الطقس المتوقع في مختلف المناطق حتى مساء اليوم الجمعة    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    مليار دولار التكلفة الأمريكية لإحباط هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    الدوري الاوروبي ... ميلان وليفربول يودعان البطولة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    "طاووس الجنان" و"خادمة صاحب الزمان"...دعوة زفاف لعائلة حوثية تُثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مافيها(صورة)    الحكومة تطالب بتحرك دولي لوقف تجنيد الحوثي للأطفال تحت غطاء المراكز الصيفية    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    إصابة 3 أطفال بانفجار مقذوف شمالي الضالع    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن والإمامة الحلقة «2»
نشر في الخبر يوم 13 - 01 - 2016


(الحلقة الثانية)
مفردات النظرية الإمامية في اليمن
يتفق الدارسون والمفكرون على أن النظرية تمثل " نسقاً فكرياً متسقاً يفسر ظاهرة أو ظواهر متجانسة ينتظمها قانون أو قوانين مشتركة.
والنظرية أياً كانت هي تفسير لظاهرة أو ظواهر من خلال نسقات استنباطية، يتضمن النسق إطاراً تصورياً ومجموعة من المفاهيم والتعريفات النظرية توضح العلاقة بين الوقائع، وتقوم بتنظيمها بشكل منطقي ذو معنى مستنداً إلى الواقع ومعطياته.
ولا بد أن تكون أي نظرية قابلة للإختبار العلمي والقياس لتثبت مصداقيتها، وسواء كانت النظرية ذات طابع مادي أو اجتماعي فهي ذات طبيعة تنبؤية تساعد على فهم مستقبل الظواهر ولو من خلال التعميم.
وإذا ما حاكمنا النظرية السياسية الإمامية بهذه المعطيات والقواعد المعرفية، فلن تصمد لحظة، إذ هي ليست نظرية معرفية ولكنها مجموعة تخريفات شكلت ايديولوجيا سياسية تاريخية تعصبية بعيدة كل البعد عن الأنساق المعرفية، وفرضياتها لا تقف أمام طرائق البحث والنظر العلمي، ولا يمكن اعتبارها حتى فرضيات ذات دلالة علمية، كما أن براهينها النظرية مجردة عن كل مناهج التحقيق المعرفي، حسية كانت أو تجريبية أو عقلية أو ميتافيزيقية، ومن هنا يحاول دعاة التشيع الإمامي قديماً وحديثاً الهروب من هذا المأزق بتلبيسها رداءً مقدساً من خلال تلفيق الروايات والنصوص الكاذبة التي تثبت فكرة الحق الإلهي وانحصار توريثه في سلالة معينة.
وتكاد تتلخص المعطيات والمبرات التي تطرحها نظرية الإمامة من خلال النصوص والروايات والأدلة التي يسوقها منظروها فيما يلي:
* الاختيار الإلهي للأئمة وأن الإمامة منصب مكمل للنبوة.
* الإمامة ورثة سلالية.
* عصمة الأئمة وأنه يوحى إليهم.
* الأئمة اثنى عشر فقط وأخرهم غاب في السرداب من طفولته.
* غيبة الإمام وتنصيب نائب ينوب عنه.
* الإمام الغائب هو المهدي المنتظر وسيعود آخر الزمن(عقيدة الظهور).
مثل هذه الجهالات ناقشها قديما الكثير من العلماء وفي زمننا تعرض لها باحثون إيرانيون فضلاً عن العرب منهم حجة الله نيكوئي في (كتابه نظرية الإمامة في ميزان النقد).
ولعلنا نحاكمها في دراسة قادمة من خلال كبار منظريها في زماننا فلاسفة التشيع المعاصر وحجته وآياته، وهما الدكتور علي شريعتي ومحمد باقر الصدر.
وقد ناقش نظرية الإمامة – علي التميمي في كتابه (نظرية الإمامة والمشكل المعرفي) وكثير من الباحثين والمفكرين، وهي في الأساس مجموعة أفكار توليفية غير متماسكة، ولا متجانسة، ولا تمتلك القوة المعرفية ولا المنطق العلمي، بقدر ما تحكي اشكالية نفسية سببها الصراع السياسي على السلطة، وباعثها الصراع العلوي العباسي، فقد كان العلويون ينتقدون على أبناء عمومتهم احتكار السلطة، ولما لم يظفروا بها عمدوا هم إلى تخصيصها وتملكها أبدياً مقدساً، وصاروا يسوقون لذلك الروايات والنصوص التي لا تقوى على الوقوف عند المحاكمة والنقد.
وتشكل عقيدة الإمامة بالنسبة لفارس والعلويين على السواء سفينة الوصول إلى السلطة لسببين رئيسين هما:
الأول: أن العلويين أو ما يسمى الهاشمية السياسية تجد نفسها أقلية طائفية سياسية، وتعتقد أنه يستحيل وصولها إلى السلطة عبر الشورى أو الديمقراطية وصناديق الإقتراع، فهي إذن تعتصم بنظرية الحق الإلهي لتبلغ بها السلطة السياسية.
أما بالنسبة للسبب الثاني، وهو خاص بأحلام فارس فإنها تجد في نظرية الاصطفاء والحق الإلهي مدخلاً لحضورها السياسي في قلب بلاد العرب لأنها تقدم نفسها بمثابة النصير للأقلية الطائفية في المنطقة.
ولعل من المفيد جداً هنا الاستدلال بما أورده شريعتي رغم أنه أحد فلاسفة الروح القومية الفارسية، وأحد المتشيعين للخمينية وولاية الفقيه، لكن يبدو أنه لم يجد بداً من البوح بالحقيقة ولو على سبيل المغالطة التي يسميها أحيانا بطرائق البحث في الاجتماع السياسي، يقول شريعتي في كتابه الإمامة والأمة:(إنني كنت متردِّداً في مسألة الإمامة، ولم تكن هذه المسألة مفهومة بالنسبة لي، بل إن مبدأ الانتخاب الذي أقرّ به السنّة كان برأيي أكثر تطوراً من الإمامة لدى الشيعة)(1).
لكن يبدو أن شريعتي أضطر لمجارات النزوة الخمينية ومشروع ولاية الفقيه، فهو في موضع آخر من الكتاب(إنّ كلتا النظريتين تعكس الحق والصواب، وتتفق مع الحقيقة، لكن نظرية الانتخابات تتفق مع الحق والحقيقة بصورة دائمة، بينما تتفق نظرية الوصاية مع الحق والحقيقة بصورة مؤقَّتة)(2).
هكذا إذن يبوح بالحقيقة في معرض النقد والمكاشفة، وهي النتيجة التي يصل إليها كل باحث يريد استعلاء الحقيقة وحدها، إذ لا مجال لتخصيص السلطة بنص مع أن القرآن الكريم تركها شورى بين المسلمين.

ولوعدنا لنظرية الإمامة في اليمن، تلك النظرية التي وفدت بوفادة يحي بن الحسين الرسي الذي لقب نفسه بالهادي إلى الحق، فإننا نجدها لا تختلف في معطياتها ومبرراتها عن نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية، وهي النظرية التي تقوم على الأفكار التي أوردناها آنفاً اجمالاً، غير أن المؤسس الرسي أضاف لتلك النظرية جملة من الأفكار التعصبية التي أسست لسلطانه الاغتصابي في اليمن، كما أسست لسلسلة من الجرائم الممنهجة والمبررة وفقاً لتلك النظرية.
ويعتقد بعض المقلين بحثاً ومعرفة – خاصة في اليمن- أن يحي بن الحسين الرسي مؤسساً ثانياً للمذهب الزيدي أو مجدداً له، والحقيقة أنه كان مؤسساً لدعوة سياسية تقوم على السلالة الهاشمية مستخدماً نظرية الإمامة والحق الإلهي لدى فرق الشيعة، ولكنه لم يقتصر على تلك النظرية بل أضاف للنظرية جملة من الأفكار والمسوغات لتغدو أكثر تطرفاً ووحشية، فهو لم يكن صاحب مذهب فقهي ديني كما يضن البعض بل صاحب مشروع سياسي فرَ به إلى اليمن البعيدة عن أنظار الدولة العباسية، واستطاع بمشروعه اقتطاعها وتغييبها لقرون طويلة.
إننا حينما نفحص تلك النظرية الهادوية نجدها ذات مطمع سياسي بالدرجة الأولى، اعتمدت على آليات سياسية وثقافية ذات أضرار نفسية واجتماعية خلفت دماراً حضارياً واسعاً في الإنسان والتاريخ والجغرافيا والنسيج الاجتماعي على مدى ألف ومئتي عام من الظلام والضلال، حد تعبير البتول في كتابه خيوط الظلام.
ويمكننا تلخيص أبرز عناصر النظرية الإمامية التي أسس لها يحي بن الحسين ومن بعده أئمة الإمامة والتشيع حتى دعاة الحوثية يومنا هذا وشكلت في الحقيقة عائقاً ومانعا أمام اليمنيين من بناء دولتهم الوطنية المستقرة، وأسميتها هكذا: موانع بناء الدولة اليمنية وهي كما يلي:
* ادعاء الحق الإلهي:
انطلقت الإمامة في اليمن من ادعاء الحق الإلهي في السلطة السياسية، وأن هذا الحق فيها منحصراً في سلالة آل البيت الهاشمي، وكان الرسي المؤسس يقول لليمنيين وهو يحاربهم ويقتلهم لأنهم ينازعوه السلطة في بلادهم: (والله لئن أطعتموني لما فقد تم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا شخصه)(3)
من أشهر المسائل التي خالف فيها الهادي – زيد ابن علي في مجموعه – حصر الإمامة في الحسن والحسين، وقد جعل الهادي يحي بن الحسين وخلفاؤه الإماميون من بعده حصر الإمامة في البطنين حق مقدس، وواجب على كل مسلم التسليم، به رضي أم كره.
ومجمل نظريته في الإمامة أنها خلافة النبوة واستمرار زمني لها، وأنها تتأتى بالتعيين والإختيار من الله جل وعلا على سبيل الإجمال كما في النبوة، وليس ذلك إلى الأمة، ولا بالقهر أو الوراثة أو الاختيار أو التنصيب فيقول: "وذلك أن تثبيت الإمامة في هؤلاء الأئمة (آل محمد الصالحين) جاءت من الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن ثبّت الله فيه الإمامة واختاره واصطفاه وبين فيه صفات الإمام فهو إمام مستوجب للإمامة "(4).
ويؤكد الهادي الرسي هذا المبدأ بقوله: ((فلا يلتفت إلى غير ما قلنا من أقاويل الهراجين وتعبث العابثين، وزخاريف كلام المتكلمين وافتراق أقاويل الجاهلين؛ ممن يقول: إن الإمامة بإجماع الرعية، وقول من يقول: بل هي لما يوجد من الآثار المروية في الملاحم المذكورة، وقول من يقول: هي بالوراثة لولد بعد والد، ولا يلتفون ويلهم لما تستحق به الإمامة من البينات والشواهد النيرات، همج رعاع وللجهال أتباع، لم يقتدوا بالحكمة؛ فيعلموا بما به تحق الإمامة لصاحبها على الأمة، قد جعلوا الحكم بها وفيها لغير من حكم الله وجعلوا الحكم بها إلى غير الله … ثم يجب على المسلم أن يعلم أن الحسن والحسين أبناء رسول الله وسبطاه… وعليه أن يعلم أن الإمامة لا تجوز إلا في ولد الحسن والحسين بتفضيل الله لهما وجعله ذلك فيهما وفي ذريتهما))(5).
وهم ينسبون أنفسهم لذرية الحسين والحسن مع أن المرء بإجماع كل المؤرخين النسابين تنقطع ذريته عند الرفع الرابع، لكن هؤلاء وطمعاً في السلطة السياسية ينسبون القداسة لهم ولنسلهم إلى قيام الساعة، لتغدو السلطة السياسية حصراً عليهم طبقاً لمروياتهم المدلسة التي أفتروها على الإسلام ورسوله، ولا يبارحون إعلان نزعتهم العنصرية على الدوام كما صدرها السفاح عبدالله بن حمزة في قوله:
فقلت مهلا يا أخا الزهادة إنا أخذنا عن رواة سادة
بأنهم للمسلمين قادة! وحبهم من أفضل العبادة!
ليس على ربي اعتراض لأحد يفعل ما شاء تعالى ومجد
لم يجعل الكلب سواء والأسد فاطرحوا ثوب العناد والحسد!
ياقوم ليس الدر قدرا كالبعر!،،، ولا النضار الأبرزي كالحجر!
كلا ولا الجوهر قدرا كالمدر!،،، فحاذروا من قولكم مس سقر!
أنظر كيف يشبه غير أبناء السلالة المتعنصرة بالكلب، والبعر والحجر والمدر، ويتوعد كل من يطالب بالمساواة بين البشر وبين المسلمين بسقر، ويعده مجرماً يستحق العقاب من الله، ويعد ذلك اختيار الله ورسوله، ولعمري إنها لفرية كبيرة على الله وعلى رسوله.
ومن نازع الهاشمية السياسية في هذا الحق فحكمه عند الهادي الرسي وأتباعه الإماميين قديمهم وحديثهم القتل هو وأولاده وأسرته، وهو باغ كافر لاغتصابه حق غيره، ويجب على المسلمين محاربته وقتله، وقد أفتى بذلك كل أئمة النظرية السياسية الإمامية في اليمن، وعلى رأسهم عبدالله بن حمزة الذي أصدر فتواه في نشوان الحميري من أقيال حمير، يوم أن دعا لنفسه بالملوكية والحكم، فأصدر بن حمزة فتواه فيه فقال:
أما الذي عند جدودي فيه
فيقطعون لسنه من فيه
ويؤتمون ضحوة بنيه
إذ صار حق الغير يدعيه
وقد ردّ مجد الدين المؤيدي أحد منظري الامامية المعاصرة (الحوثية) على نشوان الحميري -أيضا- في ادعائه الإمامة وليس هاشمياً من البطنين بقوله:
حصرَ الإمامةَ كالنبوة معشرٌ دانوا بخيرة ربنا الخلاقِ
في أحمد وبنيه أربابُ الهدى هم صفوة الباري ذوو الميثاقِ
قالوا الأئمةَ من سلالةِ أحمدٍ بأدلةٍ كالشمس في الإشراقِ
هذي مقالةُ آلِ بيتِ محمدٍ وأئمةِ الإسلامِ ذي الإشفاقِ
وأبى النواصبُ واليهودُ ضلالةً ومن اقتدى بهم من المُرَّاقِ
لا في حوالي ولا زعطان أو فلتان قول الطامع العفاقِ(6)
فلا يمكن لليمنيين أن يحكموا أنفسهم في ظل وجود هذه النظرية، وما عليهم فقط سوى تسليم دولتهم وسلطانهم وسلطتهم ورقابهم لهذه السلالة العنصرية قدراً من الله لا اخياراً. آه
أما عنصرية الإماميين الجدد(الحوثية) فتعبر عنها الوثيقة الفكرية بجلاء إذ تقول:(وأن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم هو أخوه ووصيه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من أولادهما كالإمام زيد والإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم بن محمد ومن نهج نهجهم من الأئمة الهادين).
ويقاتل الحوثيون اليمنيين اليوم لأنهم أرادوها ديمقراطية شوروية في عموم الشعب اليمني بعيداً كهنوت السلالة المقدسة، ولا غبار عند هؤلاء أن يباد الشعب اليمني قاطبة ليتبقى فقط من يؤمن بإمامتهم وسلطانهم المقدس، وسوف نتناول موقف الحوثية من الديمقراطية في دراسة لاحقة. آه
* جعل الإمامة أصلاً من أصول الدين:
هذا ثاني موانع بناء الدولة اليمنية خلقته الإمامة عاهة مستديمة في وعي شعبنا وجسده الاجتماعي، والبعض لا يدري ماذا يعني كون فكرة الإمامة تصبح أصلا من أصول الدين! وهي في الحقيقة تقييد لإرادة الشعب الجاهل المسكين، حيث يوهمون الجهلة أن إيمانهم لا يكتمل مهما بلغ إلا بالإيمان بالإمامة والكهنوت والدفاع عنها، ولهذا ترى جموع الجهلة تقاتل لاسترداد سلطة الكهنوت الإمامي الذي خرجت ضده ثورة السادس والعشرين من سبتمبر العظيم 1962م، يحملون الإمامة على أكتافهم وفي أفواه بنادقهم ليجرعوا بها شعبنا اليمني الغصص من جديد.
والأئمة عند هؤلاء قرناء للقرآن فهم وحدهم من يفهم القرآن وما على الناس إلا أن يتلقوا منهم، وهذا الاحتكار للدين يمنحهم حق تأويل القرآن بخرافاتهم التعصبية والسلالية، كما يجعل تدين الناس بهم ولهم، بمعنى تسخير الدين وأهله لخدمة النزوات العرقية والعنصرية، تماماً كما صنع اليهود مع التوراة والنصارى مع الإنجيل، ومن هذا القبيل كانوا ولا يزالون يفسرون القرآن حسب أهوائهم.
إنها نفس العنصرية التي نادى بها اليهود يوم قالوا((نحن أبناء الله وأحباؤه))، وصاروا يحرفون بموجبها التوراة لتتطابق مع توجهاتهم العنصرية، ونزعتهم الشيفونية، وهكذا صنع هؤلاء مع الإسلام كنص منحاز لهم دون غيرهم، ومع اليمنيين كعبيد سخرهم الله لخدمة النازية الشرقية القادمة من الرس وطبرستان والديلم، فلم تكن دولة الإمامة التي استمرت تحكم بعض مناطق اليمن طوال ألف ومئتي عام(284- 1382ه) في كل أدبياتها تعترف لليمنيين الواقعين تحت سيطرتها بالسلطة ولا تعاملهم معاملة الأحرار، فهم مجرد عبيد ورعايا، وقد وضعت تقسيماً طبقياً للمجتمع نقلته جزئياً عن بلاد فارس، فجعلت سلالة التنظيم الرسي– تحت مسمى الهاشميين- أعلى الهرم حكاماً أبديين لا يحق لأحد منافستهم، ومن نافسهم فحقه الموت ولو كان من أهل البلد.
وقد توالت ثورات اليمنيين المطالبة بالتحرر من هذا الاستعمار التاريخي فكانت أولاها ثورة علي بن الفضل، ثم ثورة اليعفريين، وثورة أبي الحسن الهمداني الثقافية، وثورة نشوان الحميري وغيرها، وصولاً إلى ثورة 26سبتمبر 1962م، وهي المنفذ الوحيد الذي سمح لليمنيين الانعتاق من سلطة الإمامة التاريخية.
الغريب أنه وفي كل مرحلة تظهر فيها دولة فارس تعاود هذه السلالة الظهور في اليمن والعراق بحثاً عن دولة الإمامة والحق الإلهي!
وفي كل مرحلة تنكسر فيها فارس (إيران المعاصرة) تخبو هذه النزعة وتتخفى لتعود إلى التنظيم السري من جديد.
وهكذا افتأت هؤلاء المدعون على اليمنيين طيلة ألف ومئتي عام، فمنعوا اليمنيين من بناء دولتهم الوطنية.
* التمييز الإجتماعي والتقسيم الطبقي للمجتمع:
هذا ثالث موانع بناء الدولة الوطنية في اليمن، وقد مارست الإمامة في اليمن شتى أنواع التمييز، وذلك للاحتفاظ بسيادة عرقها وتفوق جنسها، فعمدت منذ الهادي الرسي إلى تقسيم اليمن طبقياً ثمانياً، بحيث تكون الهاشمية السياسية أعلى طبقات المجتمع الثمان، وأطلقت على نفسها مسمى (السادة) وما دونها العبيد، وهم إلى مراتب مختلفة، منها المقرب منهم والمبعد، لا يهتمون سوى بالمستويات الثلاث الأولى للطبقية المختلقة، وهي مستوى السيد وهو الملك من السلالة المقدسة الحاكم لليمنيين باسم الله – كما يزعمون- أي أن الحاكم هنا نصف إله، فهم وكلاء الله في حكم اليمنيين، والاستبداد الذي يمارسونه بحق اليمنيين هو مراد الله ورسوله – حد زعمهم- وأما طبقة القضاة فهم عمالهم ووكلائهم في تطويع اليمنيين، وأغلبهم ممن ارتقى في محبة الاستبداد والعنصرية مراتب عليا، وأما القبائل ومشائخها فهم الجند وأدوات الحرب والقتال، ولا يجوز لهم مزاولة التعلم ولا وغيره من المهن، وقد غرسوا عند هؤلاء أن القبيلي يشرّف نفسه بخدمة السيد والقتال إلى جواره لاستعادة سلطته المقدسة، وأن هذه أشرف مهنة تجعله مقرباً من السيد، ويشير المثل(زنجبيل بغباره) إلى طبيعة القبيلي وكيف يجب أن يكون مسخراً فقط للحرب والقتال والخدمة، وحتى يظل القبيلي حاملاً سيفه للدفاع عن الإمامة فقد أباحوا له نهب وسلب المناطق التي لا تدين للإمامة، وهذه الثقافة كانت عبارة عن تعويض للقبيلي المقاتل معهم ، وأشبه بمكافئة مادية، ولهذا كانت القبائل ولا تزال تحمل سلاحها مع الإمامة ليبحثوا عن فرصة للفيد، وقد تعرضت صنعاء للفيد عشرات المرات، ومثلها بقية مدن اليمن وقراها.
وما دون هذه المستويات الطبقية الثلاث من بياعين أو حرفيين أو مزارعين أو حلاقين أو جزارين أو فنانين الخ فهم أصحاب مهن حقيرة ووضيعة، ويعدون عبداً للخدمة، لا وزن لهم ولا قيمة ولا حقوق، بل هم وما يملكون ملك للسيد.
أما ذوي البشرة السوداء فهم أدنى طبقة في المجتمع، ويسميهم الإماميون بالأخدام، وهم منبوذون لا يساكنوا ولا يزوجوا، ويعيشون خارج المدن والقرى بعيداً عن تجمعات الناس، وهم في نظر الإمامة أقذر من الحيوانات، ولا يستحقون العيش.
وقد أشار العودي في دراسته حول هذه الظاهرة إلى أن التخلف والإمامة حقرّت عن قصد سياسي الكثير من المهن والحرف والأماكن والفئات الاجتماعية، مقابل تميزهم الاجتماعي والعرقي على من عداهم من الناس, مؤكدا أن الأصل في الهوية السياسية الحضارية اليمنية هو " الانتماء العام للشعب" واحترام كل الأماكن والحرف والمهن المنتجة والانتماء الجزئي إليها وليس الانتماء العرقي والسلالي، وأن الأصل في الانتماء في اليمن هو المكان والمهنة والمجتمع وليس العرق أو السلالة.
كما نوه العودي إلى التشيع المغالي لفكرة "آل البيت" كان مطية لكل الباحثين عن السلطة, والتنكر لهم كوسيلة للدفاع عنها ( بدءاً بعباسي بغداد, مروراً بأئمة اليمن, وانتهاءً بالممالك الهاشمية الراهنة وحتى الثورة الخمينية نفسها "ولاية الفقيه), وانه لا أساس عقلي أو علمي أوديني أو إنساني لدعوى الانتماء الأثني النقي للرسول وآل بيته أو غيرهم.
لقد عمدت الإمامة إلى التقسيم الطبقي للمجتمع اليمني لتكون هي المالك الوحيد لسلطته والمتحكم الوحيد في ثروته، فجميع الناس خدم وعبيد لدى الإمامة ومن يتصل بها من الهاشميين الأثنيين المؤمنين بالإمامة، ولهذه الظاهرة خفايا إقطاعية راكمت على مدار ألف ومئتي عام عائدات مادية وميزات اجتماعية احتكارية لهذه الفئة دون غيرها، حتى صارت السلالة هي طبقة البرجوازية والأغنياء في اليمن، وما دونها الفقراء والمعدمين هم جموع الشعب اليمني.
واستخدمت الإمامة نزعة التمييز الاجتماعي من قبيل الحفاظ على كيانها العصبوي السلالي غير قابل للاندماج والذوبان في المجتمع اليمني، وسنت لذلك قوانين ألبستها ثوب العقيدة والدين، فمنعت على الهاشمية الزواج بغير الهاشمي، ورفضت أن يتزوج من لا ينتمي للسلالة بفتاة من بناة الهاشميين، في حين أجازت للهاشمي أن يتزوج من غير السلالة، غير أن زوجته تظل ناقصة، وهو يملكها، بل وتُلزم أن تنادي ولدها منه يا سيدي كونها أوضع منه شأنا وقدراً في نظرهم.
وقد زرعوا لدى اليمنيين ثقافة التسّيد لجنسهم، فصار اليمنيون جهلاً ينادونهم بالسيد وسيدي فلان، ولا يقبل أحدهم بأن تناديه بغير هذا اللقب، وكان اليمنيون حتى ثورة سبتمبر 1962م يقبلون أيدي وأرجل هذه السلالة من قبيل الاعتراف بالتمييز، بل كانوا يخصصون لها حقاً في كسبهم وأموالهم ويسمونه حق السيد، وحتى يستثمروا هذا الغباء والجهل المركب فقد عمدوا لنشر خرافات في أوساط العامة مفادها أن هذه السلالة المقدسة تمتلك الأسباب والخوارق، فيتقرب بها الناس في القحط لتنزل الأمطار، ويتداوى عندهم المريض فيكتبون له بعض التمائم بالمداد يمحوها ويشربها في الحليب فيتداوى بزعمهم، وهم يعالجون حتى الأبقار والبهائم بنفس الطريقة، لذا كانت العجائز تدخر حق السيد من السمن والعسل والحب وغيرها حتى يأتي فيأخذها وكأنها حق معلوم!
أعجبني في الحقيقة تسمية الكاتب سام الغباري لهم بابن بيض الدين في بعض مقالاته، فقد كانوا يأخذون حتى نصيبهم من بيض الدجاج باسم الدين، فحق السيد حق مقدس لدى كل يمني، وهو حق غير الزكاة والخراج. آه
غضب مجد الدين المؤيدي أشد الغضب يوم خاطبة العلامة المؤرخ اسماعيل الأكوع الحوالي حينما بعث إليه رسالة سماه فيها الأخ مجد الدين المؤيدي، فقام مغاضباً وكتب عن هذه الشتيمة وقلت الأدب وعدم الاحترام في مخاطبة من لهم الفضل والمنزلة العليا من سلالة آل البيت – حسب رأيه- وردّ على المؤرخ الحوالي برسالة كاملة يرفض فيها تسميته بالأخ فلان ويطالب الحوالي بالاعتذار، وينكر على الناس تعاملهم مع السلالة المقدسة – أبناء الرسول حد زعمه- بهذه الطريقة(7).
ولقد حاولت ثورة سبتمبر 1962م انتزاع هذه الحقوق الاغتصابية التاريخية عبر التأسيس لنظام مساواة اجتماعية وملكية فردية تنهي حالات الاقطاع والاسترقاق والاستبداد، وهو ما لم يتقبله الإماميون في وقته، وأخروه لميقاته، وظلوا يحضرون لثورة مضادة لثورة سبتمبر 62، تمثلت في نثرة إماميه جديدة في سبتمبر من العام 2014م.
* التعصب المذهبي والصراع الطائفي:
يستخدم الإماميون في اليمن التعصب المذهبي وسيلة لتعصيب الجغرافيا القبلية الزيدية للقتال معهم.
هذه الاستراتيجية ليست وليدة المرحلة الراهنة فقد مورست على هذا النحو طوال فترات التاريخ الوسيط والحديث، فلقد كان الأئمة يفتون قبائل شمال اليمن بنهب أموال ما دون الجغرافيا الإمامية، وللإمام المتوكل على الله اسماعيل مصنفاً في جواز أخذ أموال الشوافع مما دون جغرافيا الإمامة كونهم كفار تأويل.
وقد يرى البعض أن نزعة التطييف والتمذهب لم تمثل حقيقة الشعب اليمني وهو كذلك، غير أن الإمامة تاريخياً كانت تلجأ لدعوات الطائفية والتمذهب إما لتحقيق ممانعة جغرافية تحفظ دولتها أو لمطامع توسعية، فحينما كانت تشعر بانحسار وتراجع تلجأ لتأجيج الطائفية حتى لا تتمكن الدول الأخرى غير الإمامية كاليعفرية والرسولية وغيرها من بسط نفوذها على مناطق جغرافيا الإمامة، وهي الجغرافيا التي كان يطلق عليها الجغرافيا الزيدية.
أما في حالات التوسع فكانت الإمامة تعلن التعبئة الطائفية ضد بقية مناطق اليمن تحت مسمى فتوحات الدعوة الإمامية، على اعتبار أن ما دون الجغرافيا المذهبية كفار تأويل يجب أن يؤدوا الخراج.
وقد كانت سياسة الإمامة العسكرية تقوم على تجييش قبائل شمال شمال اليمن المعروفة بجغرافيا المذهب لتأديب القبائل والمناطق والقرى التي تخرج عن سيطرتها، ويكفي أن يقول الإمام لهذه القبائل مدينة كذا أو منطقة كذا فيد لكم!
هكذا وبهذه الطريقة تعامل الإمام يحي حميد الدين مع الزرانيق في الحديدة، ومع المقاطرة في تعز، وبنفس الطريقة تعامل مع مراد في مأرب، وهكذا حتى صار يعطي مشائخ القبائل الحق في تطبيق النموذج ذاته مع أي منطقة أو قرية تشذ عن سلطانهم أو سلطة عامل الإمام في المنطقة.
هكذا إذن كان التمذهب في اليمن تمذهباً سياسياً، ولم تكن المذهبية أحد الأسباب الحقيقية للخلافات بين اليمنيين، وإنما كانت تستخدم لإخضاع بقية مناطق اليمن لسلطة الكهنوت الإمامي، وهو ما تعيد تكراره اليوم مليشيات الحوثي وبنفس الطريقة، ذلك أن الحوثية تعد النسخة المعاصرة من الامامة التاريخية، وإن تمازجت مع المشروع الإيراني لكنها نبتة من نبتات الإمامة التاريخية.
لقد ظلت الإمامة حاكمت لمناطق شمال شمال اليمن حتى تحت مسمى الجمهورية، فالاتفاق الذي عُرف بالمصالحة الوطنيّة بين الجمهوريّين والملكيّين في العام 1967م ضمن للملكيين شراكة مناصفة في السلطة السياسية، ومن خلالها استطاع الإماميون تقمص دور الجمهوريين وتغيب الثورة السبتمبرية وقتل رموزها والالتفاف عليها وافراغها من مضمونها، ليغدو النظام مزجاً تركيبياً من الجمهورية المفرغة والإمامة المستترة، والدكتاتورية المستبدة، وخاصة في عهد الرئيس السابق صالح.
عمد هذا النظام المزجي إلى دعم نفوذ الإمامة والجغرافيا الطائفية من خلال شريحة القبائل المشكلة للقوة التنفيذية العسكرية لنظام الحكم طوال ثلاثة عقود، ذلك أن قوة اليمن العسكرية والاجتماعية تمركزت في المناطق حيث القبائل الأكثر قابلية للاندماج بدعوات الإمامة حال عودتها، وهو الامر الذي كان فعلياً في العام 2014م، حيث انصرفت وحدات الجيش التقليدي المشكلة من هذه الجغرافيا لمناصرة مشروع الإمامة المعاصرة ومليشياتها الوافدة من كهوف صعدة.
* نزعة مخالفة العرب:
حرص الفرس على مدى تاريخهم على تمييز أنفسهم عن العرب بشتى الوسائل، كردة فعل لا واعية على شعورهم بالقهر بعد ذهاب ملكهم على يد العرب.
وتبرز نظرية التشيع السياسي كما لو كانت توجها مضاداً لوجهة العرب، ولعل النزعة الشعوبية كانت تجري في عروقها مجرى الدم كما هو ظاهر من خلال المخالفة البارزة لكل ما يخص العرب وتوجهاتهم، وكأن لهم فهم للإسلام مغاير لفهم العرب، ومن ذلك مثلاً حكاية الأوصياء التي تناقض مبدأ الشورى، وحكاية السلالة المقدسة والدماء النقية التي تناقض مبدأ المساواة في دين الإسلام، وحكاية التميز العرقي التي تناقض فكرة الإخوة والإندماج الاجتماعي في الاسلام، وحكاية الحقوق الإلهية التي تناقض مبدأ المدافعة ورفض الاستبداد في الإسلام.
كما أن الباحث في تفاصيل مذاهبهم وتوجهاتهم يجدها لا تبتعد كثيراً عن هذه النزعة القومية الناتجة عن الاحساس بعقدة النقص تجاه العرب، فالطقوس الدينية تبدي مخالفة واضحة لعقيدة العرب ودينهم، فإذا كان العرب والمسلمون يحجون البيت الحرام، وهو الرمز الديني للاجتماع التاريخي الأول لحضارة الشرق على يد نبي الله إبراهيم – عليه السلام- أبا العرب وموحدها في أمة واحدة، فإن فارس ونزعة التشيع تسوق مناصريها للحج إلى كربلاء، ليس لأن فيها قبر الحسين – كما يزعمون- ولكن لأن العراق وبغداد بشكل عام يشكلان الواجهة الثانية لامبراطورية فارس في مراحل توسعها، وفيها "إيوان كسرى" المعروف ب"طاق كسرى" وهو معلم تاريخي بارز في جنوب بغداد.
صرح بهذا "علي يونسي" مستشار روحاني خلال مداولات منتدى " الهوية الايرانية" بأن إيران ستعيد الإمبراطورية الساسانية بالعمل على تهجير السكان العرب من "المدائن" وإعادة ترميم "إيوان كسرى"(8).
أما نظرية "الثأر المقدس"، التي تدعو إلى الثأر لمقتل الحسين من النواصب – حد زعمهم-فهي بمثابة إعلان حرب فارسية مقدسة بالاعتماد على فروع التشيع العربي، وهي استراتيجية لتفكيك المنطقة العربية عبر الحروب الطائفية كنوع من الانتقام لامبراطورية فارس التي ازال المسلمون شوكتها.
وحتى حينما يعود الباحث لفحص مفردات التمذهب الفقهي عند الشيعة بفصائلها فإنها لا تخلوا من هذه النزعة الشعوبية المضادة للثقافة العربية، فإذا كان فقهاء العرب يحرمون المتعة ففقهاء فارس يجيزونها، وإذا كان مفكرو العرب لا يثبتون المهدية والمهدي، فإن فقهاء التشيع ومفكروهم جميعاً يثبتونها، وإذا كان آذان صلاة العرب يقول (أشهد أن محمداً رسول الله) فأذانهم يقول:(أشهد أن علياً ولي الله)، وإذا كان العرب يضمون أيديهم في الصلاة فإن إيران تسربلها، وإذا صام العرب يوم الجمعة صامت إيران السبت، وإذا كانت العرب تأخذ الزكاة فإنهم يأخذون الخمس، وإذا كانت العرب تعظم الصحب الكرام فهم يذمونهم، وهكذا. وستجد أن كل الخلافات المذهبية والفقهية بين السنة والشيعة دافعها نزعة مخالفة العرب لا أكثر، وهذا ما فعله الهادي بن الحسين الرسي ومن بعده الإماميون في اليمن حتى اللحظة.
ولا يتوقف الحوثيون اليوم عن تمجيد فارس وحضارتها، وايران وقوتها، بل إن كل ثقافتهم التي يشحنون بها أتباعهم تصب في صالح إيران والدفاع عنها، ولقد سمعنا منهم آلاف الخطابات في المنابر والمساجد وهم يدافعون عن المشروع النووي الايراني وكيف سيشكل مصدر قوة للاسلام والمسلمين، وعلى النقيض من ذلك يشتمون المملكة ودول الخليج ويبشرون أتباعهم بفتح مكة والمدينة من جديد.
وإذا كانت هذه هي مفردات نظرية الإمامة القديمة والحديثة في اليمن، وهي ذاتها مفردات النظرية في غير اليمن، فإن الإمامة في اليمن عمدت لمجموعة من الآليات والوسائل القمعية المحققة لسيادة الإمامة واستبدادها في اليمن، نوردها على الاجمال، لنفصل فيها في مواضع لاحقة:
* الإبادة العرقية والجماعية.
* إحراق المنازل والمساكن.
* تدمير المؤسسات والمساجد.
* نهب الممتلكات ومصادرتها.
* سبي نساء المخالفين وقتل أطفالهم.
* فتح السجون واستخدام القيد والأغلال امعاناً في إذلال الخصوم السياسيين.
المصدر | الخبر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.