لضمان نجاح مؤتمر الحوار الوطني في جميع المهام التي وضعت أمامه وهي مهام تقاس بمدى صعوبتها وتداخلها وحساسيتها في واقع يزدحم بمختلف الأزمات والمشاكل وبجميع المتناقضات المجتمعية التي لا تساعد على إجراء حوار حقيقي فاعل ، على إعتبار أن مؤتمر الحوار القادم سوف يحدد معالم مستقبل هذا الوطن . لذا لزم علينا جميعا النقاش والبحث في موضوع الحوار من جوانب مختلفة لضمان سير أعمال مؤتمر الحوار الوطني دون صعوبات أو عراقيل يمكن أن تحدث أثناء انعقاد المؤتمر أو أثناء تطبيق مخرجاته، وذلك بسبب عدم توافق مخرجات الحوار مع رغبة واهواء احد الأطراف, وهو ما قد يدفع بالبلاد إلى الدخول في فوضى التقسيم والحروب الأهلية والأزمات المختلفة . ولكي نحصل على مقاربة حقيقية في تصوراتنا التي نتمنى أن يستفيد منها أعضاء لجنة الحوار الوطني لا بد أن نقوم اولاً بقراءة الأسباب الرئيسية لفشل وتعثر مختلف الحوارات السابقة , ومن نواحي متعددة . فلقد كان أول حوار حقيقي لمختلف السياسية اليمنية ويشبه ما نحن عليه ألآن وإلى حد كبير سواء في مقدماته أو خلفياتة وأهدافه و أطرافه أو قضاياه , ماكان في عام 93 والذي تمخض بالتوقيع على وثيقة العهد والاتفاق أو ما أتفق على تسميتها في حينه بوثيقة الإجماع السياسي وكانت تحت رعاية إقليمية في عمان بتاريخ 18-1-1994م وقد جاء في الديباجة مانصه: "عقدت لجنة حوار القوى السياسية أعمالها المتواصلة الدؤوبة في كل من صنعاء وعدن في مسعى وطني صادق لاحتواء الأزمة السياسية التي يعيشها الوطن للوصول الى المخارج الحقيقية للدفع بمسيرة الوحدة اليمنية المباركة التي تحققت في 22 مايو 1990م في طريق المسيرة من اجل تعزيز الوحدة والديمقراطية واستقرار وترسيخ بناء دولة النظام والقانون والمؤسسات. وجاءت جهود لجنة حوار القوى السياسية بعد أن بلغت الأزمة السياسية وتداعياتها حدا لا يمكن لأحد القبول به، واستجابة للحاجة الماسة لتكاتف جميع أبناء الوطن اليمني من اجل الإسراع في وضع نهاية حاسمة لتلك الأزمة وأثارها السلبية والضارة التي كادت أن تعصف بالوطن والشعب وتؤدي بوحدتها وتماسكها وتطيح بكل مكتسبات الشعب الوطنية بعد معاناته ونضاله الطويلين الذي زكته دماء وقوافل الشهداء من الآباء والأجداد. لقد بدا اليمن أمام العالم اجمع وكأنه على وشك السقوط في هاوية محققة جراء تلك الأزمة الناجمة في الأساس عن افتقاد الثقة والأخطاء المتراكمة والتجاوزات الخطيرة والتدخلات في المهام والصلاحيات ، وعدم الالتزام بالدستور والقوانين والنظم النافذة .. وهو ما أدى إلى تفاقم وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإضرار بقوت الشعب على النحو المحزن الذي ألت إليه الأمور . وبعد جهود صادقة مضنية من اجل وضع الخطوات والقواعد النهائية لإعادة الاستقرار والأمن في الوطن اليمني الغالي، وتفاديا لعدم تكرار ما حدث , وحماية للوحدة وتوسيعا للمشاركة الشعبية في صنع القرار وانجازه، وتأسيسا لديمقراطية حقّة تبداأمن القرية إلى قمة الدولة بغية وضع اللبنات المتينة لدولة يمنية قوية تحمي مواطنيها ، ولا تهدد ، تصون ، ولا تبدد . ولقد أثمرت تلك الجهود أعمال لجنة حوار القوى السياسية الوصول إلى هذه الوثيقة التي تشكل البداية السليمة والمدخل الصحيح لبناء اليمن الجديد، يمن الوحدة والحرية، وتؤكد حكمة اليمانيين في تغليب العقل والمنطق على كل الاعتبارات". ( انتهى الاقتباس ) وللأسف فشلت كل تلك الجهود وبرغم إدراك الجميع لخطورة الموقف وتطور الأزمة والى ما سوف تؤل إلية الإحداث في حالة فشل الحوار بما يدفع بالبلاد إلى خيارات أخرى مناقضة لثقافة الحوار وهي الحرب والدمار والانقسام والتشتت , ولكن تم تغليب المصالح الشخصية وحب السيطرة على الثروة والسلطة , وانتصرت ثقافة النفي والإقصاء والإلغاء للأخر ، وإستبدال الحوار بخيار الحرب دون مراعاة لما سوف تؤول إليه الإحداث وما سوف تسحب معها من كوارث وأزمات، ولأن قوى الأمس هي نفسها قوى اليوم ولم يتغير شئ ملموس فيها لا على مستوى الوعي ولا على مستوى طريقة التفكير والنزوع والمصالح، ولا زالت أسس الحوار الحقيقية التي تنطلق من ضرورة الاعتراف والتسليم بشراكة الآخرين ومواطنتهم المتساوية ولازالت بعض المواقف والإجراءات تؤكد بأن هوس وجنون السلطة والثروة والمصالح الخاصة وقيم ثقافة البطش والفود والنهب ثقافة العصابات تطغى على المصالح العامة الوطنية مما يجعلنا نوقن بأن سيناريو 94م قد يتجدد بصورة أو بأخرى بسبب حرص بعض القوى على أن تكون متميزة ومتمترسه , وتعتقد بأنها تمتلك الحقيقة وحدها وتضع نفسها في حالة حرب متواصلة حتى حرب في طاولة الحوار . الجميع مدعوا لتقييم أدوارهم ومواقفهم في مختلف الأحداث السابقة والتي هي محل حوار ألان بين القوى السياسية التي كانت هي السبب في نشوئها وتطورها , هذا مطلوب اليوم وبصورة ذاتية ومعلنة للناس جميعا لكي نمضي بالحوار الجديد ونحن طاهرين وانقيا وصادقين وبنفسية جديدة حضارية نفسية منفتحة على الجميع من اجل بناء وطن جديد بصفحات بيضاء متفائلة ومشرقة ومستعدة للعمل مع الآخرين بمنطق العصر الجديد منطق الشراكة الحقيقية والمواطنة المتساوية . وأما وأن قد قررتم أن تمضوا بالحوار بصمت مريب , محملون بماضي قبيح ملطخ بالدماء , فاسمحوا لنا نقول لكم لن تأتونا بجديد مفرح طالما ستسحبون كل مآسيكم وكوارثكم في ماضيكم الأسود المدمر إلى طاولة الحوار ولن تكونوا أنقياء طاهرين، ولن تكونوا قد تبرأتم وتحللتم من دماءالعشرات في الماضي القريب . كل الحوارات اللاحقة لوثيقة العهد والاتفاق لم تكن حوارات إستراتيجية بحيث تشمل معالجة جميع القضايا والمشاكل اليمنية بقدر ما كانت تبحث عن الحد الأدنى من النزاهة و المعايير التي تضمن المشاركة في العملية السياسية الديمقراطية دون تزييف , وقد تمكن النظام السابق في جميعها من التلاعب في الوقت والمساومة والتحايل , ولم يلتزم بشئ مما تم الاتفاق علية بما فيه الاتفاق الذي كان بحضور ممثل الاتحاد الأوروبي ,كما لم يلتزم بما تم التوقيع عليه من قبل اللجنة الرباعية . إن حوارنا هذا سوف يترتب علية شراكة مستقبلية في بناء الوطن , فكيف يمكن للجنوبي أن يدخل في شراكة مع قوى لم تصل بعد إلى الاعتراف بشراكتها الخاطئة فيما حدث من قتل ونهب وتشريد ونفي وإلغاء عام 94م لكي يضمن عدم تكرار الإحداث بصورة أو بأخرى. مما لا شك فيه أننا نخوض تجربة غريبة وجديدة على الثقافة المجتمعية السائدة في اليمن التي تعزز ثقافة ( منتصر أو مهزوم ) ثقافة القوة التي لا تقبل الحوار مطلقا، لأنها تملك وفق رؤيتها أدوات الحسم لصالحها, ولأن الحوار ليس نتاج لحركة ثقافية مدنية حضارية تعتمد الحوار مرتكز أساسي ومهم لحل مختلف القضايا المجتمعية , والحالة الوحيدة التي فرض فيها حوار بين أطراف النزاع في اليمن هي تلك الحالة التي توفر فيها توازن للقوة بين القوى المختلفة , الأمر الذي دفع بالجميع إلى اللجوء لطاولة الحوار كضرورة ؛ لعدم قدرة طرف على إلغاء أو إقصاء الطرف الأخر. ولذلك نرى أن إجراء الحوار لايعدو عن كونه تكتيك مؤقت إلى حين ظهور خيارات أخرى تحاكي الثقافة التقليدية المجسدة في أذهان المتحاورين والمؤسسة على الإلغاء والتهميش وفرض القوة كأمر واقع وشروطه. لذلك من الضروري بمكان, أن يظل هذا التوازن متوفر بين أطراف الحوار بصورة أو بأخرى؛ بمعنى قد يكون التوازن بامتلاك القوة أو عدم امتلاكها للقوة المهم في الموضوع الحرص الكامل على عدم اختلال الكفة لهذا دون ذاك , حتى يتم الاطمئنان بأن هناك حوار سيمضي حتى النهاية وبأن هناك أمل لأن يتحول ماسيتفق عليه المتحاورين والمخرجات التي ستتمخض عن الحوار إلى واقع عملي ملموس . * رئيس المركز اليمني للحقوق المدنية