تمثل النقابات المهنية القاعدة الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات المتقدمة بحيث تلم كل متطلباتها تحت كيانات منظمة تدار بالمنطق والحوار والقانون وتعتمد النقابات المهنية على الديمقراطية والقانون واللوائح المنظمة لها التي يجمع عليها المنتميين للنقابات وهي التي تسير عمل النقابات بحيث تأخذ على عاتقها حقوق المنتميين لها وتوفر مطالبهم القانونية وللنقابات المهنية ادوار جبارة في سياسات الدول واتجاهات الحكومات والتأثير في الرأي العام بل قد يصل تأثيرها إلى أن تصنع الثورات وتقلب الأنظمة المستبدة أو الفاسدة. ومن وجهة نطر كثير من النقابيين العالميين ان انتخاب قيادات هذه النقابات هي المحك والركيزة الأولى لضمان نجاح عملها وقيامها بواجبها الأمثل تجاه أعضائها المنتمين لها وان وصول القائد النقابي الجدير بالقيادة هو قوة الدفع لعمل النقابة ومكانتها لدى المحيط بها وانجازها للواجبات الملقية على عاتقها.
فإذا خرجت هذه النقابات عن إطار الديمقراطية والانتخاب الحيادي الشفاف والنزيه انعدم القائد النقابي الجدير بالقيادة وبالتالي تخرج النقابة عن طريقها وهدفها المرسوم الذي تكونت من اجله لتدخل تحت منعطفات شخصية وشللية ضيقة وتتحول من عمل الأشخاص من اجل تجمعهم إلى عمل الجميع من اجل شخص أو أشخاص محددين.
وفي الانتخابات الأخيرة لنقابة المحامين اليمنيين فرع صنعاء وأنا احد المنتمين لها مثلت دور المراقب على سير الانتخابات فيها بصراحة وأنا أراجع مقومات وأسس تكوين النقابة وطريقة العمل الانتخابي فيها وجدت فجوة كبيرة ووجدت لملمتها أمر غير مقتدر ولاحظت الكثير من الخروقات وانعدام مؤشرات الحياد في سير العمل الانتخابي في نقابة هي في الأصل بيت القانون وتسير بدون قانون مطبق وكانت لي محطات استغراب.
كان أولها مفاجآتي عند دخول قاعة المؤتمر الذي سبق الاقتراع بيوم بصورة للنقيب العام للمحاميين اليمنيين وقائمته وهو احد المرشحين تملا واجهة القاعة بطول 10*15 متر تقريبا واسمه يتقدم مرشحي قائمته لرئاسة الفرع صنعاء مع انه يشغل منصب النقب العام للمحامين في ذات الوقت وكانت الصورة هي خلفية لمنصة رئاسة المؤتمر، وكأن المؤتمر برعاية عبدالله راجح وقامته وليس برعاية النقابة.
وكانت الثانية عندما قام عندما قام النقيب العام نفسه الأستاذ عبدالله راجح بإلقاء كلمة المؤتمر قبيل بداء الاقتراع مع انه احد المرشحين ولسان حاله يقول لمن لا يعرف عني ها أنا ذا لا تتردد في منحي صوتك واستعرض بكلمته التي ألقاها انجازاته ونجاحاته في الفرع وانتقد من خلالها معارضيه. وكان من المفترض ان تترك الكلمة لشخص لم يدرج اسمه ضمن قائمة المرشحين.
وكانت المفاجأة الثالثة هي توزيع أدبيات المؤتمر الذي كان أهمها مجله حوت في طياتها كل معاني وصور التمجيد والتلميع والدعاية وتذكر الانجازات الخارقة للأستاذ عبد الله راجح المرشح حتى أصبح ذلك العدد لا يعدوا إحدى حملاته الانتخابية.
ولا يفوتني إلى أن أشير إلى أن لجنة النظام الذين كانوا أكثر الناس احتكاكا في هيئه الناخبين أثناء عملية الاقتراع كانوا جميعهم معينين من قبل الأستاذ عبدالله راجح قبل المؤتمر وكانوا في الأصل من فريق عملة ورواد حملاته الانتخابية.
بل ما تطرحني على مرمى الأمر الواقع وأدركت أن العملية الانتخابية في النقابات المهنية في بلادنا لا زالت بعيدة عن الحيادية والسير السليم والبنّاء، هو أني استغربت ولاحظت استغراب كثير من زملائي في وجود عدد كبير من الناخبين يصلون إلى 30% وجوههم غير مألوفة ولم يسبق التعرف عليهم أو رؤيتهم في ساحة عمل المحاماة أو المحاكم والنيابيات، ولوحظ أن كثير منهم كانوا ينقلون أسماء مرشحيهم من القائمة الموسومة التي يترأسها الأستاذ راجع ويبدوا أنهم لم يحفظوا أسماء ممثليهم جيداً.
لقد أكسبتني مشاركتي الأخيرة في انتخابات نقابة المحامين تجربة وخبرة وأطلعتني على أمور عديدة، وأيقنت أنها لن تتغير أو تتقدم شبرا للأمام ما لم تصلح مسارها المشوه في الجانب المالي والقانوني وان تنفذ اللوائح الداخلية وتشارك جمعيتها العمومية في الخروج من أزمتها السابقة التي يشوبها عدم وجود موازنة مالية أو ادني مشروع موازنة ويبدو لي أنها لن تخرج من طريقها القديم لان الانتخابات الحالية لم تغير في الصف نقطة، ومن هنا أطالب مجلس النقابة المنتخب أن يصدر اللائحة المالية التي تنظم عمليتي التحصيل والإنفاق وتحدد ضوابطها وتعمل على إعداد مشروع الميزانية للعام 2011، وعرضه على الجمعية العمومية لتصادق بدورها عليه.