كان وما يزال وسيبقى التعليم والعمل، بتوفيق الله عز وجل، اول وسيلة للإنسان، رجلا كان او امرأة لحفظ ماء وجهه وكرامته. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حزمة من حطب على ظهره فيبيعها، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه». أخرجه البخاري في الصحيح. اكتب هذا المقال من وحي قصة سمعتها فأكدت عندي قيمة التعليم للمرأة في هذا العصر المجنون، بل إن تعليمها في ضرورته يزيد بكثير وكثير عما نتحدث عنه، ويمس قضايا أعمق وأخطر من تحقيق الذات والمساهمة في خدمة المجنمع. إنه يمس قدرة لإنسان في تقرير مصيره ويمس قدرته على اتخاذ قرارات في جوهرها تخصه وحده، وتمس قدرته على التصدي لمن يعتدي على هذين الحقين. هي قصة فتاة تبلغ من العمر 18، من أسرة متواضعة ماديا، تركت الدراسة لسبب لا اعلمه فقد يكون ذلك اختيارها لتتزوج، او لفقر أسرتها مما دفعها للزواج تخفيفا عن والدها، او لأن أهلها نصحوها أو أجبروها على الزواج لا أدري. لكن المهم أنها تزوجت قبل أن تكمل تعليمها المدرسي ودون أن تتعلم حرفة نافعة. فوجئت بعد زواجها بعام أننا مدعوون الى خطبتها فلما استوضحت علمت أنها طلقت من زوجها الأول واليوم، وهي في ال19 تتزوج الثاني. بدأت والدتها في توضيح أسباب الطلاق، ثم تحدثت في أمر نزل على نفسي نزول الصاعقة إذ لم أصدق ما سمعت. فقد علمنا منها أن الفتاة ولدت طفلة سلمتها أمها في المستشفى، وقبل ان تراها ابنتها ودون مناقشة الأمر معها، الى أهل طليقها. نعم، لم يكن للفتاة رأي في مصير قطعة منها هي التي أطعمتها ورعتها تسعة أشهر، أمها هي التي قررت عنها مصير طفلتها. ترى لو أن الفتاة كانت قد أكملت تعليمها المدرسي على الأقل، او تعلمت حرفة تنفعها هل كانت ستقف عاجزة عن منع والدتها من ان تتخذ قرارا مصيريا يخصها هي دون الرجوع اليها؟ نعم هناك من هن في مثل موقفها يتخلين عن أبنائهن ولكن هن صاحبات القرار. كان هذا نموذجا يقابله نموذج آخر، (أ.م) فتاة عاشت نفس الظروف التي عاشتها تلك الفتاة زد على ذلك أنها لم توفق في امتحان الثانوية العامة مما قد يدفع الكثيرات لليأس. لكنها، وبعزم أعادت الثانوية العامة ثم انتظرت حتى وجدت عملا مناسبا لتنفق على دراستها بعدها عادت لمقاعد الدراسة وقريبا ستتخرج من إحدى الجامعات. وعندما سألتها عن سر عزيمتها الصلبة قالت: «لن ينشلنا من الفقر ويحررنا من تدخل الناس في شؤوننا، الا أن أشارك في الإنفاق على المنزل، وهذا لن يتحقق الا إذا أكملت تعليمي. فالمرأة -والكلام لها- ليست كالرجل تستطيع أن تعمل في أي مهنة أو في أي بيئة، لذا فإن التعليم يحميها من الاضطرار للعمل فيما لا يناسبها ومن العمل في بيئة لا تناسبها». أما جارتنا أم معتز رحمها الله، فقصتها مع التعليم والعمل بدأت بعد أن توفي زوجها وهي ما تزال شابة لتجد نفسها مسؤولة عن ولدين صغيرين. ولأنها لم تكن قد أكملت تعليمها فقد علمت أنها قد تفقد حضانة أولادها أو أن أهل زوجها سيقومون بالإنفاق عليها وعلى ولديها، وحينها لن تكون صاحبة القرار في الكيفية التي تريد تنشئة ولديها عليها. لذلك فقد سعت جاهدة لتقنع أهل زوجها أن ينفقوا على ولديها ويعينوها في رعايتهم الى ان تنهي دراستها. وكانت تعمل وتدرس في ذات الوقت حتى تخرجت من معهد المعلمات، وعملت مدرسة ثم استلمت زمام الأمر في تربية اولادها. توفيت أم معتز وهي ناظرة مدرسة وابنها مهندس وابنتها معلمة. هذه قصص تحكي كيف ان تعليم الفتاة يمكنها من تغيير عالمها قبل ان يمكنها من تغيير العالم من حولها. لذا فمن واجب كل فتاة ان لا تتهاون في حقها في التعليم، وبالضرورة أن لا تتهاون في تقدير قيمة التعليم فعلى احد المواقع الإلكترونية فتاة تستغيث!!: « أنا لا أحب التعليم وأنا مجبورة اني اتعلم ساعدوني ماذا أفعل؟؟» فأضعف الإيمان أن تكمل الفتاة تعليمها المدرسي حتى يكون أسهل عليها أن تكمل تعليمها في المستقبل، فكثيرات ممن أعرفهن كن قد تركن مقاعد الدراسة؛ إهمالا واستهتارا، لكنهن عدن بعد ذلك وأدركن هول ما فوتنا على أنفسهن وعدن للدراسة من جديد. لكن كل فتاة لا بد ألا تنسى أيضا أننا خلقنا لعمارة الأرض، لذا فإن خيار المرأة الأول، كما هو للرجل، هو الزواج، وإن التعليم هو سلاحها عندما لا يكتب لها الله عز وجل الزواج، وهو وسيلتها لتأمين عيش كريم لأسرتها إذا افتقر زوجها، أو إذا انقطع عن العمل لسبب من الأسباب. فالعمل ليس بديلا عن الزواج وليس الوسيلة الوحيدة لتحقيق الذات. فما ينفع المرأة إن حصلت على الشهادات العالية، وصارت وزيرة او حتى رئيسة دولة، وحُرمت من نعمة الأمومة التي لا يكتمل كيان المرأة إلا بها. كما أنني أريد أن أؤكد أنني عندما أتحدث عن استقلالية القرار، فأنا لا أقصد بها الوقوف في وجه الأهل والتمرد عليهم، ولا أقصد بها الدخول في صراع معهم ومع الزوج ومع المجتمع. كل شيء بالتفاهم والصبر والمثابرة يتحقق. ومن جميل ما قرأت في هذا الشأن كلمات للدكتورة نهى قاطرجي التي تقول: «إن معنى التحرر هو ذلك التفكير العقلي والمنطقي في التخطيط للحياة، بعيداً عن غول المؤثرات الخارجية مثل الأجواء والبيئة والعادات والتقاليد ومتطلبات العصر وغيرها، أو الداخلية مثل النفس، والشهوات والغرائز وما شابه، والتحرر أيضاً يعني العمل قدر الإمكان والمستطاع لإعطاء كل ذي حق حقه؛ فللنفس حق، وللغرائز حق، وللمجتمع حق، وحدود كل ذلك هو عدم تجاوز حقوق النفس والآخرين وعدم الإسراف في ذلك».