يسود التفاؤل قلوب اليمنيين كلهم ، كباراً وصغاراً ، نساءً ورجالاً ، بسطاء ومقهورين ومعدومين ، بنجاح مؤتمر الحوار الوطني، وينظرون إليكم بعد الله تعالى بعيون تملؤها آمال عريضة لا تقف عند سقف، و تتعدى حدود السماء .. ها هي القرارات التاريخية الأخيرة للرئيس هادي تثبت للشعب اليمني مدى استحقاقه لثقتهم وحبهم ، وصدق توجهه لتحقيق آمال المقهورين ، والتي تمثل دعماً كبيراً لإنجاح الحوار وتأسيس دولة مدنية يحكمها النظام والقانون لا القبيلة والعسكر . باستطاعتكم أيها المتحاورون الاستفادة من زخم هذه القرارات وتخليد أسمائكم في ذاكرة التاريخ طويلاً ، وتدوين حقبة وطنية مضيئة تزهو بها الأجيال القادمة كأيقونة فخر تؤكد مصداقية أن ( الحكمة يمانية ) . لنيل هذا الشرف عليكم التحاور كأسرة واحدة، وتحسس أوجاع الوطن كله، وتذكُّر المشاكل التي تطحن أبناءه . قبل هذا وذاك ، تذكروا أن الأسرة اليمنية في وضع حرج ، وتتعرض إلى انهيار حاد في جميع مناحي حياتها، وبدأت تطفو فيها ظواهر وسلوكيات كارثية كنا نظن حدوثها ضرباً من الخيال . تذكروا أن أطفالنا يُهرَّبون خارج الحدود كعلب السجائر ، وتباع أعضاؤهم كقطع غيار، و يستخدمون في الشحاذة والتسول ، وأن أكثر من مليون طفل في الداخل يعانون من نقص الغذاء، يموت منهم الآلاف ، ويسقط آلاف آخرون صرعى الإعاقة بأشكالها المختلفة.. ولا تنسوا أبدا أوجاع وتشرد شبابنا الجامعيين , في متاهات البطالة ، واستخدامهم من قبل العابثين وتجار الأزمات كوقود لمعاركهم وتطلعاتهم ، أو كمليشيات “ بعد الشيخ “ للنهب والسلب وتخريب البلد.. وآخرون جعلتهم لعنة الفقر مطاردين يبيعون البسبوسة والشوارمة في الأرصفة و أمام المساجد في الغربة ، ويتحملون صنوف المهانة والإذلال بحثا عن الرزق الحلال. وأنتم ترسمون ملامح الحاضر بألوان الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية لا تنسوا أن نسبة من اليمنيين في بقاع من أراضي الوطن- وبعد 14قرناً من انبثاق دين الرحمة والمساواة – لا يزالون يعيشون حياة الرق و العبودية لدى المشائخ، ويُفضِّلُون البقاء فيها من أجل لقمة العيش، بدلاً من الانتماء لدولة تتشدق بالحرية، وتعجز عن توفير رغيف الخبز والمأوى! اجعلوا ضمائركم صدى لصرخات المقهورين ، الذين تَنتهك حقوقهم المؤسسات العامة والخاصة، وتُنهب ممتلكاتهم في أروقة أقسام الشرطة، والدوائر الحكومية ، والمحاكم ، ولم يعد لديهم من عاصمٍ من الانتهاك والنهب غير نفوذ المال، وحشو البندق ( قوة القبيلة )!. اسمعوا أنين المرضى الذين يبيعون أثاث بيوتهم من أجل الحصول على خدمة صحية سيئة ، لمواجهة الأمراض الحصرية التي تعرفها أجساد اليمنيين دون غيرهم . لا تنسوا الدور النضالي المشرِّف الذي تقوم به المرأة اليمنية في قيادة دفة التغيير، وأن ثمة عادات – لا شأن للآدمية بها – تحاول النيل من إنسانيتها المكفولة شرعاً وقانوناً ، فتسلبها الحق بالميراث ، والتعليم، واختيار الشريك، وتفرض عليها همجية عادات بدائية ، تنصلت عنها الشعوب منذ العصور الوسطى ، حيث تباع كسلعة بالبدل , وتُجبر على زواج المتعة والزواج السياحي ، وتلجىء البعض للهرب إلى بيوت الدعارة أو اتخاذ الدعارة وسيلة من أجل لقمة عيش ، تحت وطأة الفقر والظروف المحيطة بها . تفرض المسؤولية الوطنية والدينية والأخلاقية عليكم استغلال هذا الحدث ، فلا مزيد من الوقت، وكلما تأخرنا يوماً تتسع الهوة أكثر، وتزداد مساحات الظلام المتربصة بالمشهد ، ويصعب علينا إشعال وميض ضوء لردم الهوة، والانطلاق نحو بناء الإنسان . من الطبيعي أن لا يكون مؤتمر الحوار عصا الله في الأرض لحل المشاكل الشائكة والمعقدة خلال ستة أشهر، لكن الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان ، هي أننا بالحوار – إذا صلحت النوايا، ونظرنا إلى اليمن فقط – قادرون على إخراج البلد إلى بر الأمان، ووضع الخطوات الأولى للدولة التي نأمل ، ومع الحوار -أيضاً – سنتمكن من تجاوز كل الإشكاليات والمعيقات التي تعترض مستقبلنا . لا تُضيِّعوا أوقاتكم – كما ضاعت أعمار اليمنيين في دوامة الشقاء ومستنقع الفقر والفساد – بإلقاء التهم والتشكيك ببعض.. انفُضُوا غبار الماضي ، واستفيدوا من الدروس ، فالمرحلة استثنائية ، وليس ثمة خيارات أخرى غير النجاح. عليكم أن تتأملوا ملياً خيرات وثروات الوطن الزاخرة التي مَنَّها الله علينا، وقدرة الإنسان اليمني على العطاء ، لتتأكدوا أن ما ينقصنا هو الإخلاص ، والصدق ، والتخطيط المثمر، المُعزَّز بالشفافية ، والقبول بالآخر .. عندها لن نعجز عن إعادة الاعتبار للشعب اليمني ، بإيجاد مياه نظيفة ، وغذاء آمن ، وصحة وتعليم مجّانيين ، وقضاء عادل ، ومواطنة متساوية . تلك رسائل بسيطة أضعها أمانة بين يدي أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل لإنقاذ الشعب اليمنى العظيم الذي ظل يدفع ثمن حماقات الساسة وأنانيتهم وعنادهم زمناً ليس بالقصير . ليس لكم من خيار سوى النجاح .. فلا تخذلونا.