لا أحد يشكك في القدرات الجبارة للحرس الثوري الإيراني، سواء في البرنامج النووي، أم الصاروخي، أم الإعلامي. ويدرك جهاز الدعاية الإيراني أن من الغباء تجميل النظام السوري وتقديمه بوصفه ديمقراطيا. ومن ثم، رسم إستراتيجية ذكية هي تقبيح الثورة السورية، بحيث تكون المقارنة بين من هو الأكثر قبحا. وهنا يمكن إحداث اختراقات، هذا فضلا عن اللعب على ورقة الصراع العربي-الإسرائيلي ومعاداة أمريكا واستثمار رصيد النظامين السوري والإيراني في دعم المقاومة. في هذا السياق، ضُخمت وقائع حقيقية وسلط عليها الضوء، واختُرعت أكاذيب، مثل "المناكحة"، وسيارة الجيب الإسرائيلية في القصير، وليس آخرها وكالة "بينتابولس" الأميركية التي ترصد أعداد المقاتلين غير السوريين وقتلاهم! وبالنتيجة، تؤدي الكذبة دورا أكثر من الحقيقة. ما يراد من الكذبة تحقق، وتعدى حدود سوريا إلى مصر وتونس. فهي تريد مسخ نضال المرأة الثورية وتحويلها إلى كائن رخيص، كما في الأفلام الأوروبية، ترفه عن المقاتلين. في ملحمة "رابعة" بالقاهرة، والتي أذهلت العالم، استخدم إعلام الانقلاب إستراتيجية "المناكحة" لضرب نماذج الشهيدات أسماء وحبيبة وهالة.. ومن في الميدان يرفهن فقط عن المجاهدين! ومنهن سوريات وفلسطينيات، إمعانا في الشيطنة. أي باحث أكاديمي أو صحفي يستطيع تتبع الظاهرة بسهولة؛ من فبركة موقع الشيخ محمد العريفي، إلى نشر تقرير على قنوات الإعلام الإيراني باستخدام صور [الاستشهاديات] الشيشانيات، وصولا إلى "المناكحات التائبات". يكفي التدقيق في جواز السفر لكشف الكذبة، وكذلك سؤال "المناكحة" عن الجغرافيا السورية والفصيل الذي قام بالجهاد، ولن يكون إلا فصيل النظام الذي تحفل تقارير منظمات حقوق الإنسان بتوثيق جرائمه في الاغتصاب واعتقال النساء وتعذيبهن منذ الثمانينيات. يريدون طمس طل الملوحي، الطفلة المعتقلة قبل الثورة وقبل "داعش" وقبل "النصرة"، والتي اتهمت بالمناسبة ب"المناكحة" مع القوات الدولية في الجولان، ومع السفارة الأميركية في القاهرة. ومن يقرأ لائحة اتهام الملوحي يدرك طبيعة نظام المناكحة؛ فبدلا من أن يحاسب القوات الدولية في الجولان على اغتصاب قاصر، والسفارة الأميركية في القاهرة على ذات الجريمة، يعاقب الضحية إلى اليوم. وبالمناسبة، لم يشملها أي عفو من "العفوات" الكثيرة التي صرفها النظام من بداية الثورة. لا تخجل القاعدة من عمل تقوم به، بل تتبناه وتعيده لمرجعياتها الفقهية التي تجد له تأصيلا سلفيا في التراث الفقهي؛ لديهم فتاوى في غزواتهم من نيويورك إلى نيروبي. والدفاع عن المرأة المجاهدة في سورية ومصر وتونس ليس دفاعا عن "القاعدة"، بل على العكس، موقف "القاعدة" من المرأة متشدد، وهي تحرم سفرها من غير محرم. ويمكن التذكير هنا بالعمل الإجرامي في تفجيرات عمان، إذ عقدت ساجدة قرانها على أحد المنفذين لأنها لا تسافر بغير محرم. إن الصراع في سورية ليس مع النظام المجرم الذي اغتصب الحرائر، بل مع منظومة رهيبة لها أذرع إعلامية بالغة التعقيد؛ تغتصب الضحية وتقتلها مرة أخرى بالإعلام. وعندما ندافع عن طل الملوحي في سورية، وهالة وحبيبة وأسماء وغيرهن في مصر، فإننا ندافع عن بناتنا وأخواتنا اللواتي ينكر عليهن أن يتحررن.