لم يعد للمبادرة الخليجية في أوساط الشارع اليمني العريض شأن يذكر ، إذ لم تعد تتمتع بنفس القيمة والأهمية والثقة والمصداقية والنزاهة والحيادية والموضوعية كما كان عليه الحال من قبل عند بداية صدورها في عام 2011 م ، فقد غمر اليمنيين حينذاك شعور بالغ من العرفان والتقدير والامتنان للأشقاء الخليجيين الذين سارعوا مشكورين بطرح مبادرتهم الكريمة تلك من أجل اخراج اليمن قيادة وشعباً من هاوية الصراع والاقتتال والفوضى .. وعلى الرغم من انطواء تلك المبادرة الخليجية على كثير من الأخطاء والمثالب والعيوب الجوهرية الخفية والمكشوفة ، التي ساوت بين الضحية والجلاد وتعاملت مع الظالم والمظلوم بنفس اللغة والمنطق والكيفية دون أن تضع في مضامينها أدنى اعتبار للمبادئ والقيم الإنسانية والدينية والقانونية والأخلاقية .. ووجدت أحزاب المعارضة السياسية المشاركة في التوقيع على تلك المبادرة المشحونة بالألغام والعوائق والمتناقضات أنها قد وضعت بين خيارين اثنين كلاهما أشد وطأة ومرارة من الآخر ، فهي إن رفضت التوقيع على المبادرة فسيغضب ذلك الأشقاء الخليجيين وأصحابها ورعاتها وداعميها ؛ الأمر الذي سيلقي بظلاله القاتم وآثاره السلبية الماحقة على وضع الثورة الشعبية السلمية في الداخل ، بل وسيؤدي ذلك ربما إلى انحياز الموقف العربي والدولي والإقليمي لصالح النظام العائلي القمعي الفاسد والمستبد في صنعاء .. في حين أن أحزاب المعارضة كانت تدرك سلفاً أنّ من شأن الانصياع التام للضغوط الخارجية والتوقيع على تلك المبادرة بما تضمنته بنودها من إعطاء وثيقة الحصانة السياسية والقانونية والأخلاقية لرأس النظام وأركان حزبه وجيشه وأمنه وحرسة وتوابعه وميليشياته ، وإعفائهم عن أي مسائلة أو ملاحقة جنائية أو قضائية أو قانونية حاضرة أو مستقبلية مقابل إقصائهم عن دوائر الحكم ومؤسسات السلطة السياسية والعسكرية والأمنية والتنفيذية ، سوف يؤدي ذلك حتماً وفي أحسن الأحوال إلى حدوث أزمة مريرة وشرخ هائل وعميق في بندول العلاقات البينية المتبادلة بين مختلف القوى والمكونات الثورية المتواجدة في مختلف ساحات الحرية والتغيير في الداخل اليمني ، بل وسيتسبب ذلك في حدوث انقسامات خطيرة في أوساط الثوار أنفسهم وصراعات ومناكفات جانبية وهامشية عقيمة لا طائل من ورائها سوى المزيد من الضعف والتشظي والانحسار .. وبين هذا وذاك جاء خيار التوقيع على المبادرة الخليجية من قبل أحزاب المعارضة باعتباره يشكل في حسبانها أهون الشرين وأخف الضررين ، بيد أنّ المفاجأة الكبرى وخيبة الأمل المريرة الماحقة التي أصابت الموقعين على المبادرة والمعترضين على حد سواء أنّ رعاة المبادرة الخليجية ورعاتها وداعميها قد نجحوا بتفوق وامتياز في فرض ضغوطاتهم السياسية والمادية والمعنوية على أطراف المعارضة بحيث أجبروهم على إعطاء براءة الحصانة للنظام المتورط فعلياً في ارتكاب العديد من المجازر والمحارق البشرية بحق المئات والآلاف من القتلى والجرحى الشباب من أبناء الثورة الشعبية السلمية ، لكنهم في المقابل فشلوا في الإيفاء بوعودهم والتزاماتهم تجاه المعارضة ، لدرجة أنهم لم يبذلوا أدنى جهد يذكر في إجبار رأس النظام وتوابعه على مغادرة السلطة واعتزال العمل السياسي الرسمي والحزبي والتنفيذي وذلك مقابل حصولهم على تلكم الحصانة السياسية الغريبة المشبوهة .. وعلى الرغم من انتخاب رئيس جديد للبلاد بموجب اللاّئحة التنفيذية للمبادرة الخليجية إلاّ أنّ علي صالح وأبنائه وأقاربه ممّن شملتهم وثيقة الحصانة ظلوا كما كانوا عليه من قبل يتمتعون بمزاولة أعمالهم وصلاحياتهم ومهام مناصبهم واختصاصاتهم العسكرية والأمنية والمدنية كما كانوا تماماً من قبل وزيادة . ولعل بقاء هؤلاء في مناصبهم بالتزامن مع بقاء الرئيس المخلوع حراً طليقاً في البلاد وقد اخترع لنفسه اسماً جديداً مبتكراً ليصبح زعيماً لحزب المؤتمر الشعبي العام ومن ثم يمارس سلطاته الرئاسية المفقودة من خلاله وعبر زرع المزيد من الألغام والعوائق والعقبات للحيلولة دون إنجاح واستكمال عملية التسوية السياسية السلمية في البلاد واستجلاب المزيد من الفتن والبلبلة والفوضى الداخلية بقصد إفشال محاولات خلفه الرئيس المنتخب المشير عبد ربه منصور هادي في تحقيق الاصلاحات الأساسية اللاّزمة والضرورية لأداره شئون المرحلة الانتقالية الراهنة تمهيدا لإرساء دعائم بناء المستقبل المؤسسي الحديث لدولة الحرية والعدل والمساواة وسيادة الشريعة والنظام والقانون .. أخيراً ,, جاء الدور على رئيسنا المنتحب المشير عبد ربه منصور هادي الذي صار بحكم منصبه الأعلى في محك التجربة والاختبار أمام الله وأمام الشعب والتاريخ ؛ الأمر الذي يفرض عليه مكاشفة الشعب اليمني وذلك بالإجابة بكل شفافية ومصداقية ووضوح عن العديد من الشكوك الرائجة والتساؤلات المفعمة بعلامات التعجب والاستفهام حول ماهية تلك القوى والعصابات التخريبية الإجرامية التي أسهمت في تسهيل مهام وأنشطة تنظيم القاعدة في أبين ورداع والبيضاء ؟ وما هي القوى المشبوهة التي تقف وراء ( حادثة تفجير ميدان السبعين ) و ( حادثة تفجير كلية الشرطة ) و ( حوادث تفجير أنابيب النفط والغاز والبترول ) ؟؟؟!!! صدقني يا فخامة الرئيس هادي أنّ الإجابة السريعة والفورية على تلك التساؤلات الحيوية الهامة المطروحة الآن بين يديك سيتوقف عليها مدى إخلاصك ومصداقيتك ومدى معيار شرعيتك وحبك للوطن من عدمه ..