كتبت كارين ارمسترونغkaren Armstrong ( الراهبة التي تركت الدير لتصبح باحثة ومؤلفة مرموقة) قبل عشر سنوات من إطلاق جورج دبليو بوش أحدث حملة على الاسلام تقول :"يبدو أن الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي على وشك ان تستبدل بحرب باردة ضد الإسلام". وفي كتابها المعنون "محمد.. سيرة حياة نبي" ، كتبت آرمسترونغ تقول: "في الغرب هناك تاريخ طويل من الشعور بالعداء تجاه الإسلام ، وما يزال هذا العداء .... إن التحامل على الإسلام هو الذي دفع بالسكرتير العام لحلف شمال الاطلسي للقول عام 1995 بأن الاسلام السياسي لا يقل خطورة على الغرب من الشيوعية." وطبقاً للمؤرخ والمفكر صامويل هنتينغتون، فإن أحد كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي السابق كلينتون وصف الاسلام بأنه ند عالمي للغرب. كما كتب هنتنغون لاحقاً : " خلال الفترة بين 1980 1995 نفذت الولاياتالمتحدة 17 عملية عسكرية في الشرق الأوسط ، طبقاُ لوزارة الدفاع الأميركية, وكانت جميعها تستهدف المسلمين ، وهو رقم لم يسجله التاريخ العسكري للولايات المتحدة ضد أي شعب من أي حضارة أخرى." ما يقطع قول كل خطيب حين كتب هنتينغتون في كتابه الشهير " صراع الحضارات" : "إن المشكلة بالنسبة إلى الغرب ليست مشكلة الأصوليين الإسلاميين ، بل المشكلة بالإسلام نفسه ، الذي يمتلك حضارة مختلفة يؤمن أصحابها بتفوقها ...المشكلة في الغرب نفسه ذو الحضارة المختلفة والتي يؤمن أصحابها بتفوقها وصلاحيتها كنظام عالمي ، يرغبون في فرض هذه الحضارة على العالم ." ودعنا نشدد على عبارة "فرض هذه الحضارة على العالم". وهنا لا يُعد محض مصادفة أن تكون الدول والمؤسسات الموسومة بالشر من قبل إدارة بوش هي جميعها مسلمة. بل إن الحرب الباردة ضد الاسلام تحولت إلى حروب ساخنة ومنذ القرن الثامن عشر وبعده، أصبحت الدول الإسلامية تتهاوى الواحدة تلو الأخرى تحت مطارق الاستعمار الغربي الناشيء. وتم إيجاد نخبة مختارة في كل بلد مسلم تحت الاستعمار ودربت هذه النخبة لخدمة المستعمرين مقابل ما يحصلون على منافع خاصة بهم. وهكذا وجدت طبقة الواحد بالمائة في هذه المستعمرات وباتت مصالحها ومصالح المستعمر وقوانينه واحدة لا تتجزأ. وفي الوقت نفسه، كانت هذه المصالح، بطبيعة الحال، مختلفة عن مصالح الشعوب. أما في النظام الاستعماري الجديد، عندما أصبح النمط القديم من الاستعمار باهظ التكلفة، فقد اعتنق الغرب مبدأ الاستعمار غير المنظور؛ حيث منحت المستعمرات استقلالها وقام الغرب بتنصيب تلك النخبة التي قاموا بإعدادها وتعيين أفرادها قادة وحكاماً للبلدان المستقلة الجديدة. ومن خلال حرية تحرك رؤوس الأموال والسلع، استحوذ المستعمرون الجدد على القطاعات الصناعية والمالية والشركات الأخرى في المستعمرات السابقة عن طريق الشركات متعددة الجنسيات التابعة لهم. لجأت بعض أنظمة الحكم العلمانية الإسلامية، المنتخبة أو المدعومة من قبل الغرب، إلى ربط العلمانية بالهجمات الشرسة والوحشية ضد الإسلام نفسه. فقد أغلق كمال أتاتورك المدارس الإسلامية ، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما فرض على الرجال والنساء أن يرتدوا الزي الأوروبي. وقبله قام محمد علي في مصر بتجريد رجال الدين من مخصصاتهم المالية. وعلى هذا النحو، حرم رضا شاه بهلوي في إيران المؤسسات الدينية من التبرعات والمخصصات واستبدل الشريعة بنظام مدني، على نحو ما فعل أتاتورك في تركيا العلمانية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل به غِيُّه إلى منع أداء فريضة الحج، وهو أحد أركان الإسلام. أما ابنه محمد رضا شاه فقد كان يكن للإسلام أقسى ضروب الحقد والعداء وبذل قصارى جهده ليعيد نشر الثقافة الفارسية كما كانت عليه قبل الإسلام،. وننتقل إلى الحبيب بورقيبه الذي قام هو الآخر بتغيير الشريعة الإسلامية ليحولها إلى نظام مدني وصرّح بأن صيام شهر رمضان يعطل العملية الإنتاجية ويعوق تقدمها، وما كان منه إلا أن شرب على رؤوس الأشهاد نخب التخلي عن صيام شهر رمضان. وتعتبر العلمانية العدوانية للجنرال الباكستاني محمد أيوب خان مثالاً صريحاً آخر على النكهة المعادية للإسلام التي تمتاز بها العلمانية التي سادت في الدول الإسلامية. فقد قام محمد أيوب خان بتأميم الاوقاف الإسلامية وفَرَضَ قيوداً صارمة في التعليم المدرسي واعتناق نظام علماني قانوني. مثل هؤلاء كانوا هم الحكام الذين دربوا أثناء فترة الحكم الاستعماري، وجرى تلميعهم وصقلهم ليكونوا الحكام الجدد للدول الإسلامية المستقلة حديثاً. وأصبح الإسلام العلماني على شاكلة إسلام أتاتورك، هو الأجندة الرسمية الحالية المفضلة للإسلام الأميركي الذي يروق للولايات المتحدة، فهي التي تقرر الآن أي المؤسسات تعتبر إرهابية، وذلك بشكل فرضي ودون أن تقدم أي تعريف لمصطلح الإرهاب. لقد صرح ولفويتز (Wolfowitz) أن الإسلام العلماني الذي أسسه أتاتورك هو نفسه نموذج الإسلام الذي تريد الولاياتالمتحدة أن تراه مطبقاً في الدول الإسلامية. ولكي تطبق الولاياتالمتحدة عولمتها الاقتصادية والثقافية كان لزاما توحيد الأنظمة العالمية بنظام رأسمالي واحد يقف الاسلام وأتباعه الذين يشكلون ربع البشرية ويجلسون فوق أهم مصادرها الطبيعية وهو النفط ، فقرر المحافظون الجدد الصهاينة شن حرب قالوا إنها ستكون طويلة لعشرات السنين وإخترعوا حرب ارهابهم التي أسموها حرباً على الارهاب هدفها الحقيقي هو تغيير كافة المفاهيم الاسلامية التي تتناقض مع رأسماليتهم. وتقول آرمسترونغ في قولها: "إن الإعلام الغربي يثير انطباعات بأن التشدد والتزمت الديني الذي يتسم بالعنف ويسمى {التعصب} هو ظاهرة إسلامية بحتة" لكن الحقيقة هي أن التعصب "ظاهرة عالمية طفت على السطح في كل الأديان الرئيسية... فهناك تعصب يهودي، وتعصب مسيحي، وتعصب هندوسي، وتعصب بوذي بل وتعصب كونفوشي".. وكان أول أشكال التعصب قد ظهر في العالم المسيحي في الولاياتالمتحدة أوائل القرن العشرين. "وتستطرد آرمسترونغ: "من بين ديانات التوحيد الثلاثة، كان الإسلام آخر الأديان التي ظهر فيها التيار المتعصب... أواخر الستينيات والسبعينيات. وفي ذلك الوقت، كان التعصب قد أخذ من المسيحيين واليهود كل مأخذ..." قبل سنة 1979 وقيام الثورة الاسلامية في إيران كانت الادارات الأمريكية تنظر الى المشكلة الاسلامية نظرة أكاديمية وليس كإحدى النقاط المؤثرة على الأمن القومي الامريكي. الأ أن نظرة حكومة الولاياتالمتحدة للحركات الاسلامية بدأت تتغير بعد الثورة تلك نحو الاعتقاد بأن وصول الإسلاميين إلى السلطة سيجعلهم يتصادمون مع متطلبات السياسه الأمريكية، ومنها الوصول الى الامدادات والمصادر النفطية، وكذلك التعاون العسكري مع بعض دول المنطقة ، وأمن اسرائيل بالاضافة الى مصالح اخرى. كانت ضغوط الولاياتالمتحدة في تلك الاثناء على الانظمة حينئذ هي تحديث اقتصاد دول المنطقة وبرامج التجارة الحرّه للانخراط في منظومة العولمة الامريكية الاقتصادية والاجتماعية، وأما الاهتمام بحقوق الانسان والديمقراطية فكانت امراَ ثانوياً. ولقد حرصت الانظمة العربية على القيام باعمال تجميلية لا حقيقية بالنسبة للديمقراطية بهدف درء الانتقادات الدولية لا أكثر،ولقد قامت الكثير من تلك الانظمة بالتلاعب بالانتخابات والابقاء على نظام برلماني ضعيف، والسماح بقدر يسير من المعارضة العلنية للانظمة. بعد حرب الأيام الستة عام 1967، التي انتصرت فيها إسرائيل بمساعدة كبيرة من الولاياتالمتحدة واحتلت أراضي ثلاث دول عربية، وربما جزئياً بسبب الحرب، أدرك المسلون أن أنظمة الحكم، في فترة ما بعد الاستعمار، والتي انشأها وثبتها الغرب قبل أن يغادرها شكلا لا مضمونا، قد فشلت فشلا ذريعا. لقد كانت تلك الأنظمة الحاكمة وجنرالاتها مستبدين بالشعوب أيما استبداد، ولكنهم كانوا أكثر جبنا من أن يشنوا حربا. كانوا "أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامة".. وشهد المسلون كيف أن الغرب يمارس نفاقه عن طريق دعوته للديمقراطية بينما هو يقوم بخلق ومساندة أقسى وأعنف الأنظمة الديكتاتورية في العالم في بلدانهم! وشهدوا أيضاً لهاث أوروبا وراء سوق مشتركة أدت إلى وحدة باسم الاتحاد الأوروبي بين دول تتكلم بلغات مختلفة وتعتنق معتقدات مختلفة وتتفاوت في تاريخها وثقافاتها. وفي حين خاضت معظم تلك الدول الأوروبية أسوأ الحروب العالمية فإن وحدتها من جديد كانت أمراً رغب به الغرب فتم ذلك. لكن الغرب لا يسمح باتحاد أو توحد العالم العربي ودويلاته التي رسم الغرب خارطتها بعد الحرب العالمية الأولى. لقد شاهد المسلمون بأم أعينهم كيف تتفاوت الثروة في مجتمعاتهم أكثر فأكثر، وأن مصادرهم الطبيعية وعائداتها تنتقل إلى أيدي "القلة المتنفذة" من أبناء جلدتهم والتي "تسلمها" بدورها إلى " القلة الغربية" على هيئة ودائع يمكن أن تتعرض إلى التآكل أو التجميد أو، في أفضل الأحوال، إلى استثمارات تفضي إلى ثراء الآخرين بينما دولهم تصرخ بأعلى صوتها طلبا للاستثمارات والمشاريع. وبما أن العالم أجمع بات شاهداً على الغرب وقيمه ومادياته بكل صورها وأشكالها، فإن المسلمين، شأنهم في ذلك شأن أتباع باقي الأديان، قد رجعوا إلى دينهم وروحانيتهم، ففي الإسلام سيجدون خلاصهم لأن ما يريد المسلمون أن يشاهدوه في مجتمعاتهم هو ما ينادي به الإسلام: العدل، المساواة، التوزيع العادل للثروات وأن يكونوا هم أسياد أنفسهم. علينا أن نعلم أن الارهاب و التعصب الديني قد خُتِم بختم "صنع في أميركا"، فأول حرب بين الحضارات وفقاً لهنتنغتون كانت الحرب السوفييتية – الأفغانية ما بين عامي 1979-1989. ويقول هنتنغتون: "بالنسبة للأميركيين، كانت هزيمة السوفييت إثباتاً وتبريراً لعقيدة ريغان المتمثلة بتشجيع المقاومة المسلحة للأنظمة الشيوعية وإذلالاً مؤكداً للسوفييت مقارنة مع ما عاناه الأميركيون في فيتنام. لقد كانت أيضا هزيمة انتشرت عواقبها في المجتمع السوفييتي ومؤسساته السياسية وساهمت بشكل عظيم في تفكك وانهيار الإمبراطورية السوفييتية." لقد اعلنت الولاياتالمتحدة، من خلال وكلائها في الدول المسلمة، الجهاد وشجعت المسلمين على شن حرب مقدسة ضد السوفييت باعتبارهم يحتلون أرضاً مسلمة . ونسوا أن فلسطين هي ايضاً هي دولة مسلمة محتلة بها اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. وقد تم تسخير 25 ألف متطوع لهذه الحرب من العديد من الدول المسلمة . كان أسامة بن لادن واحداً منهم. لقد أدارت وكالة الاستخبارات المركزية CIA تلك الحرب، أما حلقة الوصل التي تولت التدريب الميداني فكانت وكالة الاستخبارات الداخلية الباكستانية ذات الصلة ب CIA، وتولت بعض دول البترودولار العربية تمويل هذه الحرب، بينما كانت عملية تجنيد المتطوعين مسؤولية وكالات الاستخبارات في الدول الإسلامية ذات الصلة ب CIA. وكان المتطوعون في مجملهم من المسلمين المخلصين، الذين لم تنقصهم السذاجة في بعض الأحيان، إلى جانب بعض المسلمين من المتطوعين الذين آثروا إخوانهم الأفغان على أنفسهم معتقدين بذلك أنهم يؤدون واجب الجهاد بقتال السوفييت الملحدين الذين احتلوا بلداً مسلماً. ولم يكونوا يعلمون بأنهم يحاربون بالوكالة عن الولاياتالمتحدة. "مابين عامي 1984 و 1986، دفعت أحدى دول الخليج 525 مليون دولار للمقاومة الأفغانية. وفي عام 1989، وافقوا على دفع 61% من إجمالي مبلغ 715 مليون دولار، أي حوالي 436 مليون دولار." وقامت باكستان بتوفير القواعد الخارجية اللازمة للمقاومة والدعم اللوجستي والاستخباراتي وغيرهما. وتم تجنيد وتدريب وإلهام وتمويل أسامة بن لادن وغيره من أعضاء القاعدة (فيما بعد) والتحكم فيهم أثناء الحرب الأفغانية تحت رعاية الولاياتالمتحدة، ومؤسسات الأمن القومي فيها. ( يتبع)... من 11 سبتمبر حتى بروكسل،هل هي ما يسمى في عالم الاستخبارات العنوان المغلوط False Flag Operation?