في يوم 27/4/1994 اَعلنت الحرب على الجنوب ، و هي في نفس الوقت حرب على مشروع الوحده و على مشروعية اتفاقياتها و دستورها و مشروعية اعلانها . حيث اصبح الاحتلال العسكري للجنوب في يوم 7/7/1994 هو يوم اسقاط كل هذه الشرعيات جميعها ، و لا يستطيع اي مفكر او أي سياسي ان يدحض هذه الحقيقه . و بالتالي فان اعلان الوحده لم يأتِ إلاَّ بإسقاط دولة الجنوب فقط ، و لم تأتِ الحرب إلاَّ بإسقاط مشروع الوحده فقط . و لهذا و بمناسبة ذكرى هذه الحرب ، فإننا هنا نوجه الرسائل الثلاث التاليه : أولاً : الى القوى السياسيه في الشمال ، نقول : لو أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح لم يقم بالحرب على الجنوب و سارت الوحدة على ما يرام ، هل ستثورون عليه و بأي وجه ستثورون عليه ؟؟؟ و بالتالي ألم تكن قضية الجنوب هي وراء اسقاطه من الناحيه الموضوعية؟ ، و ألم يكن اسقاطه بالنسبه لكم هو مقايضة لدفن القضية الجنوبية و تدويل مشاكل اليمن ككل حتى لا تتدوّل قضية الجنوب لوحدها ؟ ، و ألم يكن الفشل في هذه المقايضة هو من دفعكم الى التفكير في مؤتمر الحوار الوطني الشامل لدفنها و إلاَّ لماذا لم يحصل مثل هذا المؤتمر في بقية ثورات الربيع العربي ؟؟؟ . فقد قلنا منذ البدايه و قبل اي شخص آخر بأن حرب 1994م هي بين الشمال و الجنوب و ليست بين الحزب الاشتراكي و حزب المؤتمر الشعبي العام كما يقول بعض المغالطين ، لانها لو كانت كذلك لكانت بدأت بمنظمات الحزب و مقراته في الشمال و لكان تم حل الحزب بعد الحرب . و لهذا فان كل القوى السياسية في الشمال لابد لها من الاعتراف بأن الحرب أسقطت مشروع الوحدة ، و ان الوضع في الجنوب منذ الحرب ليس وحده ، و انما هو استعمار باعتراف الرجل الثاني في النظام اللواء علي محسن الاحمر ، و لابد لهذه القوى من التسليم بان اليمن السياسي يمنان كما كان في الواقع و كما هو موثق في المنظمات الدولية الى يوم 22 مايو 1990م ، و الإعتراف بان الحرب باطلة و ما ترتب عليها باطل و الاعتذار لشعب الجنوب . و هذا يعني بان الحل لابد و ان يبدأ بهذه الاعترافات و يقوم عليها بالضروره . حيث ان الشطاره السياسيه التي يمارسونها تجاه الجنوب منذ البدايه هي فقط مشروعه في قضايا السلطة ، و لكنها محرمة و غير مشروعة في القضايا الوطنية. فقد كانوا قبل مؤتمر الحوار الوطني الشامل يقولون بأن قضية الجنوب هي أم القضايا كلها ، و بعد ان تمكنوا من استدراج بعض العناصر الجنوبيه الى الحوار اصبحوا الآن يقولون بان بناء الدولة هو أم القضايا كلها . و هذه هي الشطاره السياسيه الشيطانيه بعينها ، و هي ما أفصحت عنها المشاريع المقدمة رسميا الى مؤتمر الحوار الوطني بشأن الجذور السياسيه للقضية الجنوبية . فهم يعرفون بأن الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر رحمه الله قد قال في مذكراته بأن الرئيس علي عبدالله صالح طلب منه تشكيل حزب الاصلاح لمعارضة اتفاقيات الوحدة و عدم تنفيذها و التهيئه للحرب ، و هذا ما حصل بالفعل . فلم يتوحد القرار السياسي ، و لم يتوحد الجيش ، و لم يتوحد الامن ، و لم يتوحد القضاء ، و لم يتوحد المنهج الدراسي ، و لم تتوحد الاداره ، و لم يتوحد الاقتصاد ، و لم تتوحد التجاره ، و لم تتوحد العمله النقديه … الخ ، حتى جاءت الحرب و ألغت ما هو جنوبي و أبقت ما هو شمالي ، و بالتالي ما الذي توحّد حتى نقول بأن الوحدة قد قامت او أنها باقية ؟؟؟ . هذه هي الجذور السياسيه للقضيه . أمَّا البحث عن جذور سياسية ما قبل اعلان الوحدة ، فإنها ضمنياً إنكار للوحدة و بلطجة سياسية لا يحتملها العقل . فلم تكن أي من روأهم معقولة غير رؤية الهاشميين ، و بالذات حزب الحق و الحوثيين ، لأنهم رجال عدل . و حتى لو سلمنا بمنطقهم المتناقض ، فبأي منطق يتحدثون عن الوحده و هم يرفضون ثنائية اليمن السياسيه و يصرون على واحدية اليمن ؟ ، و كيف يمكن ان تكون هناك وحدة بدون ثنائية اليمن ؟ ، و كيف يمكن ان تكون هناك قضية جنوبية بدون ثنائية اليمن ، و كيف يمكن حلها بدون ذلك ؟ . فأي أمه ترى الجاهل بطلاً و ترى العاقل جباناً لا يمكن لها ان تدير نفسها او ان تبني دوله او تتطور ، و هذا هو حال اليمن . فعلى سبيل المثال لو ان شخصا ما جاء باكتشافات علميه او بفكره يمكن لها ان تنقذ البلد و صاحبها ما عنده قوة رجال ، لا يمكن قبولها او احترام صاحبها . و لكنه اذا ما قطع طريق أهتم به الجميع و احترمه الجميع . فهل هذه العقليه تقبل وحده او تبنيها ؟؟؟ . ثانياً : الى الدول الراعيه للحوار ، نقول : انه من غير الممكن موضوعيا و من غير المعقول منطقيا مزج مطلب حقوق سياسيه مشروعة بمطلب تغيير النظام ، و ان هذا المزج يؤسس لصوملة الجنوب لا سمح الله . فكيف تتم اجازة حرية الشمال من نظام علي عبدالله صالح و لا تتم اجازة حرية شعب الجنوب من الاستعمار الذي اعترف به علي محسن ؟؟؟ . كما ان حرمان شعب الجنوب من حقه في تقرير مصيره يساوي العبوديه ، و لا يستطيع اي مفكر او اي سياسي ان يدحض ذلك . و هذا ما لا تجيزه الشرائع السماوية و الوضعية . فبعد المشاريع التي قدمت رسميا الى مؤتمر الحوار الوطني الشامل حول قضية الجنوب و التي أكدت ضمنياً انكار الوحدة و الاصرار على واحدية اليمن و مصادرة ارادة الجنوب ، ماذا بقي لدى هذه الدول من مبرر لعدم الاستجابة لمطالب الشعب في الجنوب ؟؟ ، و ماذا بقي من مبرر للعناصر الجنوبيه بالبقاء في الحوار ؟ . و السؤال الذي يطرح نفسه على هذه الدول ، هو : ان المبادره الخليجيه قد جاءت لحل مشكلة الحرب في صنعاء و ليست لحل قضية الجنوب ، و بالتالي ما هي علاقتها بقضية الجنوب ؟ . صحيح ان قضية الجنوب قد حُشرت في الآليّه التنفيذيه للمبادره ، و لكن المنطق القانوني يقول ان السند التنفيذي يقيّد آليّة تنفيذه ، و ان أية زياده هي في دائرة البطلان . و بما ان قضية الجنوب و حتى مؤتمر الحوار ذاته هما زياده ، فانهما معا من الناحيه القانونيه في دائرة البطلان . فاذا ما ارادت الدول الراعيه للحوار بأن تحل قضية شعب الجنوب بالفعل ، فان عليها اصدار مبادره جديده خاصه بحل هذه القضيه تؤكد فيها على الحوار الندي بين الشمال و الجنوب خارج اليمن و تحت اشراف دولي ، لانه يستحيل ايجاد حل شرعي لهذه القضيه الاّ بذلك . و على هذه الدول ان تدرك بان شعب الجنوب قد ظل يرفض هذا الوضع منذ الحرب ، بدءاً بحركة موج ، ثم حركة حتم ، ثم تيار اصلاح مسار الوحدة، ثم ملتقى ابناء الجنوب ، ثم اللجان الشعبيه ، ثم جمعيات العسكريين ، ثم حركة تاج … الخ ، حتى توج كل ذلك بالحراك الوطني السلمي الجنوبي الذي ذابت فيه كل هذه المكونات . ثالثاً : الى القيادات الجنوبيه ، نقول : إننا نريدكم ان تكونوا قياده للجنوب و ليس لكيانات ، لان قضيتكم من الناحيه الموضوعيه هي واحده ، و لان تصوراتكم لحلها كانت متفاوته و اصبحت الآن واحده ، و لكن نظراتكم لبعضكم مازالت خاطئه . فأسمعوا رأينا الآن حتى لا تخجلوا من رفضه غداً ، لأنني اذكر بأن الاخ سيف صائل قال لي في عام 2000م ، يبدو ان رأيك هو الصحيح ، و قلت له لو عندي أدنى شك في ذلك لخجلت من حضوري معكم و أنتم ترفضونه ، و لكنني على يقين بان الحياة ستؤكده و سيأتي يوم يخجل الجميع من عدم قبوله . فهل ممكن لكم ان تقبلوا رأينا قبل أن تخجلوا غداً من عدم قبوله ؟ . فقد وضعنا أسسا للتوافق السياسي الجنوبي المعروفة بالنقاط الاربع و التي أجمع عليها الكل و وقع عليها الكل باستثناء بعض العناصر التي مازلنا ننتظر توقيعها للبدء بإعداد الرؤية الموحدة و القيادة السياسية التوافقية الموحدة ، لأنني مقتنع بأنه لا يوجد مبرر لعدم التوقيع على تلك الاسس إلاَّ لمن يريد ان يكون تاجر سياسه او أمير حرب على حساب القضية ، و علينا ان ندرك جميعنا بأننا لسنا محصنين 100% من الاختراقات المخابراتيه الداخلية و الخارجية سواء أدركنا ذلك أم لم ندركه ، و ان المخترق لا يمكن له بأن يكون مرناً و انما متشددا الى أبعد الحدود ، لان المرونه تتعارض مع وظيفته و تؤدي الى فشل مهمته . و لهذا و قبل ان يتهمني أي شخص على ذلك كما جاء في موقع صدى عدن قبل اسبوع ، اقول بأن براء تي معي ، لأن يدي نظيفة و اولادي بلا عمل و بلا سكن و موجودون مع الحراك في الميدان منذ البداية . و لو كنت قد دخلت في تجارة السياسه على حساب القضيه لكنت ثرياً و أولادي يملكون شركات مثل الاخرين . فلم افكر في الكسب او في السلطه بعد ضياع الوطن حتى إنني فقدت كل شيء ، مع العلم بأنها عُرضت عليَّ مناصب في السلطة اكثر من مرة ، و كانت اجابتي الدائمة ، هي : ان كان وقوفي مع عدن في الازمة و الحرب على حق ، فبأي منطق اكون معكم على باطل مقابل مناصب سبق و ان كنت فيها ، و ان كان وقوفي مع عدن على باطل فبأي وجه اظهر معكم في السلطة و انا كنت على باطل ؟ . و لهذه الأسباب كلها و غيرها الكثير ظللت محاصراً مادياً و معنوياً منذ عشرين عام و مازلت ، و لكنني اعتبر ذلك ضريبة الوطن لابد من دفعها.