وضعت قوات الأمن المصرية نھاية لاعتصامات المؤيدين للرئیس المصري المعزول محمد مرسي؛ بالقوة فرقت المحتشدين في میداني رابعة العدوية والنھضة، وخلفت العملیة مئات الضحايا بین قتیل وجريح. المشھد بدا مأساويا، فلم يكن لأحد أن يتخیل أن ربیع المصريین سیكون معمدا بالدم. لكن نھاية المسلسل في "رابعة" و"النھضة" لیست إلا البداية لمرحلة محفوفة بالمخاطر، بدأت ملامحھا بالتشكل قبل أن تنجز قوات الأمن مھمتھا في المیدانین. ففي مختلف محافظات مصر، أطلق الإخوان المسلمون موجة من العنف استھدفت المراكز الأمنیة والحكومیة والكنائس، في ردة فعل أولیة على فض الاعتصامین. أعتقد أن هذه الموجة ما هي إلا "بروفة" لما ستشھده مصر في الفترة المقبلة. لیس في وارد الإخوان المسلمین التسلیم بما حصل، وولوج طريق السیاسة لاستعادة دورهم في الحیاة المصرية؛ ما يزالون على قناعة بأن الجیش اغتصب السلطة منھم، وعلیھم أن يكافحوا لاستعادتھا. وبما أن وسائل النضال السلمي قد سدت في وجوهھم، فما من حل أمامھم سوى اللجوء للقوة. قد لا يكون هذا موقف جمیع "الإخوان" في مصر؛ فقد ظھرت جماعات بینھم تطالب بالمراجعة وعزل القیادة الحالیة، وإعادة هیكلة "الجماعة" وفق رؤية جديدة، لكّن هناك اتجاها غالبا في أوساط القواعد الشبابیة لا يرى أملا في العمل السلمي، ولن يتردد بعد كل ما جرى في اختیار طريق القوة. وفي غیاب معظم قیادات "الجماعة"؛ جراء السجن والاختفاء، سیكون من الصعب على التنظیم الذي اتسم بطابع حديدي أن يسیطر على مناصريه أو يضبط تحركاتھم. ومن المرجح أن وجوها متشددة من جیل الشباب ستتصدر واجھة التنظیم الإخواني في المرحلة المقبلة، الأمر الذي يعزز حالة التطرف في صفوفه. سیكون هدف "الإخوان" في الأشھر المقبلة تعطیل خطط النظام الانتقالي المتعلقة بتعديل الدستور وإجراء انتخابات تشريعیة ورئاسیة، وإطالة أمد المرحلة الانتقالیة إلى الحد الذي يدفع بالشعب المصري إلى الثورة مرة أخرى، وتوريط الجیش المتورط أصلا بمزيد من الأزمات مع الشعب. سیناريو كھذا يتطلب استمرار حالة التوتر في الشارع عبر مواجھات مفتوحة ومیدانیة مع الجیش والشرطة في كل أنحاء مصر، وإبقاء جبھة سیناء مفتوحة لاستنزاف قدرات الجیش المصري وإشغاله بحرب عصابات مكلفة. بمعنى آخر، ستكون مصر في حالة فوضى مستمرة، لا يمكن معھا انتشال الاقتصاد من أزمته مھما بلغت المساعدات الخلیجیة، فیما يتعزز حضور الجیش والأمن في الحیاة السیاسیة على نحو أكبر، إلى درجة يصبح معھا حكم العسكر أمرا واقعا ودائما، وكما كانت الحال من قبل. هل تسقط مصر في يد العسكر فعلا؟ لم يعد ذلك مستبعدا، إلا إذا نجحت القوى السیاسیةالمصرية والقیادات الوطنیة في بلورة مبادرة استثنائیة، تجنب مصر المصیر البائس. حتى الآن، هناك العشرات من المبادرات، لكّن أيا منھا لا تحظى بقبول جمیع الأطراف؛ الإخوان المسلمون لیسوا مستعدين لتقديم تنازلات جوهرية، والتیارات الأخرى تسیطر علیھا نزعة الإقصاء والانتقام من الإسلامیین. قبل أن يتجاوز الطرفان حالة التشدد هذه، ستنزف مصر دما كثیرا.