"أنتم ما قد استقضيتوش لجدكم"، كان لهذه العبارة أثر بالغ في نفوس أحفاد القاضي الذي لقي مصرعه في العام 1988 على أيدي مسلحين قبليين من بني ضبيان. لغة العنف هي السمة السائدة بين أبناء القبائل المتشبثين بعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة جيل تلو آخر، والثأر يوصى به الآباء أبناءهم شفاهة لافتقارهم للتدوين بعد أن حالت البنادق بينهم وبين الأقلام.
"السهمان" هي إحدى قبائل خولان الطيال والمكونة من "آل أبو زيد- بني شداد -بني سهام -بني جبر- اليمانيتان –بني بهلول – الأعروش –آل محمد بن عمر- بني ضبيان" والأخيرة متهمة بقتل الشيخ حسين بن علي القاضي قبل ما يزيد عن عقدين من الزمن.
آنذاك نجحت وساطات قبلية في واد نار الحرب المندلعة بين الطرفين، وخلصت إلى تحكيم قبيلة السهمان من قبل قبيلة بني ضبيان التي صدر حكم قبلي ضدها بمربوع المحدعش، أي بدفع أربعة وأربعون دية لأسرة المجني عليه "فلوس وسيارة ودركتل وعادهن عند الباب" قالها الشيخ صالح عايض للتأكيد على استلام أسرة القاضي للدية من الطرف الآخر. أحيانا توقع القبائل المتنازعة على وثيقة صلح تنتهي بانتهاء مدتها المحددة وحينها إما التجديد أو الضغط على زناد البنادق. لكن بني ضبيان والسهمان لم يتفقا على إبرام صلح بينهما ولم يتم العفو عن الجاني "الدم باقٍ" بحسب عايض.
تلك مدعاة لسخرية القبيلي من غيره الذي لا يتردد عن التفكير دوما بنصب القبر لمن نال حتفه من الأجداد، وعندئذ يعلوه الكبرياء والتباهي وتخرس ألسن الساخرين.
صباح الجمعة الفائت وقف نجل محمد حسين القاضي أمام من يعتقد أنه قاتل جده وأطلق رصاصات عديدة من فوهة بندقيته كانت كفيلة بإزهاق روح الشيخ الدماني ناصر السالمي، حدث ذلك بالقرب من دار الرئاسة التي يتحدث إعلامها الرسمي عن لجان لحل قضايا الثأر.
القاتل كان مرتديا بزة قوات الأمن المركزي التي ينتسب إليها، والتي عجزت دائرة التوجيه المعنوي عن توعيته ودفعه للالتزام بنصوص الدستور والقانون، نظرا لانشغالها بالحديث عن أعداء الوطن والثورة والوحدة!. بعد أن أفرغ القاضي ما كان في جعبة بندقيته، انطلق بكبرياء مفعمة نحو قبر جده ليضع حجرا عليه، وتولى أقاربه إطلاق الأعيرة النارية نحو السماء ابتهاجا.. لقد كان ذلك إيذانا بنشوب حرب هوجاء بين بني ضبيان والسهمان توقفت مساء السبت الماضي بعد مقتل ستة من الطرفين.
الوساطة القبلية التي قادها مشايخ خولان والحدأ والشيخ القردعي تمكنت من وقف الحرب التي دارت رحاها في منطقة "قرض" بخولان، لكنها لا تزال تسعى جاهدة إلى إقناع قبيلة السهمان بتحكيم قبيلة بني ضبيان.
وبحسب مصدر قبلي ل"المصدر أونلاين" فمن المتوقع أن يوقع طرفا النزاع صباح اليوم الثلاثاء على وثيقة تمنح قبيلة بني ضبيان الحق في اختيار شيخ من مراغة خولان –أعلى رتبة قبلية- ليتولى الفصل في القضية التي تبدو متساوية في عدد قتلى طرفيها "كان باقي عند بني ضبيان للسهمان ثلاثة زيادة والآن قدهم متعادلين" قالها عايض.
تبدو قضايا الثأر في اليمن كمباراة كرة قدم لا ينبغي لها أن تنتهي إلا بالتعادل وبدونه ستظل الكرة في الميدان حتى يصوبها أحد الفريقين بإحكام.