كلمة الحق كما يقول العامة «بتزعل» وتثير الغضب، ربما لأنها تذكرنا بأخطائنا التي نريد أن ننساها، وربما لأنها تجرحنا، وربما لأننا لا نريد ان نعترف بها أو نسمعها من حيث المبدأ.. على هامش المشهد المصري الملتهب، تجول في الخاطر بضع مسائل، سأوجزها فيما يلي… أولا/ الفجور في الخصومة من صفات المنافقين، وقد رأينا «عينة» من هذا الفجور لدى طرفي الصراع في مصر (وليسوا سواء!) ولدى من يناصرهم، ثمة رؤوس حامية مستعدة لرفع الصوت واليد ايضا، دفاعا عن وجهة نظرها، وثمة تهيئة لنزاع أهلي طويل المدى وعميق، يشبه في بعض جوانبه الانشقاق الذي أحدثه الخلاف بين فتح وحماس، في صفوف الشعب الفلسطيني، وتقتضي المصلحة صب الماء على نار الخلاف لا إذكاءه، كي لا يتطور إلى ما هو أكثر! ثانيا/ ما حصل انقلاب عسكري كامل الأوصاف، وحتى أولئك الذين ينكرون هذا الأمر جهرا، يعرفون في أعماق أنفسهم أنه انقلاب، وإلا ما معنى أن «يعزل» وزير دفاع رئيسه الذي عينه، ليأتي برئيس خبرته في السياسة كخبرتي في الشعر الصيني؟ القصة ليست في أن ما جرى في مصر انقلاب أم لا، فالحدث وقع، المشكلة في كيفية التعامل معه، والخروج من تبعاته، حتى الآن يبدو أن كل طرف متمسك برأيه، أملا في زحزحة الطرف الآخر، أو تسجيل مكاسب عليه، حالة التجاذب هذه لن تستمر طويلا، مصر بحاجة لتفاهم وطني، لا يستثني الإخوان تحديدا، ويعيدهم إلى وضعهم كشريك وطني أصيل، دون شيطنة أو ملاحقات، أو انتقام، وإلا لن ترى مصر الخير! ثالثا/ المستهدف بشكل أساس كان صندوق الاقتراع، لا مرسي والإخوان، وإن كان وضع مرسي كوضع المبغوضة وأنجبت بنتا، فلا يكفي أنه رئيس منتخب ويمتلك شرعية دستورية، بل هو إسلامي ومن الإخوان المسلمين، هذا ما أثار النظام العربي الرسمي، الذي أحس أن ايامه معدوده إذا نجت مصر من الفوضى، وعبرت إلى الديمقراطية الراسخة، فصاح «فرسان» هذا النظام المتهالك: لا نجوت إن نجت مصر، ورافق هذا أخطاء إخوانية قاتلة في إدارة شؤون البلاد (ربما نخصص لها مقالا مستقلا!) ونقمة من دولة مبارك العميقة وفلوله واصحاب المصالح الذين تضرروا من الوضع الجديد بعد الثورة، إضافة إلى الخلافات العميقة بين الرئاسة والجيش، كي يسهل في النهاية رمي صندوق الاقتراع في الزبالة، ولتبدو الحركة المسرحية الهوليوودية (مسخرة ال 33 مليون مثلا!) وكأنها «ثورة» وتجد من يدافع عنها باستماتة، مع أن كل الدنيا باتت تعرف أن لعبة الأرقام سقطت سقوطا ذريعا، على أيدي جوجل ايرث! رابعا/ الانقلاب لم يقع بعد عام من رئاسة مرسي، بل إن مرسي لم يكد يحكم فعلا ولا ليوم واحد، فمنذ اليوم الأول لفوزه بدأ الانقلاب واشتغلت آلة التخريب والتآمر، في كل الاتجاهات، فكان الرئيس وحيدا: بلا شرطة ولا أمن، ولا جيش، ولا اقتصاد، ولا قضاء، ناهيك عن حزب الإدارة العامة الذي بدأ بتخريب كل شيء، كي يبدو الرجل وكأنه فاشل ولا يتقن إدارة البلاد، وتعرض لأبشع عملية تشويه في التاريخ الإنساني، وعلى رؤوس الأشهاد، وعبر أكثر من فضائية، ووسيلة إعلام! ولقد بدأت الأجواء في مصر تتجه إلى التسخين أكثر فاكثر، وباتجاه وضع ينذر بشر كبير، بعد أن كشر الانقلابيون عن أنياب صفراء، جهارا نهارا، وإلا ما معنى إلقاء كوبونات الهدايا على معتصمي التحرير، وإلقاء التهديدات والتوعد بالثبور وعظائم الأمور لمعتصمي رابعة العدوية، الانقلابيون اليوم يأخذون الجيش المصري الوطني بعيدا، للانحياز إلى طرف في المجتمع ضد طرف، والجيش للجميع، ولهذا وجب دائما وفي كل بلاد الدنيا أن تبقى القوات المسلحة بعيدا عن السياسة! قرأت اليوم تغريدة للبرادعي على تويتر يقول فيها: الثورة قامت من أجل بناء مصر جديدة . ما نراه اليوم هو محاولة فجة لإحلال وتجديد النظام القديم بفكره و أساليبه وأشخاصه!! وهذا فعلا ما تقوم به الثورة المضادة، حيث يتم استدعاء كل بقايا مبارك الأمنيين والزعران وقطاع الطرق، للاستعانة عليهم بقمع الإخوان، ومحاولة إخراجهم من اللعبة، وما قتل النساء في المنصورة ليلة السبت، إلا مثل حي على إعادة إنتاج واستنساخ لأساليب البلطجة المباركية، وهذا خطأ استراتيجي يرتكبه الانقلابيون، لأنهم سيجدون أنفسهم بعد إنجاز مهمتهم (إن أنجزوها) مطلوبين للعدالة الشعبية، التي لن يتسامح ضميرها اليقظ مع استهداف جزء من أبناء الشعب المصري على هذا النحو من البشاعة! بعد فوز مرسي مباشرة، قيل أن الدوائر الغربية طلبت منه تعيين البرادعي رئيسا للحكومة، ولكنه رفض، ثم قيل حديثا أنه بعد أن اشتد الحصار على الرئيس المنتخب، دعا البرادعي لتشكيل حكومة فرض.. ويبدو ان القرار حينها كان متخذا بالانقلاب على الرئيس، وهنا نسجل أن مرسي ارتكب خطأ فادحا، برفض تعيين البرادعي رئيسا للوزراء، ولنا من تاريخنا المعاصر عبرة، ففي عام 1970 انشأ نجم الدين اربكان حزب النظام الوطني (اسلامي) الذي تم حظره عام 1971 بضغط من الجيش. وفي عام 1972 اسس حزب الانقاذ الوطني (اسلامي) الذي حصل على 12% من الاصوات في الانتخابات التشريعية عام 1973. اصبح اربكان نائبا لرئيس وزراء الائتلاف الذي تشكل عام 1974 بين حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي-ديموقراطي) بزعامة رئيس الوزراء بولند اجاويد وحزب الانقاذ الوطني. وبعد انفراط عقد هذا التحالف اصبح شريكا في ائتلاف من اربعة احزاب بقيادة سليمان ديميريل (1975-1977). ومثل الكثيرين منع من ممارسة السياسة لمدة عشر سنوات بعد انقلاب 1980. وبعد رفع الحظر عام 1987 اصبح زعيما لحزب الرفاه. وفي عام 1995 اصبح الرفاه اول حزب في البلاد بحصوله على 21% من الاصوات ليتولى اربكان رئاسة الوزراء في حزيران/يونيو 1996 بفضل تحالفه مع تانسو تشيلر، مع أنها علمانية، وتنتمي لمدرسة مغايرة لمدرسة أربكان، فضلا طبعا عن تحالفه مع ديمريل وأجاويد، وهم من لون سياسي، فلم لم يفعل مرسي والإخوان ما فعله أربكان، ومن بعده اردوغان، لتجنيب مصر هذه الكارثة التي تعيشها؟ الغريب أن الاتهامات التي كالها معارضو مرسي له، ها هم يرتكبونها نفسها بلا أي تعديل ولو طفيف، بل بزيادة، من تكويش وتهميش واستبعاد، ونفي وجود الخصم حتى، ناهيك عن إضافة شيء ألعن: وهو القبضة الأمنية والانتقام السياسي، وما يبدو انه محاولة لإستئصال الإخوان تحديدا، وهذه وصفة سحرية لحرب اهلية، لأن إخوان اليوم هم غيرهم بالأمس حينما كانوا يرضون ب «ابتلاء» السجون، ناهيك عن شعبيتهم التي زادت بعد أن تحولوا إلى «ضحايا» بطبعة جديدة، فبعد أن كانوا ضحايا لنظام قمعي استبدادي، أصبحوا ضحايا لانقلاب على شرعية الصناديق، علما بأنهم كانوا متهمين طيلة الوقت بأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية، وها هي تصبح ايقونتهم «المقدسة»! بقي أن اقول أن أكبر الأخطاء التي ارتكبها مرسي ولم يكن بالإمكان تجاوزها، واساءت له لدى خصومه ومحبيه على حد سواء، وهي «إعلان» الجهاد من القاهرة ضد نظام الأسد طبعا بدون جهاد حقيقي، فهو موقف إعلامي فقط، وليس له أي مدلول على الأرض، ثم إغلاق السفارة السورية مع الابقاء على السفارة الإسرائيلية، فتلك كانت القشة التي قصمت ظهر بعيره وبعيرنا! [email protected]