لم يكن الشاعر المصري الكبير احمد رامي ليتخيل ان مصر ستواجه يوما عصيبا وتتفاقم فيه الاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية وتسود الفوضى محافظات مصر بسبب الخلافات السياسية والتي لم يستطع المصريون العقلاء والحكماء من لجمها وحل اشكالاتها. لم يكن هذا الشاعر المبدع وزميله الملحن رياض السنباطي ان يتوقعا ان يوما عاصفا سيمر على مصر بعد اكثر من ستين عاما على نظم هذا الشعر الجميل للسيدة ام كلثوم والتي غنتها في الخمسينيات من القرن الماض والتي كان مطلعها: مصر التي في خاطري وفي فمي احبها من كل روحي ودمي ويا ليت كل مؤمن يعزها يحبها حبي انا… فمصر التي تشهد تظاهرات مليونية ضخمة بيوم الغضب من المؤيدين والمعارضين للرئيس محمد مرسي والتي يتوافد على المقار الرئيسة للتظاهر في ميدان التحرير وعلى ميدان رابعة العدوية تحت شعار «الشرعية خط احمر» وبضرورة حماية الشرعية الدستورية التي تعتبر اهم مكتسبات ثورة 25 يناير والتصدي لأية محاولات للالتفاف عليها وكذلك التصدي لما سموه ب «محاربة فلول الحزب الوطني المنحل» اشعال الفتنة في البلاد وبالمقابل يطالب المناوئون للرئيس المصري بضرورة رحيله واجراء انتخابات مبكرة وهم يعلمون ان جمع 22 مليون توقيع من مختلف المحافظات اي ضعف ما حصل عليه الرئيس المصري في الانتخابات لا تساوي شيئا لأن الصناديق هي التي تقرر ذلك… وان مثل هذه التواقيع التي جمعها قادة «التمرد» لا يمكن ان تحقق الهدف المطلوب في انهاء حكم الرئيس مرسي والذي قال الدكتور عصام العريان في مقابلة له «امس» ان هذه التظاهرات هدفها زعزعة الامن والاستقرار في مصر وبعيدة عن الشرعية الدستورية التي نحرص عليها… وان قادة هذا التنظيم –المعارضة- عليهم ان يعدوا للانتخابات البرلمانية المقبلة ومحاولة كسب اصوات مؤيديهم اذا وجدوا ومن ثم اسقاط الرئيس بالاسس وبالشرائع الديمقراطية الحقيقية اما غير هذا النهج فلا يمكن الاخذ به لانه يسهم في مزيد من الفوضى وسفك الدماء في مصر. ان ميدان التحرير وكذلك ميدان رابعة العدوية والذي يشهد كل منهما تواجدا مكثفا للمتظاهرين والمعتصمين والخطب النارية ووسائل الاعلام المقروءة والمرئية والذي حرصوا على التواجد مبكرا لتغطية فعالية هذه المليونيات ستكون ذات اهداف سياسية عكسية على الوطن والمواطنين اقتصاديا وسياسيا وثقافيا… ولعل مناشدة الرئيس الامريكي كلا من الرئيس مرسي والمعارضة لكي تجري مفاوضات جادة وعملية من اجل انهاء هذه الخلافات والتظاهرات يؤشر على خطورة الاوضاع المصرية ويدعو الى تدخل الحكماء من المصريين لانهاء فتيل الحرب الاهلية واشعال الفتن في مختلف المحافظات والتي زرع لها واسس لاشعالها نظام الحكم السابق والذي يتلذذ بها في الوقت الحاضر. اعتقد ان اعطاء الرئيس المصري فرصة اخرى لكي يحاول اعداد برامجه خلال السنوات المتبقية من حكمه وهي ثلاث سنوات هو الافضل لمصر ولشعبها لان استمرار هذا الخلاف سيؤدي الى تقويض النظام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بعيدا عن اية اصلاحات تهدف الى رفع مستوى الوطن والمواطنين الذين بلغ عددهم تسعين مليونا. ان هذه الاحداث المؤسفة التي تجتاز مصر حاليا ستكرس للاسف مزيدا من الانقسام والاستقطاب والتخوين وانعدام الثقة جراء استمرار الاحتكاكات والمواجهات وردود فعل غير عاقلة .. ونتساءل في هذا المجال.. هل الهدف هو الدكتور محمد مرسي او الهدف من ذلك فوز فصيل على الآخر في هذه المواجهات التي من شأنها تحجيم وتقزيم دور مصر عربيا ودوليا؟!… فالمطلوب ان تستقر مصر وينطلق قطار البناء والتعليم بدلا من سياسة المليونيات المعارضة والنقد والتجريح في هذه المرحلة.. لاننا كنا نتمنى ان يكمل الرئيس مدته ويسلم الراية لمن يأتي من بعده بشكل ديمقراطي ايضا غير ان الأحداث المتلاحقة تستوجب وقفة جادة لتصحيح هذه الاوضاع. فالمشهد السياسي المصري للاسف مرتبك على الاصعدة والمحاور كافة فضلا عن ان النخبة من السياسيين والحكماء فقدوا دورهم للقيام بوساطات من شأنها ابعاد الفتن عن مصر وشعبها في هذه المرحلة الحساسة. ومن الواضح القول ان مقياس نجاح الثورة في 30 يونيو «حزيران» ليس النخبة في معارضة دائمة لكن المقياس هو التحرك الشعبي الذي يزيد من الاختلالات السياسية والبنيوية في البلاد لأن مثل هذه التظاهرات لن تستطيع انقاذ اقتصاد الوطن او تمهد الطريق لانتخابات تشريعية نزيهة مقبلة بل ان هذه التظاهرات تدخل مصر في فوضى ومهاترات سياسية كبيرة. واذا كان حزب النور السلفي اعلن انه لن ينزل مطلقا الى الشوارع في يوم الغضب فان ذلك ينطلق من رغبة اكيدة في تجنب وقوع صدام بين الاطراف المشاركة؛ لان هذا الحزب لا يريد زيادة الاحتقان والحشد المضاد الذي تقوم به قوى المعارضة وفلول النظام السابق، ويرى الحزب ايضا ان الرئيس مرسي يجب ان يستكمل مدته المنصوص عليها .. وبعد ذلك فان اي خلاف سياسي يجب حسمه عبر صناديق الاقتراع. فالتفكير باللجوء الى العنف من شأنه ان يسهم في حرب اهلية مصرية لا تبقي ولا تذر لذلك فاننا نعتقد ان للجميع الحق في التظاهر والتعبير عن الرأي بشرط استخدام الاساليب السلمية في ذلك فضلا عن الاحتكام الى آليات الديمقراطية في الوصول الى السلطة واذا كان البعض يرى ضرورة اجراء اصلاحات جذرية على السلطة المصرية فهذا لا يمنع من تشكيل اللجان الرامية الى تحقيق ذلك عبر مجلس الشورى او القضاء او القوات المسلحة لانهاء المواجهات بين المواطنين ونزع مشاعر الاحباط واليأس التي يسعى قادة القوى المدنية لنشرها بين المصريين. واذا كانت المعارضة لم تر في خطاب الرئيس المصري الاخير اية بوادر جديدة للصلح فمن حقها ان تتقدم بملاحظات جوهرية امام الشعب بدلا من تنظيم التظاهرات التي تشل الوطن لانه ليس من المعقول ان يواجه الحشد بحشد.. والحشد ضد الرئيس المصري لن يقلل من شرعيته ولا الحشد مع الرئيس لن يدعم شرعيته لانها قائمة بالفعل. الامل كبير في ان تمر تظاهرات يوم الغضب بسلام دون وقوع اية احداث دموية قد تدفع البلاد نحو الهاوية… إذْ إن تفاقم الاحداث سيؤثر بشكل سلبي على الاوضاع الاقتصادية والامنية والسياحية في مصر… وذلك جراء عدم استقرار هذه القضايا ووجود مؤثرات سلبية تشوب الحياة العامة المصرية. الامل كبير في ان يكون يوم الغضب المصري مؤشرا على وجوب تعاون المؤيدين والمعارضين لنظام الرئيس مرسي وفتح صفحة جديدة من التفاهم الاخوي بعيدا عن اراقة الدماء والتوجه نحو العمل الجاد والبنّاء لخدمة مصر والمصريين الذين هم احوج ما يكونون الى التفاهم والتلاحم ضد قوى الشر والعدوان. [email protected]