* من الصعب أن نتصور نجاحاً كلياً لسياسات الولاياتالمتحدة في تفكيك تنظيم القاعدة، فيما يمتلك الرئيس صالح الدافع للإبقاء عليها كأداة للاستمرار في جذب انتباه الولاياتالمتحدة حتى على حساب أمته. * زيادة المساعدات العسكرية قد تفاقم الثقافة العسكرية المنتشرة حقاً في اليمن وتعزز اقتصاد الحرب. * ما ينبغي على الولاياتالمتحدة فعله هو الحث على الإصلاح السياسي والقضائي والخدماتي وتشجيع اليمن على إيجاد حل سلمي للصراعات في الشمال والجنوب.
يوسف هارون زيلين في الشهر الماضي عادت اليمن إلى دائرة الضوء. وكالة الاستخبارات المركزية باتت تعتقد الآن بأن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية -ومقره اليمن- يمثل تهديداً لأمن الولاياتالمتحدة بشكل أكبر من التهديد القادم من تنظيم القاعدة في وسط باكستان. وعلى هذا النحو، فقد ذكرت تقارير صحفية أن حكومة الولاياتالمتحدة تخطط لتنفيذ هجمات خاصة في اليمن بواسطة طائرات بدون طيار، في الوقت الذي ذكرت فيه أيضاً أن القيادة المركزية الأمريكية تعتزم تقديم (1.2) مليار دولار من المساعدات العسكرية إلى اليمن على مدى فترة خمس سنوات. لكن مثل هذه السياسات، ومهما حسنت النية، من غير المرجح أن تعمل على حلحلة التحديات الحقيقية الكبرى التي يمثلها وجود تنظيم القاعدة في اليمن، بل لربما تجعل الوضع أكثر سوءاً مما هو عليه اليوم.
في الواقع، بدا أنه كان هناك إجماع كبير داخل الحكومة الأمريكية على تقديم مثل هذه المساعدات العسكرية إلى اليمن. إلا أن مقالاً نشر مؤخرا في صحيفة النيويورك تايمز أكد أن مناقشات حادة دارت داخل إدارة أوباما حول فعالية هذه المساعدات. إدارة أوباما تجادلت حول مشروعية استهداف مواطن أميركي (تحديداً: أنور العولقي). وقبل الولوج في البرنامج الجديد، من المهم استرجاع أو مناقشة الأسباب أو العوامل التي جعلت من الجهود الأمريكية السابقة الرامية إلى القضاء على وجود تنظيم القاعدة في اليمن تبوء بالفشل.
إن الجهود الخاصة بمساعدة الحكومة اليمنية ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لم تقدم الشيء الكثير للمساعدة في حل بعض من مشاكل اليمن الاجتماعية الحضارية الكبرى، بما في ذلك نقص المياه، وانخفاض مخزون النفط، ومشاكل أخرى مثل: اللاجئين والمشردين داخليا، النمو السكاني المتزايد، التمرد في الشمال، والحركة الانفصالية في الجنوب.
في الواقع، إن زيادة المساعدات العسكرية قد تثير أو تفاقم الثقافة العسكرية المنتشرة حقاً في اليمن، وتعزز اقتصاد الحرب، وتركز شكاوى المواطنين من التمرد تحت قيادة الحوثيين في الشمال، والحركة الانفصالية في الجنوب. وهذه مشكلة، لأن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ينظر إلى تلك الصراعات على أنها الأكثر خطرا على سلطته من القاعدة في جزيرة العرب، وهو الأمر الذي ربما سيكون مغرياً لاستخدام المساعدات الخاصة بمكافحة الإرهاب ضد تلك الحركات المتمردة. وإذا كانت الحالة كذلك، كما يقول بريان اونيل، فهذا من شأنه أن يعمل بشدة على تقويض كل الجهود التي تبذلها الولاياتالمتحدة.
إن ضربات الطائرات بدون طيار غالباً ما يتم العمل بها كوسيلة فعالة لاستهداف قيادة القاعدة في جزيرة العرب، إلا أن مثل هذه الضربات في اليمن يمكن أن تؤدي إلى وفاة العديد من المدنيين الأبرياء دون أن يكون لها تأثير كبير على قيادة القاعدة في جزيرة العرب. والجدال الذي يدور حول تأثيرتلك الضربات في باكستان، والذي يكشف عن وجود خلاف عميق بين ما تقدمه عسكرياً، وبين الآثار السياسية السلبية المحتملة، قد تكون أكثر حدة في اليمن.
وبحسب التقارير فإنه ومنذ جاء الرئيس أوباما إلى مكتب الرئاسة، نفذ الهجوم الوحيد بواسطة طائرات بدون طيار، في اليمن في 17 ديسمبر 2009 على تجمع في منطقة "المعجلة" في محافظة أبينجنوب اليمن، والذي قيل إن عدد من قتل فيها حوالي 41 مدنيا و 14 من أعضاء تنظيم القاعدة، إلا أنه لم يكن بين هؤلاء شخص مهم. وتأسيساً على تلك الضربات، وجدت القاعدة في جزيرة العرب ذريعة في تلك الضربة لتنفيذ محاولة الهجوم الذي قام به عمر فاروق عبد المطلب يوم عيد الميلاد على نورثويست ايرلاينز، الرحلة رقم 253 والتي كانت في طريقها من امستردام الى ديترويت.
وعلى أية حال، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها طائرات بدون طيار في اليمن. ففي تشرين الثاني / نوفمبر 2002 ، نفذت إدارة بوش ضربة جوية بدون طيار قتلت فيها أبو علي الحارثي زعيم الجماعة المعروفة آنذاك باسم تنظيم القاعدة في اليمن، وإلى جانبه قتل المواطن الاميركي كمال درويش (أحمد حجازي). وبحسب ما يعتقد فإن هذه الضربة أعاقت تحرك المنظمة لبعض الوقت، غير أن غريغوري جونسن يوضح : "لسنا في العام 2002، وإذا كانت الولاياتالمتحدة تعتقد أنها ومن خلال إبعاد [قادة القاعدة في جزيرة العرب] الوحيشي، الشهري، و الريمي، سيمكنها أن تحدث النتيجة نفسها عندما قتل الحارثي فهي للاسف الشديد مخطئة. ذلك أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية سوف يستمر ويظل على قيد الحياة سواء قتل أي من هؤلاء القادة الثلاثة، أو حتى إن قتلوا جميعهم. "
إن السياسة غادرة. فشن الهجمات عبر الطائرات بدون طيار يمكن أن تعوق الجهود الرامية إلى حل النزاعات القائمة في الجنوب والشمال بشكل سلمي. وكما حذر غريغوري جونسون، فإن الغارات التي تنفذ بواسطة طائرات بدون طيار في اليمن يمكن أن تزج بالولاياتالمتحدة في الصراعات القبلية، والتي من شأنها أن تسحب الولاياتالمتحدة إلى عمق القضايا اليمنية الداخلية، فضلا عن ذلك يمكنها أن تلهب وتستثير التحديات الأخرى التي تواجهها الحكومة اليمنية مثل الاضطرابات الجنوبية والتمرد الحوثي.
فمثلاً: إذا حاولت الولاياتالمتحدة استهداف أحد نشطاء القاعدة في جزيرة العرب في معقل الحوثيين في شمال اليمن وأدى ذلك إلى مقتل أفراد آخرين عن طريق الخطأ ممن يتعاطفون مع قضية الحوثي، فإنها على الأرجح ستعرض السلام الهش للخطر، مما قد يؤدي الى تصعيد كبير واستئناف الحرب بين الحوثيين والحكومة اليمنية. في الجولة الماضية من المعركة التي دارت خلال الفترة من آب / أغسطس 2009 الى شباط / فبراير 2010، دخلت المملكة العربية السعودية -التي حازت على كمية كبيرة من المساعدات العسكرية الأميركية- الحرب بشكل علني. بل أبعد من ذلك، فإن أي عملية صغيرة لمكافحة الارهاب يمكن أن تتصاعد بسرعة وتتحول الى حرب إقليمية لا علاقة لها بالقاعدة في جزيرة العرب، وهذا قد يزيد من زعزعة استقرار الوضع الأمني في اليمن، بل قد يقلل من أهمية وقيمة المعركة ضد القاعدة في جزيرة العرب.
على المرء أيضاً، أن ينظر في ارتفاع منسوب العنف الحاصل في الأشهر الأخيرة بين نشطاء القاعدة في جزيرة العرب وقوات الأمن اليمنية، والذي حدث بشكل رئيسي في جنوب اليمن، وربطه بما حدث في الآونة الأخيرة أيضاً بالنسبة لتصاعد أعمال العنف من قبل الحكومة اليمنية ضد الحراك الجنوبي. وهذا يمكن أن يؤدي بالجنوبيين فعلاً إلى إقامة علاقات أوثق مع القاعدة في جزيرة العرب، على الرغم من أن كل فئة لديها أهداف مختلفة. إلا أنه، وعلى الرغم من ذلك الخلاف، فقد حاولت القاعدة في جزيرة فعلاً استمالة الحركة الجنوبية، في إطار من الإمارة الإسلامية عند إطلاق رسالة بعنوان "رسالة إلى أهلنا في الجنوب". وكما قال زعيم القاعدة في جزيرة العرب، ناصر الوحيشي، في تلك الرسالة: "نحن في شبكة تنظيم القاعدة ندعم كل ما تقومون به: من رفضكم للظلم الذي يمارس ضدكم وضد غيركم، ومعركتكم ضد الحكومة والدفاع عن أنفسكم".
وحتى الآن، لا يوجد دليل على وجود تواطؤ بين الفريقين حتى ولو كانت الحكومة اليمنية تقول خلاف ذلك. وفي الماضي رفضت الحركة الجنوبية مبادرات من القاعدة في جزيرة العرب. ومع ذلك، إذا ظلت الحكومة اليمنية مستمرة في الخلط بين الحركة الجنوبية والقاعدة في جزيرة العرب مع مزيد من العنف الموجه نحو الحراك الجنوبي، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تحالف الضرورة.
وثمة مسألة أخرى لها علاقة بشرعية استهداف مواطن أمريكي. إن الكيفية التي تقرر فيها إدارة أوباما حسم الوضع مع أنور العولقي ستسلط الضوء على السياسة القانونية للولايات المتحدة قياساً إلى الحرب على الإرهاب. هل أن هذا الأمر سيقود الولاياتالمتحدة إلى منحدر زلق يضعف سيادة القانون وشرعيته في نظر المجتمع الدولي؟ أم هل يؤكد أوباما ما تضمنه خطاب تنصيبه : "إننا نرفض مثل هذا الأسلوب الخاطئ حينما نخير بين سلامتنا ومثلنا العليا".
وأخيرا لا ينبغي على الولاياتالمتحدة أن تتفاجأ إذا حاولت القاعدة في جزيرة العرب الرد على هجوم الطائرات بدون طيار من خلال مهاجمة الوطن كما فعلت تقريباً مع المحاولة الفاشلة يوم عيد الميلاد. والسؤال هو: ماذا لو أن ذلك الهجوم كان ناجحاً؟ ويجيب جريج سكوبلت بإيجاز: "لكان النداء الموجه لأمريكا لترك شريكها المحلي الضعيف جانباً والاهتمام بالمشكلة نفسها، سيزداد ارتفاعاً". فهل سترفع الولاياتالمتحدة بعد ذلك مساعداتها للتعامل مع القضايا الداخلية الأخرى لليمن: الحكم، والبنية التحتية، والتعليم، والرعاية الصحية، والتنمية الاقتصادية؟ أم من المتحمل أن تكون وضعت أقدامها على الأرض؟ إن هذا من شأنه أن يغرق الولاياتالمتحدة في مجتمع معقد، والذي حقاً لن يفهم أهمية تلك الإجراءات كما رأينا في أفغانستان والعراق، حيث أدى ذلك إلى مزيد من المتاعب .
ولكن يبقى السؤال هنا: ماذا لو أن ضخ 1.2 مليار دولار من المساعدات العسكرية الى اليمن المسندة بواسطة الطائرات بدون طيار الهجومية ضد القاعدة في جزيرة العرب آتت ثمارها؟ من الواضح، ويأمل المرء أن تنجح الولاياتالمتحدة في تفكيك القاعدة في جزيرة العرب، وأن يحدث هذا دون تكرار نفس الأخطاء التي حدثت في العام 2003 عن طريق غضها الطرف عن حضور تنظيم القاعدة في اليمن. ولكن، من الصعب أن نتصور نجاحاً كلياً للولايات المتحدة فيما أن الرئيس صالح يمتلك دافع الإبقاء على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على قيد الحياة.
بين عامي 2003 و 2006 خفضت الولاياتالمتحدة مساعداتها العسكرية إلى حد كبير. ومثل هذا الأمر، جعل الرئيس" صالح" ينظر إلى القاعدة في جزيرة العرب كأداة للاستمرار في استرعاء انتباه الولاياتالمتحدة حتى على حساب أمته.
إن ما ينبغي على الولاياتالمتحدة هو تشجيع اليمن على إيجاد حل سلمي للصراعات في الشمال والجنوب كما أن معالجة تظلمات هذه الجماعات، من شأنه أن يوفر الموارد اللازمة لمعالجة القضايا الملحة الأخرى. كما ينبغي على الولاياتالمتحدة أيضا القيام بما يلي: أخذ زمام القيادة في المبادرة الجديدة االخاصة بالصندوق الدولي للمانحين المخصص لأجل التنمية والحد من الفقر، ولكن خلافا لما حدث في الماضي يجب التأكيد على الجهات المانحة المتابعة من خلال؛ مواصلة تدريبها للمستوى المنخفض للمسؤولين العسكريين اليمن؛ دعم الجهود الرامية إلى تنويع الاقتصاد اليمني، الذي يعتمد اعتمادا كبيرا على موارد النفط غير المستدامة والتي تستنزف بحدة، تشجيع وتعزيز برامج المساعدات الدولية لمساعدة أكثر من 300,000 من المشردين واللاجئين داخليا، حث جهود الإصلاح في المجال: السياسي، القضائي، التعليمي، البنية التحتية، والخدمات الطبية لتقديم خدمة أفضل للمواطنين اليمنيين.
إن هذا قد يحجم نمو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بترك المسائل الكلامية المحتملة، مما يؤدي في نهاية المطاف لهزيمتها.
• هارون يوسف زيلين هو باحث مساعد في قسم العلوم السياسية في جامعة برانديز (Brandeis) ومدون في مدونة ((Jihadology • الترجمة خاصة بالمصدر أونلاين والنص الأصلي للمادة نشرت باللغة الإنجليزية في مجلة "السياسة الخارجية: FP" الأمريكية. بتاريخ 22 سبتمبر 2010.