في ظل استمرار النزاع بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، وعلى خلفية الفشل الإسرائيلي في تحقيق أي هدف عسكري في حرب لبنان الثانية، صيف العام 2006، قررت أجهزة المخابرات الإسرائيلية تخصيص 15 عالمًا وباحثا في علوم النفس والكلام والإشارة من أجل تحليل مضمون خطابات أمين عام حزب الله حسن نصر الله، التي يلقيها علي قناة المنار التابعة للحزب، وكشفت صحيفة ‘يديعوت أحرونوت' العبرية أن إسرائيل شكلت طاقما من 15 فردا مختصا في تحليل شخصية نصر الله، بين محلل استخبارات ومستشرق وعالم نفس. وأنيطت بعهدة هذا الفريق مهمة إعداد (بروفيل) متجدد للأمين العام للحزب ومقارنة هذه (البورتيهات) بمثيلاتها القديمة لبيان تطور الملامح النفسية لنصر الله. ويستند هذا الفريق إلى جملة من المعطيات أهمها على الإطلاق المعلومات الاستخباراتية ولغة الجسد وحركة اليدين وتعابير الوجه. وأكدت الملاحظات الكبرى لهذا الفريق أن الإعلام يمثل ركيزة مهمة في عمل نصر الله وأنه يستعد جيدا قبل ظهوره الإعلامي ومن بين الاستنتاجات أن قائد المقاومة اللبنانية رجل قوي ليست عليه أمارات الخوف من الموت مقتنع بأن له مستقبلا سياسيا وأمينا وليس مستعدا للبقاء طويلا في مقره تحت الأرض. وأشارت الصحيفة، استنادا إلى مصادر أمنية رفيعة المستوى في تل أبيب، إلى أن خطابات نصر الله أصبحت الشغل الشاغل للإسرائيليين قبل العرب واللبنانيين. مشددة على أن هؤلاء العلماء ومنهم ثلاثة من المستشرقين المسلمين باللغة العربية، يتابعون كل حركة يد لنصر الله، وآخرون يقومون بمتابعة نظراته خلال إلقائه الكلمات لرسم (بروفايل) لشخصيته ونفسية الرجل، والتأكد من صدق تهديداته خاصة بقصف تل أبيب وما حولها. ولم يكتف هؤلاء الباحثون برسم هذه الشخصية من خلال الخطابات الحالية التي يلقيها نصر الله على مسامع المشاهدين في العالم العربي، وفي إسرائيل من خلال ترجمتها إلى العبرية، بل يقوم الخبراء الإسرائيليون بتحليل خطابات سابقة لنصر الله لعقد مقارنة بين مضمون الخطابات وبالتالي التوصل إلى التحقق من صدق تهديداته. وتوصل الخبراء الإسرائيليون عقب متابعة تفاصيل ستة خطابات ألقاها نصر الله إلى أن كلماته تسبب النكد للمسؤولين الإسرائيليين بصفة خاصة والمجتمع الإسرائيلي بصفة عامة، ولفتت الصحيفة إلى أن إبان حرب لبنان الثانية حيث بدأ نصر الله عقب الخطاب الثاني في ترديد كلمات من عينة إسرائيل تورطت ليس هذا ما خطط له الجيش الإسرائيلي وقال إن إسرائيل دولة حمقاء وغبية أولمرت الضعيف. وقال أحد الخبراء المشاركين في هذا الرصد للصحيفة: إن نصر الله كان يردد في خطابه الأول مصطلحات صفقة التبادل والإفراج عن الأسرى، ويضيف الخبير الإسرائيلي في علوم الكلام إن نصر الله كان يستعد لحملة ضربة واحدة من قبل الجيش الإسرائيلي. ثم تبدأ مفاوضات طويلة وشاقة بينه وبين الحكومة الإسرائيلية بخصوص الأسرى في كل الجانبين، لكن سيناريو نصر الله لم يسر حسب مخططه، لأنه كان يريد الخروج من هذه الحرب الخاطفة والمفاوضات كبطل قومي في لبنان. ونقلت الصحيفة الإسرائيلية تصريحات لقائد في جيش الاحتلال سخر فيها من تحليل الخبراء الإسرائيليين، وقال إن نصر الله بات زعيمًا في نظر أغلب الشعوب العربية والإسلامية سواء السنة أو الشيعة. وأشرت أحد خبراء الطاقم المذكور إلى أن تحليل وكالة الاستخبارات الأمريكية لشخصية الرئيس العراقي صدام حسين كانت من خلال اكتفاء الخبراء الأمريكيين بتحليل نفسية صدام حسين، لكن الأمر مختلف في المخابرات الإسرائيلية التي تحلل شخصية نصر الله من أجل رسم صورة استخباراتية شاملة، من الجانب النفسي ولغة الجسد ومن خلال عقد مقارنات بين خطابات سابقة وأخرى حالية. الطريف ما جاء على لسان أحد الباحثين الإسرائيليين من أن تحليل الشخصية سواء بالطريقة الأمريكية أو الإسرائيلية لا يؤدي إلى إعداد بروفايل دقيق ومحدد للشخصية محل البحث، لكنها فقط تؤكد أن هذا البروفيل لبطل يلتف حوله جزء من الناس. ولخص أحد الباحثين الإسرائيليين قائلاً إن حسن نصر الله هو رجل شديد الفهم لكنه ظهر في آخر خطابين له حزينا وكثرت كلمات اعتذاره. مضيفًا أن نصر الله يعرف جيدا إسرائيل ويعلم أنها باتت في وضع غير جيد. وهو بالفعل لا يهتم بمسألة بقائه حيا أو ميتا، لكنه على يقين بأن لديه مستقبلا جيدًا وأنه سينتصر في نهاية المطاف، على حد قول الباحث. على صلة، قال المحلل بوعاز بسموت من صحيفة ‘يسرائيل هايوم' إن نصر الله تحت ضغط كبير وهناك عدة أسباب تجعله تحت هذا الضغط، حيث أثبت الصاروخان اللذان أطلقا على حصن حزب الله في الضاحية الجنوبية بأن نصر الله الذي كان حتى الأمس القريب عزيز العالم العربي وحبيبه قد تحول إلى مكروه وشخص مقيت. وأضاف أن هذا الكره الذي يكنه العالم الإسلامي السني تجاه نصر الله لم تكن إسرائيل سببه بل كان هو نفسه السبب لمساندته بشار الأسد الذي يذبح الأبرياء من أبناء شعبه، على حد تعبيره. وأكد الكاتب، أن نصر الله حتى وقت قريب كان رمزا للفخر العربي ونجحت شخصيته بتوحيد الجماهير العريضة وشكل نصر الله وريثا حقيقيا لشخصيات وقادة تاريخيين مثل جمال عبد الناصر وصدام حسين ونجح عام 2006 بتحقيق الأسطورة العربية وتحول من زعيم مليشيا شيعية في بيروت إلى بطل عظيم في نظر الجماهير العربية بملايينها وفجأة حولته طريقة مواجهته إسرائيل إلى زعيم عربي. وأوضح الكاتب أن الحرب في سورية كشفت للعالم العربي الوجه الحقيقي لنصر الله الذي نجح على مدى ال 20 سنة الماضية بخداع الجميع ليعود فجأة إلى وضعية الزعيم الشيعي، مضيفا أنه من الصعب اليوم أن يظهر نصر الله ثقة ذاتية كما اختفت اللهجة التهكمية من فن خطابته وبلاغته. وخلص إلى القول: لم تسقط الحرب الأسد حتى الآن، لكنه من الناحية المعنوية وجهة الصورة الشخصية اسقط حسن نصر الله الذي منحه صراعه مع إسرائيل هالة وتقديسا استمر لأكثر من 20 عامًا، على حد قوله.