لا يختلف اثنان حول أهمية المسلسل الرمضاني همي همك، من أنه مسلسل وضعنا في العراء وأنكشفنا جميعاً لنرى حالنا الميؤوس وأدمغتنا المتصلبة وعقولنا الخادمة للقوة. لم يكن المسلسل سوى غيض من فيض ناقش جزئية بسيطة وتطرق للمشاكل تطرقاً سريعاً، أراد للكثير العلم والعلم فقط، لم يعالج المسلسل المشاكل، لم يضع الحلول، لكنه شخص المشكلة ووضع يده على آفات خطيرة في البلاد آفة الشيخ آفة ضياع القانون آفة القرصنة آفة الفساد وآفة الفقر آفة الأمية كما آفة العدالة.
المسلسل الذي خاض معاركه من أجل أن يُعرض على الناس ويستمر بالرغم من حالات التصدي له والوقوف ضد استمراره انحدر من المشكلة الأساسية ليناقش قضايا أخرى كالفساد المالي والقرصنة والتهريب والمتاجرة بأرواح الناس كما قضايا الوظيفة العامة وكل قضية أخذت لها بضعة أيام كنموذج جسدة صابر وساري وجعفر، ولم تكن النهاية جميلة ورائعة إلا مع صديقنا الصومالي المسمى " فرح " بعد أن زار قبر أبيه وبكى على قبره وصاح في وجه زعيمه وقال مقولته المشهورة والرائعة والجريئة " لن أكون قرصاناً وأبي لا يريدني كذالك "، لقد مات أبي بفعل القرصنة، وقتل الكثير بسببها، فيستحيل أن أستمر قرصاناً، كم تمنيت أن تكون النهاية بالنسبة للثلاثة لها معنى ولو مقولة أو عبارة كالتي قالها " فرح " لقد كانت رسالة فرح جميلة ورائعة ومعبرة وذات أهمية كبرى أنه في النهاية ينكشف الحق، ويتجلى في عيون المشاهدين من كل الفئات العمرية الصواب من الخطأ، أما في ما يتعلق بالقصة التي رواها كلاً من صابر وساري وجعفر تُركت بلا نهاية ولا أدري لماذا؟ بل إن أحدهم مات عطشاً ومن أراد أن ينتقم منهم ويكشفهم للناس بعد أن صحى ضميره بقوا على قيد الحياة وبدت النهاية بلا نهاية، ونجا جعفر وصابر وحمل ساري جثة هامدة.
ربما كان الرأي أن هذه القضايا لا زالت معلقة وتمارس يومياً وليس لها نهاية، لكن سؤال يوضع و القرصنة أيضاً لم تنتهي، ولم يعلن القراصنة التقاعد لكن " فرح " أعلن الرفض وعدم الطاعة وهذا مبدأ قرآني فالله تعالى يقول " كلا لا تطعه واسجد واقترب " .عاد صابر وجعفر أكثر يأساً وأقل حيلة، عادوا ليبدؤا حياة من جديد وهنا وقع الكاتب في مأزق إذا لم يستطع أن يعالج تلك الحبكة التي وصل إليها، كان على صوت " فتيني " أن يبقى، وكان عليه أن يحشد مناصرين، وكان على مناصريه أن يُعتقلوا ويُقتلوا من قبل الشيخ ولا تراجع، كان على المسلسل أن يضع تصوراً لنهاية الآفات المذكورة آنفاً، حتى وإن كان فيها وجهة نظر أو قصور فسيبينها التحليل والنقاد، فقد تحدث النقاد عن أكثر المسلسلات شهرة ووضعوا تصور لنهايات مختلفة عن النهاية التي تنتهي بها تلك المسلسلات، فهذا لا يعيب على الإطلاق، لكن ما يعيب مسلسل همي همك باعتقادي هو ابتعاده عن الحلم عن الأمل عن التصور لواقع مختلف، نعم ليشهد الجميع بأن المسلسل جسد واقع الناس وحياتهم، نعم المسلسل جسد حياة الناس هناك وفي مناطق كثيرة، نعم رأينا كيف أن المسلسل نجح نجاحاً فائقاً في إيصال الفكرة والمعلومة والحال إلى المشاهد اليمني والعربي، فهناك من أصدقائنا العرب من أعجب به وتعجب منه، وهذه قفزة كبيرة في التمثيل وتطور كبير في الدراما اليمنية.
كان على المسلسل أن يعالج القضايا من زاوية مختلفة لا أن يجمع ثلاثة في جزيرة خاوية ليوقدوا الحطب ويأكلوا السمك ليحكي كل منهم قصته وقد جمعتهم الصدفة أحدهم ذهب ليصطاد فاصطاد ساري والآخر قرصاناً أصيلاً دفعته أصالته ليكون رفيقاً للصياد وصيده ويرمون جميعاً بالبحر.
وليسمح لي القارئ بسرد ما يمكن أن أسميه إخفاقات لمسلسل همي همك والتي لخصتها في الآتي:
أولاً: كان على المسلسل أن يتطور من كونه حكاية لقصة حدثت بأن يكون مشاهد متكاملة ويستمر ثلاثون حلقة كاملة وهو يحكي المعاناة والمشاكل كمشاهد يومية، لا أن يصبح مجرد حكايات تحكى، أقصد أن يعرض مشهد من معاناة صابر ومعرفته " بفرح " ومشهد من حكاية ساري ومشهد من حكاية الشيخ وعنترياته وتعرض الآفات والحكايات التي عرضت بشكل يومي وينتظر المشاهد النهاية لكل مشهد في حلقة أخيرة كما هو حال الكثير من المسلسلات العربية والعالمية، ليس من باب التقليد ولكن من باب الأفضلية لحال القصة فهي تختلف عن " عيني عينك " ومغايرة ل " العقل زينه " كما أعتقد.
ثانياً: غاب أصحاب الحق الرئيسيين في المسلسل من أمثال "شوتر" وأرضه وأبقاره وكذلك الصيادين ومن أ خذ حقوقهم، لينتهي المسلسل وبهذا المجهود الغير مسبوق أيضاً لصالح الشيخ وعنترياته وكذلك لصالح الأقوى، حيث ضاع صوت الحق واستمر الحال كما هو عليه.
وكأن المسلسل أراد أن يصدمنا بالحقائق دون أي أمل بالتغيير والإصلاح، حيث انتهى المسلسل دون أن يحصل " صابر " على حقه في التوظيف ودون أي حساب أو عقاب للجهات الفاسدة والمفسدة في الأرض، ودون أي عقاب أو رادع للشيخ وعنترياته.
ثالثاً: لم يحدد المسلسل نهاية لخمسة آفات تعصف بالبلد ولو من باب الخيال والأمل والطموح وحسب رؤية المؤلف ولا نطالب بأكثر من ذلك نهاية للشيخ وعنترياته، ونهاية للمسئول الفاسد الذي أخذ أرض " شوتر " وعمل على نقل المخلصين وتبديلهم بفاسدين حسب رغبة الشيخ ومطامعة،ونهاية المسئول عن الصيادين وحقوقهم، ونهاية لمدير الشركة المهربة للأدوية الفاسدة وخادمه الحوت، ونهاية للزئبق كعضو فاسد في المجتمع اليمني.
رابعاً: المشاكل ظلت قائمة في المسلسل ولم يحدث أي تغيير وهذا رسخ اليأس وافقد الجميع الأمل حتى بالأمل نفسه، والخيال والحلم حتى بالحلم نفسه وأفقد المسلسل أهميته ومعناه، حيث أن مهمة المؤلف أن يكتب عن الواقع ويضع تصوراته للحل هذا باعتقادي وأنا لست ناقداً ولا أدعي ذلك،ولكنني أعتقد أن المسلسل فتح أعيننا على أشياء كثيرة دون حل، وبقدر ما يحكي الكثير كم كانوا يضحكون أحكي كم كنت أتألم، صابر ظل بلا وظيفة وبدأ حياة جديدة، وجعفر أخذ القراصنه قاربه ولم يعود، وشوتر أخذ الفاسدين أرضه وأبقاره دون رجعه، ومن ربى إبنه على السرقة والنصب لم يظهر الندم على تكسيره لماكينة الخياطة التي باعها لإشباع هواه ولا ندمه على ضياع إبنه الذي سيعود إليه جثة هامدة.
خامساً: كان على نهاية هذه الآفات أن تقع ولو بمقولة تشبه مقولة " فرح " (لن أكون قرصاناً وأبي لا يريدني كذلك ) وأن تُبقي على صوت " فتيني " مدوياً، صوت مقارعة الظلم وإعلان عدم الخوف والتراجع.
أنبه أيضاً إلى أنه كان من المفترض أن يحاول المؤلف أن يجتهد أكثر من أجل رفض هذا الواقع وتوعية الرأي العام بالمشاكل والحلول الممكنة حسب تصوره للموضوع الذي طرحه للنقاش والجدل ليكون دافعاً للتغيير الحقيقي الذي نناشده وإن كنت أنا أتصور نهاية كل فاسد وأراها أمامي ... فالمستقبل للشرفاء ولأصحاب الحقوق وليس للفاسدين والمفسدين، المستقبل للمظلومين وليس للظالمين ونهابي الأراضي، المستقبل للأحرار الذين يعون قول الله " كلا لا تطعه وأسجد وأقترب ".
كان عليه أن يعطينا دروساً مكثفة عن مقاومة الظلم، عن مقارعة الفساد، ليلخص لنا في النهاية، أن النصر للمجتهد الصابر، وأن الحقوق مهما ضاعت إلا أنها سوف تعود ...
في النهاية كلي أمل أن لا أكون قد استبقت الأحداث وتحدثت عن ما أدخره المؤلف للجزء الثالث من المسلسل الرائع "همي همك"