يعاني المسرح السعودي من عراقيل عديدة تحد من رغبته الجامحة في الانطلاق، وتقصقص اجنحة الابداع الكامنة فيه، ويجمع المختصون على ان التقاليد المحافظة والصارمة للمملكة التي تضع قائمة من الممنوعات لا يجب على الممثل الاقتراب منها تقف عثرة امام تألق الفن الرابع وسطوع نجمه اضافة الى نقص الدعم وقلة التخصص الاكاديمي المطلوب في هذا المجال. ويعاني المسرح السعودي من شبه غياب المرأة الممنوعة "شرعاً" من وطء خشبة الفن الرابع. هذا ما يردده المسرحيون وعيونهم مفتوحة على التجارب المسرحية الخليجية الأخرى التي كان للمرأة فيها دور منذ بدايات ستينيات القرن المنصرم. ورأت الناشطة الاجتماعية خديجة الرشيد، "أن المرأة أثبتت وجودها في جميع المجالات ولا تجد في حدود فهمها الشرعي ما يمنع المرأة من التمثيل على خشبة المسرح، وتساءلت ما المانع من ظهورها محتشمة بدلا من الصوت فقط؟". واعتبرت الإعلامية فدوى الطيار، أن المرأة غائبة عن أكثر المناسبات الهامة، وتساءلت لماذا هذا الإقصاء بحق المرأة رغم أن تصريحات معظم المسئولين تؤكد على مشاركتها؟. ويقول في هذا الاطار مخرج سعودي معروف "المسرح يعكس صورة عن الحياة بما فيها من وضع اجتماعي، والحياة بما فيها من ثنائية طبيعية ذكر و انثى، ومن المهم أن تترجم على الخشبة دون أن يغيب عنصر عن آخر أو يمتلك مساحة وجود أوسع من الآخر". كما يعاني الفن الرابع في المملكة من غياب المعاهد المتخصصة، والبيروقراطية التي تشترط عرض المسرحيات عبر الجمعيات والأطر الرسمية، وقلة المسارح المجّهزة، وندرة المتخصصين في السينوغرافيا… مما يفسّر الارتباك البصري، وغياب الانسجام بين الديكور والإضاءة في العديد من العروض المسرحية وفقا لناقدين فنيين سعوديين. وتعلو اصوات الممثلين في الرياض تطالب في كل مرة بحرية التعبير، وكبح سطوة الجماعات الدينية المتطرفة التي تكيل التهديد والوعيد لكل من يحاول انارة الراي العام بفنه الهادف والمتحرر من التابوات. حيث سبق وان هاجم سلفيون مسرحية "وسطي بلا وسطية" وكسّروا الديكور وحاولوا الاعتداء على الممثلين السعوديين. وطرحت المسرحية قضية شائكة في المجتمع السعودي وقدمت صراعا يدار في الخفاء بين جماعة متشددة ساعية لفرض أجندتها الفكرية على المجتمع وبين منحلين أخلاقيا يحاولون فرض حياة الغرب على المجتمع ليصبح البطل سند فريسة سهلة لكلا التيارين في ظل صمت الأغلبية الوسطية. ويرى ناقدون ان المسرح السعودي الذي بدأ متأخراً، بدأ مبتسراً، ومحدود العطاء. وعرض رئيس جمعية المسرحيين السعوديين أحمد الهذيل تجربة جمعية المسرحيين السعوديين خلال الفترة الماضية، والعراقيل التي واجهتها، والجهود التي بذلت في سبيل الارتقاء بعملها رغم ضعف إمكاناتها المادية. وقال "لا بد أن تضحي وأن تقدم الكثير من الجهد والعمل حتى تصل للنجاح". كما طالب المخرجين المسرحيين بالتمكن من أدواتهم، وتوظيف عناصرهم المسرحية بشكل لائق، والابتعاد عن الإسفاف والتهريج في عروضهم المسرحية، مبينا أن الإنتاج الدرامي ساهم في ضعف المسرح السعودي. وشهدت الدراما السعودية في 2012 إنتاجً 15 مسلسلاً إلى جانب التنوع في الأعمال الدرامية ما بين أعمال كوميدية ورومانسية وإجتماعية وبدوية وأكشن. وارتفع سقف حرية المسلسلات السعودية إلى حدود كبيرة لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع الوصول لها. ورغم ما يعاني منه المنتجون السعوديون من مشاكل إنتاجية، إلا أن العاصمة الرياض استطاعت استقطاب عدد كبير من الفنانين السعوديين والخليجيين للمشاركة في بطولة أعمال درامية مختلفة. ويؤكد الممثل والمنتج عبدالرحمن الخطيب أنه لا يوجد مسرح في السعودية بسبب قلة الدعم. وينحصر النشاط المسرحي على ما تقوم به أمانة مدينة الرياض في الأعياد الموسمية فقط وبعروض مجانية لا تستمر أكثر من يومين أو ثلاثة على الأكثر. ووصف الممثل أسعد الزهراني المسرح السعودي حاليا بأنه بقايا مسرح لا أكثر وشدد على أن المشكلة ليست في النصوص ولكن في الأماكن، مبينا "لا يوجد لدينا مسرح من الأساس… كل ما لدينا هو قاعات مؤتمرات تستعار لتقام عليها بعض المسرحيات لا أكثر.. وهي غير متاحة لنا إلا في حدود ضيقة". واعترف عدد من الممثلين السعوديين والمختصين في الجانب الفني أن المسرح السعودي أصبح جثة هامدة لا إحساس فيه، بعد أن كان أحد روافد الحركة المسرحية في الخليج، مشددين على أن المسرحيات التي تعرض في فترة المواسم لا تكفي لإنعاشه. ويتذكر السعوديون بحسرة مسرحيات حققت الكثير من النجاح في بداية التسعينات كتبت مولد نجوم الكوميديا السعودية أمثال محمد العلي وبكر الشدي وعبدالله السدحان وناصر القصبي وخالد سامي وعبدالإله السناني وغيرهم. ولكن رغم اجواء التشاؤم السائدة بين صفوف الممثلين السعوديين، يظهر بصيص امل حول قدرة المسرح السعودي على قهر الصعاب وافتكاك مكانة كبيرة له في الساحة الفنية. وتعول النخبة الثقافية والفنية على "مهرجان المسرح السعودي" الذي يمثل حدثاً مسرحياً، فدورته الرابعة شكّلت منعطفاً لافتاً. وحمل لأهل الفنّ الرابع آمالاً بتحوّل نوعي خلال المرحلة المقبلة من توسّع هامش الحريّة… إلى وقوف المرأة أخيراً على الخشبة إلى جانب زملائها، وأمام جمهور مختلط.