تطورت مكانة الشارب واللحية على مر العصور، وكانا يعبّران عن أشياء كثيرة بدءاً من المعتقد الديني والفكري، أو التصنيف السياسي، والوضع الاجتماعي؛ وإعلان عن الرجولة والقوة البدنية. أمر الإسلام المؤمنين بحف الشارب أي تخفيفه وليس استأصاله، وأمر بإعفاء اللِحى قال صلى الله عليه وسلم :«خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب». اعتنى الفراعنة وسكان ما بين النهرين والفرس باللحية، وكان إطلاقها هو القاعدة العامة، وعُد غيابها نقيصة اجتماعية، خصوصا لدى الجنود والوجهاء، وامتاز الفرعون بلحية مميزة عن سائر الرعية ما تزال تحفظها التماثيل العادية، فهي رمز القوة والحكمة والجمال. الاسكندر الأكبر المكدوني كره اللحية، وكان أجرد، وأمر جنوده أن يتخلصوا من لحاهم قبل أن يبدأ حملته العسكرية ضد الفرس، فوقف يخطب فيهم عام 323 ق.م. قائلاً: "أنا لا أطلب منكم شيئاً ذا بال عندما آمركم بأن تزيلوا لحاكم، فليس ثمة أفضل من اللحية كأداة للسيطرة على رجل، إن تمكن منها غريمه عند النزال"!. وشاركته الملكة إليزابيث الأولى 1558- 1603 مشاعره تجاه اللحية، في أعقاب تتويجها ملكة لانجلترا، فقد فرضت ضريبة على كل من يطلق لحيته. بالمقابل.. يرى بعضُ المهتمين بالتاريخ الأمريكي أن لحية أبراهام لينكولن كانت أحد أسباب انتزاعه الفوز في انتخابات الرئاسة عام 1860، كما فرضت على جنود المدفعية الاوروبيين في القرن الثامن عشر تربية شواربهم ولحاهم، وكان بعض الجنود يتهرب من ذلك، ويلجأ -عند الضرورة، وتنفيذاً شكلياً لأوامر القادة- إلى رسم شوارب ولحى على وجوههم، مستخدمين مسحوق الفحم. وللحية ماكسمليان، الشقيق الأصغر للامبراطور النمساوي فرانز جوزيف الأول قصة تروى، إذ إنه كان قد أصبح -بمساعدة من فرنسا- امبراطورا للمكسيك، في مرحلة غريبة من حياته الحافلة بالمغامرات، انتهت بالثورة عليه، وتسبب اعتزازه باللحية التي كان يشذبها مستخدماً الزنجبيل، في القضاء عليه، إذ رفض التخلص منها بعد أن لجأ إلى دير للراهبات يختبئ فيه من الثوار المطاردين، فدلت عليه لحيته، وانتهى به المطاف معصوب العينين أمام فرقة الإعدام. ويجمع الملك نابليون الثالث بين جمال شاربيه واللحية "السكسوكة" المهذبة، ما دفع الكثيرين الى تقليده. والشوارب تحديداً كانت أحد أسباب الحرب التي نشبت بين فرنساوالمانيا التي حملت اسم الحرب السبعينية عام 1870، وذلك حين قارن نابليون الثالث، ملك فرنسا وحفيد نابليون بونابرت بين شاربه الضخم وشاربي بيسمارك رئيس وزراء المانيا وامبراطورها غليوم الثالث فوجد بعد المقارنة الدقيقة ان شاربهما مجتمعين لا يبلغان نصف حجم شاربه الذي بلغ طوله ثلاثة أرباع المتر. من هنا استصغر نابليون الثالث شأن ألمانيا وزعمائها فأعلن الحرب عليها. وما أن دارت رحى تلك الحرب حتى لحقت الهزيمة بقواته، فلم تقلقه الهزيمة بقدر ما أقلقه ذلك التساؤل الذي مفاده: كيف انتصر نابليون بونابرت على اوروبا كلها ولم يكن له شارب مطلقا، بينما انهزم أمام المانيا وحدها رغم ان شاربه أسطورة من الاساطير. كما يبرز شارب هتلر في هذا المقام الذي كان مميزا، إذ حف جانبيه، وصاحبه مسؤول عن قتل 40 مليون انسان في الحرب العالمية الثانية التي أشعلها. كان السلاطين العثمانيين يكنون احتراما عظيما لاصحاب الشوارب الصخمة المفتولة "التي يقف عليها الصقر"؛ لاعتقادهم ان هذه الصفات قادرة على ايقاع الرعب والخوف في قلوب الناس سواء كانوا من الرعية او الاعداء. وتأكيدا لهذا التقدير كانوا يعطون ذوي الشوارب منحة اضافية فوق الرواتب تسمى بدل شارب. ويروى أن (المغول) كانوا يفتلون شواربهم إلى الاعلى ويعتبرون إنزال الشوارب الى الاسفل نقيصة. وعاد وفد مغولي من زيارة الى الصين وروى للخان أن الصينيين متحضرون ولكن لديهم عادة سيئة، فهم ينزلون الشوارب الى اسفل. ثار "الخان" واستشاط غضبا من فعلة الصينيين الشنعاء، وبعث الرسل بكتاب شديد اللهجة الى امبراطور الصين يطالبه فيه بمنع إسبال الشوارب الى أسفل. لكن الصينيين رفضوا ذلك واعتبروه تدخلا في شأنهم الداخلي. فكان أن غزا المغول الصين وكان النصر حليفهم. وأمر قائد الجيش المغولي المنتصر أن يقف الرجال الصينيين صفوفاً، فيقوم الفرسان المغول بفتل شواربهم الى اعلى قسراً.. ليعلوا الشارب..! في هذه الايام ما زال للشارب واللحية مكانة مهمة، وإن عزف الكثيرون عن اطالة اللحية وتربية الشارب. وتظهر فيديوهات كيف قام الجيش الحر في سوريا بحلاقة شوارب أعضاء جيش النظام بعد أسرهم. وفي مصر، تجددت في العام 2011 حرب حلق الشوارب والحواجب في محافظة قنا، بعد مرور أربعة أعوام من ابتكار عائلة في قرية المحروسة لوسيلة جديدة وطريفة للثأر، وذلك بحلق شوارب وحواجب وذقون ورؤوس خصومهم بدلا من قتلهم! ولطالما عد إمساك الشارب كناية عن الوفاء بالعهد. يبقى أن للرئيس الراحل صدام حسين مقولة باللهجة العراقية هي: (يمته تهتز الشوارب)، قاصدا بذلك (متى تهتز الشوارب يا حكام العرب) وذلك طلبا لنجدة فلسطينالمحتلة. وسواء كان أعضاء مجلس نوابنا الجدد بشوارب أو بغيرها، بحكم التطور التاريخي والحرية الشخصية، إلا أنه لا بأس من التمني بأن تكون كتلك التي يقف عليها الصقر..! كما في الصور.. أليس كذلك؟