قبل أَنْ تكتمل أَربعة أَسابيع على إِزاحته محمد مرسي، وتصدّره صناعة القرار في مصر، صار الجنرال عبد الفتاح السيسي صنو جمال عبد الناصر، من دون أَنْ نقع، تماماً، على أَوجه هذا التشابه العاجل بينهما، والمفترض طبعاً، والمفتعل حتماً، سيّما وأَنَّ المراد منه أَنْ يكون الفريق أَول في سوية البكباشي الراحل، وعلى صورتِه، زعيماً مبادراً، قائداً بكاريزما خارقة، حمل مشروعاً وطنياً وقومياً، وانحاز حقاً إِلى العدالة الاجتماعية واستقلال القرار الوطني، وارتبط بالوجدان العام لمواطنيه. وهذه السجايا، وأُخرى كثيرةٌ غيرها، لم نعرف أَنَّ صاحب بيان الثالث من الشهر الماضي من أَصحاب المعجزات والخوارق، حتى يلملمها في شخصِه في أَيامٍ معدودات، ويصير عبد الناصر الجديد، قائداً للجيش الذي استدعاه الشعب، فيما المُشابَه به قاد الجيش الذي استدعى الشعب، على ما نُسب إِلى عادل إِمام في كلامٍ مسترسل، خاض في مثله ممثلون ومغنون وطبّالون وصحفيون ومذيعون، لا نتذكّر أَنهم كانوا يوماً على سمتٍ ناصري، أَو مولعين بالزعيم الراحل، وطالما طعن بعضهم به، بل اشتهروا بمباركيّتهم وساداتيتهم. وإِذ يحقُّ لهولاء، ولغيرهم، أَنْ يكونوا كيفما يشاءون، فمن حقِّ الأوفياءِ لعبد الناصر وسيرتِه وخياراته أَنْ يجهروا بأَكثر من نقطة نظام أَمام المهرجان الكلامي، المتواصل في صحافاتٍ وشاشاتٍ غزيرةٍ في مصر الآن،والذي يمحض عبد الفتاح السيسي فائضاً من الولاء لشخصه، ولبزّته العسكرية، وصل إِلى تخوم التقديس والتبجيل المفرط. وأَنْ يُقال إِنَّ الطفل في نحو الخامسة يُحيّي عبد الناصر ويُقدّم له ورداً، في صورةٍ شاعت وذاعت في الأَيام الماضية، هو السيسي، فذلك يعني أَنَّ ثمّة توظيفاً مقصوداً للصورة غير الموثقة تأريخاً ومكاناً، يُراد منه تعزيز الانطباع المتوخّى، أَي نسبة الجنرال في زمن "ثورة 30 يونيو" إِلى عبد الناصر في زمن "ثورة 23 يوليو". ويدور في أَفهام كثيرين ممن ينخرطون منذ احتجاز محمد مرسي في تعظيم الرجل الذي يُحدِّث صحيفةً أَميركيةً إِنه لا يطمح إِلى رئاسة مصر، لكنه لا يستبعد ترشّحه للمنصب، يدور في أَفهامهم أَنَّ "الثورتين" في النسق نفسِه، وهذا فيه تخريفٌ يجعل التعقيب عليه مضحكاً، كما قد يُضحكنا أَنْ يتمنّى هؤلاء، لاحقاً، على السيسي أَنْ يتفهم رغبة شعبه فيبادر إِلى حمل الأمانة، وهو أَهل لها، وسينهض بمصر أَيّما نهوض. وقد يفعلها أَحد هؤلاء الحواة فيرى في هذه السطور دسّاً من صاحب هذه السطور أَنفه في شؤون مصر وشعبها، والردُّ على هذا إِن مصر للمصريين شعارأَحمد لطفي السيد في زمن الاحتلال البريطاني، ولا تليقُ استعادته في زمن استخدام جمال عبد الناصر من أَجل بيع عبد الفتاح السيسي للمصريين البسطاء. لم يفتئتْ على الجنرال المصري المستجد من شابه مشهدَه، لمّا طلب من رعاياه تفويضاً بمواجهة الإرهاب، بصور للعقيد معمر القذافي، ليس فقط للنظارة السوداء والبدلة الموشحة بالنياشين، بل، أَيضاً، لغرائبيّة طلبٍ كهذا. ولم يسلكوا غير المكايدة الواضحة، مناوئو السيسي، حين شابههوه، أَيضا، بجمال عبد الناصر، فقد عادى الاثنان "الإخوان المسلمين"، واضطهداهم في السجون، بل إِنَّ فرادة خاصة في اعتقال سعد الكتاتني بعد ساعتين من تلاوة بيان استحضار عدلي منصور رئيساً. وفي غضون مكايداتٍ وخراريف وبلاهاتٍ غزيرة، في الأَداء السياسي والمهرجان الإعلامي الحادثيْن في مصر الآن، ثمة طلب وحيد من الجميع هناك: رجاءً، ابتعدواعن عبد الناصر.