وقف بعض العلماء في داخل مصر وغيرها من أحداث مصر الخطيرة موقفاً سلبياً عكس الموقف الإيجابي العظيم الذي وقفه كثير من العلماء في مصر وخارجها، حيث قام هؤلاء العلماء الربانيون بواجبهم الإسلامي، الذي أوجب عليهم الانحياز للحق، ونصرة أهله، وإنكار الباطل، ومواجهة أهله، والجهر بالحق. أولئك العلماء الذين كان موقفهم سلبياً – غفر الله لهم – سكتوا وانسحبوا واعتزلوا، وذهبوا إلى بيوتهم أو مكاتبهم، وعاشوا مع أبحاثهم ودراساتهم! ولا أتحدث هنا عن قلة قليلة من هؤلاء كان موقفهم أقبح، حيث نصروا أصحاب الباطل ودعموهم وأيدهم ووقفوا إلى جانبهم، وكان وقوف شيخ الأزهر بجانب رئيس حزب النور، وبالقرب منهما البابا تواضروس، ليلة قيام الخوارج الخائنين بانقلابهم نموذجاً على الموقف القبيح لهذه القلة القليلة! لماذا آثر هذا الفريق من العلماء الاعتزال والانسحاب والانزواء؟ حجّتهم في ذلك هو اعتزال الفتنة، حيث ذهبوا إلى أن أحداث مصر هي خلاف سياسي بين الإخوان المسلمين وبعض قادة الجيش، وهو خلاف على الحكم والسلطة والكرسي، وهذا أمر شخصي وحزبي، وهو يقود إلى الفتنة وتفريق الصف، واضطراب الأمن، ولا بد أن يترفعوا عن المشاركة في ذلك، حتى لا يكونوا آثمين عند الله، ويقولون: الفتنة نائمة لعن الله موقظها. نقول: إن الأمر التبس على هؤلاء العلماء المعتزلين، سواء اعتزل بعضهم في بيته، أو ذهب إلى الحرم متعبداً فيه، ليلقب بعابد الحرمين! الفتنة أيها العلماء المعتزلون الساكتون عندما يقع خلاف بين فريقين أو مجموعتين من المسلمين الصالحين، يختلفون على مسائل فكرية أو فقهية أو علمية أو اجتماعية أو حتى سياسية، وكل منهم يرى أنه على حق، ويعتمد على حجج أو أدلة شرعية تشهد له، ويمكن أن يكون الحق مشتركاً بينهما، فبعض العلماء قد لا يستطيع معرفة من منهما على حق، وكل منهما صالح مستقيم، عند ذلك قد يعتزل هذا العالم الفتنة، وما جرى من خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم وأدى إلى القتال بين علي وطلحة والزبير، ثم علي ومعاوية – رضي الله عنهم أجمعين – مثال على ذلك. إن أحداث مصر الخطيرة ليست من هذا الباب، وإن الأمر فيها واضح بيّن، وليس ملتبساً ولا مشوشاً، إن هذه الأحداث صراع بين الحق والباطل، وإن الذي يمثل الحق هو ذلك الشعب المصري المظلوم المعتدى عليه، فخرج إلى الميادين ينكر الظلم… وإن الذي يمثل الباطل هم أولئك الفلول من الخوارج المتآمرين والمرتزقة والعملاء، الذين ينفذون مخططات أعداء الإسلام في الداخل والخارج، والمستهدف هو الإسلام في الحقيقة. فلا مبرر لأحد في الاعتزال والانسحاب، لأن نصرة الحق على الباطل فرض عين على كل مسلم.