأيام ضمن خياراته، ولا أجندته، ليس عجزاً كما يقول البعض أو ضعفاً، أو خوفاً، أو استسلاماً، لكنه في المقام الأول، مخالفة شرعية للدين، والقيم، والأخلاق التي تقوم على أساسها الحركة الإسلامية، التي تعتقد بأن الله سيُحاسبها إن خالفت ذلك، أو تسببت في سفك الدماء وإزهاق الأرواح، فمن مهام أي حركة إسلامية هي الحفاظ على حياة الناس، ومحاولة تجنيبهم ما قد يضربهم جراء مخالفتهم قيم وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ليس في الدنيا فقط، ولكن في الآخرة، فكيف لجماعة تريد إنقاذ الناس من الوقوع في الأخطاء والمخالفات، للحفاظ على حياتهم وأرواحهم، أن تعمد إلى التسبب في قتلهم وإزهاق أرواحهم؟!
وأي حركة إسلامية أو حزب أو جماعة تقوم بذلك، قبل أن تتسلم الحكم بالطرق المشروعة، فإنها تخرج عن دائرة الحركات الإسلامية الذي تدعيه، وتتحول إلى جماعة مسلحة خارجة عن الشريعة الإسلامية والقانون.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.